العامل الاقتصادي والسياسي في تأجيج الأزمة المصرية
الجمل: بدأت الأوضاع المصرية تشهد المزيد من حالات التدهور والانزلاقات الحرجة, وذات القابلية للتحولات السريعة لجهة المزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة بتأثير تراكم الاحتقانات: فما هي طبيعة الأزمة المصرية, وما الذي يجري تحت سطح الأحداث؟
الأزمة المصرية: الطبيعة والخصوصية؟
تطرقت التقارير والتحليلات الجارية إلى الأزمة المصرية المستقلة باعتبارها أزمة ذات طبيعة سياسية بحتة, بسبب الصراع حول من سيتولى منصب الرئيس المصري في انتخابات عام 2011م الرئاسية القادمة, وبسبب الخلافات بين المعارضة والحكومة المصرية, إضافة إلى تزايد الرفض الشعبي لتورط النظام المصري في دعم وتعزيز العلاقات والروابط مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
برغم الجهد الكبير الذي تم بذله في التقارير والتحليلات التي سعت إلى وصف وتفسير حقيقة الأزمة المصرية, فإن نقطة ضعف هذه التقارير والتحليلات تتمثل في أنها أغفلت الحقيقة القائلة بأن السياسة تبدأ بالاقتصاد وتنتهي بالاقتصاد, وبكلمات أخرى لم تعرض هذه التقارير والتحليلات إلى الأزمة المصرية من ناحية تأثير العامل الاقتصادي ودوره الرئيسي في إزكاء وقود مفاعيل الأزمة المصرية.
تقول المعلومات والتسريبات الجارية, أن طبيعة الأزمة المصرية الحالية تقوم على مكون مزدوج, بحيث يوجد تأثير العامل الاقتصادي جنبا إلى جنب مع تأثير العامل السياسي, وفي هذا الخصوص نتعرض لمؤشرات أداء الاقتصاد الكلي المصري على النحو الآتي:
• مؤشر الناتج المحلي 2009م: بلغ حجم الناتج الإجمالي الكلي 443,4 مليار دولار بمعدل دخل كلي للفرد 5896 دولار أميركي سنويا. وحجم الناتج المحلي الصناعي 162,6 مليار دولار بمعدل دخل صافي للفرد 2162 دولار أميركي, ونلاحظ مدى الفرق الكبير بين أرقام الناتج والدخل الكلي, وأرقام الناتج والدخل الجزئي, فالفرق بين كل رقم وما يقابله يتجاوز نسبة ال 150% ...
• مؤشر معدل التضخم: وصل معدل التضخم نسبة 23,6% بما يجعل من هذه النسبة الأكثر سوءا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, وذلك بما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية المصحوب بانخفاض القدرات الشرائية الأمر الذي أدى بدوره إلى تدهور مستويات المعيشة.
• مؤشر معدل البطالة: وصل معدل البطالة في نهاية عام 2009 الماضي إلى حوالي 10%, وهو معدل عالي, أدى إلى جعل مصر من أكبر البلدان الشرق أوسطية تصديرا للعمالة.
• مؤشر النمو السكاني: بلغ عدد سكان مصر حوالي 77,5 مليون نسمة, بمعدل كثافة يبلغ 82,3 شخصا لكل كيلومتر مربع واحد, وإضافة لذلك, فقد أدى تمركز السكان على ضفاف نهر النيل, إلى أن يقطن ال 77,5 مليون نسمة في 7% من مساحة مصر, وبقاء ال93% من المساحة خالية.
• مؤشر الدين العام: بلغ حجم الدين العام حوالي 40 مليار دولار, بحسب الأرقام والإحصائيات المتاحة, وهو رقم كبير يتجاوز حجم الاحتياطات النقدية البالغ حجمها 34 مليار دولار.
تشير التحليلات إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ظلت السلطات المصرية تسعى لتطبيقه, يواجه مشكلة كبيرة تتمثل في تأثيراته العكسية البالغة الخطورة, منها على سبيل المثال لا الحصر, أن معالجة التضخم عن طريق أسعار الفائدة أو عن طريق فرض القيود التقشفية على الميزانية, سوف لن يترتب عليه سوى خفض معدل النمو, والذي أصبح يقف على عتبة معدل الـ5% سنويا.
التأثيرات السياسية-الاقتصادية المتبادلة:
ترتبط مفاعيل الأزمة السياسية المصرية بمفاعيل الأزمة الاقتصادية, وبكلمات أخرى, أصبحت كل أزمة اقتصادية تجد وقودها السياسي, وكل أزمة سياسية تجد وقودها الاقتصادي, وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• بسبب تزايد الأنشطة الاقتصادية الطفيلية, وتزايد نفوذ دوائر الأعمال الفاسدة, فإن طبقة رجال الأعمال المصريين, أصبحت أكثر دعما لصعود جمال مبارك إلى منصب الرئيس المصري, والذي تقول المعلومات بأنه الأكثر ارتباطا برجال الأعمال المصريين, وبأنه ظل يقف أمام الكثير من القرارات الاقتصادية الجائرة التي صبت في مصالح جيوب رجال الأعمال.
• بسبب تزايد ضغوط التضخم والبطالة والديون, فقد تزايدت المعاناة الاقتصادية في أوساط الشعب المصري, وقد أدى ذلك إلى تزايد السخط والاحتجاجات الشعبية السياسية, الأمر الذي صب في مصلحة قوى المعارضة السياسية المصرية وعلى وجه الخصوص جماعة الإخوان المسلمين, التي ارتفعت قدراتها في مجال التعبئة من نسبة المواكب والمظاهرات التي تتضمن بضع مئات إلى مواكب ومظاهرات تضم عشرات الألوف في مختلف المحافظات المصرية.
هذا, ونفس الشيء يمكن ملاحظته على الجانب الآخر, وبكلمات أخرى إذا كان كل عامل اقتصادي سالب التأثير يؤدي إلى تأثير سياسي فإن كل عامل سياسي سلبي أصبح يؤدي أيضا إلى تأثير اقتصادي سلبي, وعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن دعم رجال الأعمال لصعود جمال مبارك لمنصب الرئيس المصري, ترتب عليه قيام شركات التأمين الأوروبية برفع درجة المخاطر في حساباتها المتعلقة بمصر, وذلك على أساس اعتبارات أن صعود جمال مبارك المفترض سوف يترتب عليه بالضرورة افتراض مقابل هو احتمال زيادة الاضطرابات السياسية, وهو أمر يعرض الاستثمارات الأجنبية في مصر إلى المزيد من المخاطر, وعلى هذه الخلفية فقد سعت شركات التأمين العالمية وأيضا شركات التأمين المصرية إلى رفع معدلات أقساط التأمين.
سيناريو الأزمة القادم: من يأتي أولا؟
حتى الآن لا يوجد تحديد دقيق لانفجار الأزمة المصرية, هل ستنفجر الاحتقالات السياسية أولا, أم ستنفجر الاحتقالات الاقتصادية, وبكلمات أخرى, إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية بمعدلات كبيرة خلال فترة العام القادم, فإن انفجار الأزمة الاقتصادية سوف يسبق انفجار الأزمة السياسية, وإذا سعت السلطات المصرية إلى تشديد الضغوط والقيود السياسية فإن انفجار الأزمة السياسية سوف يسبق انفجار الأزمة الاقتصادية, وما هو أشد خطورة سوف يتمثل-لاقدر الله-في تزامن الانفجارين!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد