السوري ماهر البارودي يقطف جائزة بينالي في القاهرة
حصل الفنان التشكيلي السوري المقيم في فرنسا «ماهر البارودي» على الجائزة الأولى في بينالي القاهرة الدولي العاشر الذي شهدته العاصمة المصرية الشهر الماضي وهذه التظاهرة الفنية التشكيلية الدورية تنظمها وزارة الثقافة في جمهورية مصر العربية.
على الرغم من تلقيه دعوة شخصية من إدارة البينالي للمشاركة فيه، أصر الفنان البارودي على تمثيل سورية في هذه التظاهرة الفنية الدولية الهامة، وكانت مشاركته فيها بلوحتين بقيام 135ھ 210سم منفذتين بقلم الفحم، تناول فيهما مأساة الانسان المعاصر وهواجسه من خلال إسقاطها على «الخروف» الذي رمز فيه للضحية، فرسمه مذبوجاً معلقاً بأوضاع مختلفة الى جانب صورة تذكارية «للمرحوم» يحيطها إطار فخم مزخرف، والى جانبها توزعت قسائم تحمل سعره الحالي، بينما يطل وجهه من وسط اللوحة السفلي، شارداً، مذهولاً، متأملاً، مستسلماً لمصيره، وكأني به يستنجد بالمشاهد لمساعدته بالخروج من هذا المصير المحتوم!!
تحمل ملامح الخروف ـ الضحية ـ خليطاً عجيباً من التعابير، تمتزج فيها النشوة بالألم، والمأساة بالملهاة، والخوف بالبلاهة والاستكانة برغبة التمرد والصراخ، مازاد هذه الحالة الغريبة سوداوية وعمّق من تباينها وتناقضها، اعتماد الفنان البارودي، تقنية الأبيض والأسود وتداعياتهما من الرماديات، في معالجة لوحتيه اللتين نال عليهما الجائزة.
ثمة ملاحظة أخرى بارزة في هذه المعالجة، هي بروز نزعة التجسيم في أشكالها وعناصرها، مايؤكد وينم عن أن من قام بتنفيذها هو في الأساس نحات، بدليل هذا الاحساس الطاغي بالحجم، المسيطر على مفردات لوحته بشكل عام.
الفنان ماهر البارودي من مواليد دمشق عام 1955 درس فن النحت في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق وتخرج منها عام 1979 تابع دراسته للنحت في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بمدينة «ليون» الفرنسية وحصل على شهادة الدبلوم عام 1982 يقيم ويعمل في هذه المدينة منذ قدم إليها لأول مرة. حازت أعماله الفنية على العديد من الجوائز وبراءات التقدير، وكانت له مشاركات في عدد من ملتقيات النحت الدولية، من بينها ملتقى النحت الدولي الثاني في مدينة اللاذقية عام 2002، نفذ خلاله عملاً نحتياً بخامة الحجر، تناول فيه الموضوع نفسه الذي يشتغل عليه الآن وهو «الخروف». إلى جانب انكبابه النشيط على ممارسة إنتاج العمل الفني بشقيه: النحتي والتصويري، يقوم الفنان البارودي بتدريس مادة النحت في المدرسة الوطنية العليا بمدينة «ليون».
المتابع لتجربة هذا الفنان، يجد أنه تمكن من التوفيق ببراعة بين فن النحت وفن التصوير، وأعطى في المجالين، أعمالاً مهمة، انتصر فيها للإنسان المأزوم والمهمش والمحاصر، وهو يرى أن هذين الفنين، يكمل أحدهما الآخر، بل ويحتاجان بعضهما البعض، ويؤكد مع كثير من النقاد والفنانين، أن النحات الجيد، لابد أن يكون رساماً جيداً أيضاً.
وحول اختياره «الخروف» موضوعاً رئيساً لأعماله الفنية خلال السنوات الأخيرة، يقول الفنان البارودي، أن تجربته الفنية التي شارف عمرها ربع قرن من الزمن، كان خلالها دائم الانكباب على البحث والتجريب والعمل المتواصل على موضوعة الإنسان القاهر المقهور، وهو يؤمن بوجود فئة قليلة ظالمة ومتحكمة، وفئة كبيرة مظلومة. اشتغاله على هذا الموضوع، أفرز تجارب كثيرة في النحت والرسم والتصوير، لكنه خلال السنوات القليلة الماضية، اتجه نحو استخدام الحيوان الذي يقبع في الأعلى، الانسان في الأسفل، بمعنى آخر: أصبح الحيوان في الدول المتقدمة أفضل من الانسان وله حقوق أكثر، ويعيش في رفاهية كاملة.
من هنا، توصل الفنان البارودي الى قناعة بأن الحيوان يمكن أن يكون وسيلة تعبير فاعلة في التأثير على عواطف الناس، والخروف بشكل خاص، يعتبر حيواناً مسالماً، وبالإمكان إظهار تعابير فاعلة ومؤثرة في عواطف الناس، من خلال هذا الكائن الوديع المغلوب على أمره دوماً، غير أن الفنان البارودي، قدمه مستسلماً، خانعاً، خاضعاً، هادئاً، مسالماً، تارة، وتارة أخرى ، ثائراً، غاضباً، هذه الحالة أو تلك، ترتبط بحالة المشاهد وطبيعته أثناء وقوفه أمام العمل الفني.
وحول تماهي فن الرسم عنده بالنحت، ونوع العلاقة التي تربطهما ببعض، يقول الفنان ماهر البارودي أن الرسم والنحت بالنسبة له أشبه مايكونا بعاشقين كل واحد منهما يستفيد من إمكانات وتجارب وخبرات الآخر، عملية التماهي بينهما تبدأ بالاكتشاف فالاختيار فالتلاحم، وهو دائم التنقل بين الرسم السريع «الكروكي» والتصوير المتعدد التقانات اللونية، والنحت أو التعبير بالحجم، وهذه العملية في المحصلة، عملية تجريب واكتشاف، تهدف في نهاية المطاف الى اغناء واثراء المادتين التعبيريتين معاً، إن كان على صعيد الصياغة الشكلية أو الفكرة والمضمون.
د. محمود شاهين
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد