الدور الأمريكي ـ السعودي في يمن ما بعد علي عبد الله صالح
الجمل: تقول المعلومات والتقارير بأنه قد تم العثور على كمية كبيرة من الأسلحة الخفيفة ضمن شحنة كانت في طريقها إلى اليمن، وإضافة لذلك تحدثت التسريبات عن تحركات إقليمية ودولية متزايدة الوتائر تقوم بها بعض دول الجوار الإقليمي لليمن، فما هي حقيقة دور الأطراف الثالثة الخارجية في توجيه وإعادة توجيه فعاليات الصراع اليمني ـ اليمني. وما هي الاحتمالات الأخرى الإضافية لجهة اتساع نطاق أدوار هذه الأطراف الثالثة بما يشمل زعزعة استقرار الدول الشرق أوسطية الأخرى؟
* خارطة الصراع اليمني ـ اليمني: الاصطفافات والاستقطابات المتجددة؟
شهدت حركة الاحتجاجات الشعبية السياسية اليمنية مسيرة امتدت لأكثر من شهرين، انتقلت عبرها هذه الاحتجاجات للعديد من المراحل والارتقاءات ذات الطبيعة الكمية والنوعية المتبادلة التأثير. بحيث: كلما تزايدت التطورات النوعية، كلما تزايدت بالمقابل التطورات الكمية. وإضافة لذلك كلما تزايدت أعداد الأطراف المشاركة في الاحتجاجات، كلما تزايدت شدة الصراع والمواجهة. ونفس الشيء كلما تزايدت شدة الصراع والمواجهة كلما تزايدت أعداد الأطراف المشاركة في الصراع.
تقول المعلومات الجارية، بأن الاصطفافات والاستقطابات الجديدة تضمنت الآتي:
• أدى انشقاق كبار القبائل اليمنية (حاشد كبرى قبائل اليمن، وبكيل ثاني أكبر قبيلة يمنية) إلى حركة انشقاقات فرعية أخرى خطيرة في أوساط القاعدة الاجتماعية التي ظلت تساند نظام الرئيس اليمني الحالي علي عبد الله صالح.
• أدى انشقاق بعض كبار العسكريين اليمنيين إلى سلسلة من الانشقاقات في أوساط صغار الضباط والجنود، بما أصبح يهدد تماسك المؤسسة العسكرية الأمنية اليمنية إضافة إلى احتمالات أكبر بأن يسعى هؤلاء المنشقين لجهة تكوين قوام عسكري يباشر القيام بمهام حماية المتظاهرين والمحتجين.
• أدى انشقاق بعض كبار المسؤولين الحكوميين وعلى وجه الخصوص الدبلوماسيين اليمنيين إلى سلسلة من الانشقاقات النوعية في الأجهزة الحكومية المدنية الرسمية، بما أصبح يهدد ليس بإضعاف القدرات الحكومية المؤسسية الرسمية وحسب، وإنما أصبح الاحتمال أكبر بأن يكون لحركة الاحتجاجات مكاتب دبلوماسية خارجية تسعى لعزل نظام الرئيس علي عبد الله صالح عن المجتمع الدولي والإقليمي الخارجي.
تشير التحليلات السياسية إلى أن ظاهرة الانشقاقات والانقسامات اليمنية سوف تحمل بين ثناياها الكثير من التساؤلات ذات الحضور القوي لجهة تصور شكل السيناريو اليمني القادم. وتصور شكل إدارة الصراع اليمني ـ اليمني في حالة سقوط النظام، أو في حالة بقائه واستمرار تصاعد المعارضة.
* تدخل الأطراف الثالثة: لعبة إدارة الصراع اليمني من الخارج
تنخرط في الصراع اليمني ـ اليمني الحالي، مجموعة من القوى الفاعلة، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين هي:
• مجموعة القوى اليمنية الداخلية: وتتمثل في الآتي:
ـ نظام الرئيس علي عبد الله صالح وحلفائه المسيطرين على أجهزة الدولة ويسعون إلى استمرار بقاء النظام.
ـ القوى السياسية المدنية، وتتمثل في الأحزاب السياسية والتنظيمات الأخرى السياسية لتصعيد الاحتجاجات بما يؤدي إلى إسقاط النظام وإقامة نظام تعددي ديموقراطي.
ـ تنظيم الحراك الجنوبي، ويسعى لاستعادة إقامة دولة اليمن الجنوبي بعد الانفصال عن الجمهورية اليمنية الحالية، ويجد مساندة الأغلبية العظمى من سكان الجنوب اليمني.
ـ تنظيم القاعدة، ويسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ويجد مساندة العديد من الجماعات الإسلامية السلفية الأخرى ويتمركز في بعض مناطق وسط اليمن.
ـ جماعة الحوثيين، وتسعى لاكتساب المزيد من الحقوق الطائفية الدينية لجماعة الشيعة والزيدية الذين يسيطرون على محافظة صعدة اليمنية.
• مجموعة القوى الخارجية: وتتمثل في الآتي:
ـ المملكة العربية السعودية: وتنظر إلى اليمن باعتباره ساحة فائقة الأهمية لجهة التأثير على أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وذلك لأن انتقال عدوى الصراعات اليمنية إلى السعودية هو أمر يمكن أن يتم بكل سهولة إضافة إلى مخاطر تهديداته لجهة زعزعة استقرار النظام السياسي السعودي، إضافة إلى زعزعة ترابط النسيج الاجتماعي السعودي المرتبط بشكل وثيق بالنسيج الاجتماعي اليمني.
ـ الولايات المتحدة الأمريكية: تنظر إلى اليمن باعتباره يمثل نقطة ارتكاز استراتيجية لجهة السيطرة على السعودية وبلدان الخليج العربي، إضافة إلى السيطرة على غرب المحيط الهندي وممر باب المندب الذي يمثل المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يربط حركة الملاحة والنقل بين مناطق جنوب وجنوب شرق آسيا مع البلدان المتوسطية والبلدان الأوروبية.
تشير المعطيات الجارية إلى أن علاقات خط الرياض ـ واشنطن قد انطوت خلال السنوات الماضية على المزيد من التفاهمات المشتركة المتعلقة بمستقبل الوضع السياسي اليمني، وفي هذا الخصوص، توصلت هذه التفاهمات إلى التأكيد على ضرورة التعاون السعودي ـ الأمريكي المشترك في كافة المجالات بما يتيح بقاء الأوضاع اليمنية تحت سيطرة محور الرياض ـ واشنطن.
على خلفية الصراع السياسي اليمني ـ اليمني المتصاعد حالياً، أخذ التدخل الخارجي الأمريكي ـ السعودي المسارات الآتية:
• مسار التدخل السعودي: تقديم الدعم العسكري للنظام اليمني سواء عن طريق استهداف القوات السعودية لخصومه الحوثيين المتمركزين في المناطق المجاورة للحدود السعودية الجنوبية أو عن طريق تقديم المساعدات العسكرية لقوات النظام اليمني. وبرغم ذلك تسعى السعودية في نفس الوقت لجهة القيم بدعم روابطها مع زعماء ورموز كل القبائل اليمنية.
• مسار التدخل الأمريكي: تقديم الدعم العسكري للنظام اليمني سواء عن طريق استهداف خصومه التابعين لجماعات تنظيم القاعدة المتمركزين في وسط اليمن. أو تقديم المساعدات العسكرية لقوات النظام اليمني، وبرغم ذلك تسعى أمريكا إلى القيام بتعزيز روابطها مع القوى السياسية المدنية اليمنية عن طريق مناشدة النظام اليمني بضرورة عدم استخدام العنف المفرط مع المتظاهرين المدنيين.
وتأسيساً على ذلك نلاحظ أن تدخل طرفي محور الرياض ـ واشنطن ينطوي على الجمع بين العوامل المماثلة: فالسعودية تقف مع النظام وتدعم زعماء القبائل، وأمريكا تقف مع النظام وتدعم الأحزاب والجماعات المدنية، وبالتالي في حال سقوط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، فإن رهان محور واشنطن ـ الرياض، سوف يركز على الجمع بين حلفائه اليمنيين، أي جمع القوى القبلية اليمنية مع القوى الحزبية السياسية المدنية ضمن إطار واحد، يمكن الاستناد عليه لجهة القيام باستهداف خصوم السعودية اليمنيين من الشيعة الزيدية والحوثيين المتمركزين في محافظة صعدة اليمنية المجاروة للسعودية، واستهداف خصوم واشنطن المتمثلين في عناصر تنظيم القاعدة والجماعات السلفية الجهادية المتمركزة في وسط اليمن.
برغم ذلك، لم تتضح بعد مدى توافقات محور الرياض ـ واشنطن حول شكل السيناريو السياسي اليمني المطلوب لجهة بناء النظام السياسي في مرحلة ما بعد إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح: هل ستوافق السعودية على قيام دولة ديموقراطية تعددية حزبية في اليمن المجاور لها والمؤثر بشكل مباشر على تطور السعودية السياسي واستقرارها الاجتماعي والسياسي، وعلى الأغلب أن تكون السعودية أكثر اهتماماً بقيام دولة الخلافة الإسلامية لأنها الأقرب إلى المزاج السلفي الوهابي السعودي. أما بالنسبة لواشنطن، فهل توافق على قيام دولة الخلافة الإسلامية في اليمن و قيام تجمعات هائلة من الجهادية والأصوليين المسلحين، بما يمكن أن يهدد بنقل عدوى الصراع إلى المناطق الأخرى وفرض التهديدات والمخاطر التي تنذر بنسف شبكة المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة.
على خلفية التطورات الدراماتيكية الجارية الأخيرة، وفي بادرة غير مسبوقة، نشر دانييل غرين خبير اللوبي الإسرائيلي في الشؤون اليمنية والخليجية تحليلاً، طالب فيه واشنطن وحلفاءها في المنطقة لجهة القيام بالآتي:
• بناء القناعة التامة بأن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد استنفذ أغراضه وتآكلت شعبيته بشكل غير مسبوق، وأصبح من غير الممكن إقناع الشعب اليمني بإبقاء علي عبد الله صالح لأي فترة قادمة مهما كانت قصيرة.
• إعداد الخطة اللازمة للإطاحة بعلي عبد الله صالح، بما يتضمن الإبقاء على هياكل النظام وتوجهاته، بشكل يتيح الحفاظ على المصالح الحيوية الأمريكية والمصالح الحيوية السعودية.
ولإنفاذ النقاط المشار إليها اقترح التحليل قيام واشنطن بالترتيبات الإجرائية الآتية:
• دعم الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح عن طريق تحريك الدعم الدولي والإقليمي لمساندة المتظاهرين والمحتجين.
• التفاهم مع السعودية حول البديل المناسب.
• التفاهم مع رموز المعارضة اليمنية لجهة تنسيق المواقف المشتركة في مرحلة ما بعد خروج الرئيس علي عبد الله صالح.
وبعد اكتمال هذه الترتيبات، لا بد من سعي واشنطن والرياض لجهة التفاهم مع علي عبد الله صالح وحثه على ضرورة مغادرة السلطة. مع توفير الملاذ الآمن والمخرج الكريم له، فهل يا ترى سوف ينجح محور الرياض ـ واشنطن في إنفاذ سيناريو ليلة خروج صالح من اليمن أم أن صالح سوف يتمادى في رقصته الأخيرة؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد