التحالف الدولي مثل داعش: باقِ ويتمدد.. والحرب طويلة
بعد ستة أشهر من بدء عمليات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» في كل من العراق وسوريا، وعوضاً عن رؤية آثار هذا التحالف على الأرض وتتبع إنجازاته الميدانية، بتنا نسمع دعوات إلى تشكيل تحالف ثانٍ لمواجهة «داعش»، ولكن هذه المرة في ليبيا. فهل سيتوقف الأمر هنا أم سيتمدد التحالف الدولي إلى دول أخرى قد يتهددها الخطر التكفيري فجأةً، الأمر الذي يذكر بشعار «الدولة الإسلامية: باقية وتتمدد»؟.
ومما لا شكّ فيه أن حالة اللااستقرار التي تخيم على دول المنطقة، وكثافة التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون بعض هذه الدول، تجعل الدائرة مفتوحة على كل الاحتمالات، والسيناريو الذي تكرر في العراق وسوريا، ثم ليبيا، ليس هناك ما يمنع تكراره في دول أخرى، وبالتالي ليس من المستغرب أن تدخل المنطقة في حلقة مغلقة من التنافس على البقاء والتمدد بين «داعش» من جهة و «التحالف الدولي» من جهة ثانية.
ويعزز من هذا الاحتمال التفويضُ الذي يريد الرئيس الأميركي باراك أوباما الحصول عليه من الكونغرس لقتال «الدولة الإسلامية» من دون أي قيود جغرافية، بمعنى أنه يمكن أن يشمل أي دولة، وكذلك ما دأب المسؤولون الأميركيون على ترداده من أن الحرب ضد الإرهاب طويلة، وقد تستمر عشرات السنين. وهذا يعني أن المنطقة ستواجه حرباً مفتوحة من الناحيتين الجغرافية والزمانية، وهذه هي الترجمة الحرفية لشعار «باقية وتتمدد».
وبالتالي فإن دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة يمنح تفويضاً لتشكيل تحالف دولي لمحاربة «داعش» في ليبيا، قد تكون انطلاقة أولى لتمدد «التحالف الدولي»، وتوسيع رقعة عملياته لتشمل ليبيا، إضافة إلى كل من سوريا والعراق.
وبما أن ليبيا هي إحدى الدول التي أعلن «الدولة الإسلامية» تمدده إليها في تشرين الثاني الماضي، فهذا يعني أن باقي الدول التي شملها التمدد، ومن بينها مصر نفسها، والجزائر واليمن والسعودية، قد تكون أيٌّ منها مرشحة للسيناريو نفسه إذا تمكن «الدولة الإسلامية» من اختراقها بعملية نوعية من وزن عملية إعدام الأقباط المصريين في مدينة سرت الليبية، والتي دفعت السيسي إلى المطالبة بتشكيل تحالف دولي ضده، متجاوزاً بذلك المواقف السابقة التي رفض من خلالها الاشتراك عسكرياً في التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق.
وبينما تظهر التطورات كما لو أن المبادرة بيد «داعش»، وأنه صاحب اليد العليا في لعبة التمدد، بحيث يختار الدولة التي يشاء ليتمدد إليها، ثم تأتي المواقف الدولية كرد فعل على ذلك، إلا أن هناك الكثير من التساؤلات والشكوك التي من شأنها أن تدحض ذلك. وقد يكون في الصعود الصاروخي لتنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا، في ظل محاربة التحالف الدولي له في سوريا والعراق، خير دليل على أن ما يظهر على السطح ليس هو الحقيقة، وأن هناك ثغرات وتسهيلات تؤمنها بعض الدول تتيح له التمدد على مرأى ومسمع الجميع.
ويكفي في هذا السياق أن نشير إلى ما أعلنه المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي حول تزايد أعداد المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى العراق وسوريا للمشاركة في القتال إلى جانب «داعش»، وأنها وصلت إلى حوالي 20 ألف مقاتل، أي بزيادة تبلغ حوالي خمسة آلاف مقاتل عن الإحصائية الأخيرة التي أجراها المركز نفسه في تشرين الأول الماضي. وهذا يعني ببساطة أنه منذ بدء عمليات التحالف الدولي، التي انطلقت في تشرين الأول، زاد عدد مقاتلي «داعش» من الأجانب فقط خمسة آلاف مقاتل، بينما لم يخسر التنظيم نصف هذا العدد جراء غارات التحالف الدولي منذ ذلك الحين.
لكن النقطة الأهم هي أن هذه التقديرات تشير إلى أن الحدود ما زالت مفتوحة أمام حركة المقاتلين الأجانب، خلافاً لكل قرارات الأمم المتحدة التي صدر بعضها تحت البند السابع. وهو ما يدل على أن بعض الدول ما زالت مستمرة في اتباع سياسة غض الطرف عن حركة هؤلاء، وتتيح لهم الانتقال عبر حدودها وصولاً إلى العراق وسوريا، سعياً منها لاستخدامهم في تنفيذ أجنداتها في هذين البلدين.
غير أن الجديد هو أن حركة المقاتلين الأجانب لم تعد في اتجاه واحد نحو العراق وسوريا فحسب، بل هناك معطيات كثيرة تؤكد أن أعداداً كبيرة منهم يتنقلون بين الحدود باتجاه عدة دول، أهمها مؤخراً مصر وليبيا. وجرى مؤخراً الكشف عن عودة 500 «جهادي» تونسي، مع عدم استبعاد أجهزة الأمن التونسية أن يكون هدفهم ليبيا، بينما سربت مصادر إعلامية مقربة من «جبهة النصرة» أن الأخيرة أرسلت عشرات الكوادر إلى ليبيا لمواجهة تمدد «داعش» فيها على حساب «أنصار الشريعة».
كما أصبح بحكم الثابت أن «الدولة الإسلامية» أرسل العديد من عناصره، وبينهم خبراء في مجالات عدة، منها التفجير والقنص والتصوير وإخراج الأفلام إلى سيناء، وهو ما انعكس مباشرة على نوعية العمليات التي بات يقوم بها «أنصار بيت المقدس» ضد الجيش المصري، كما انعكس على نوعية الإصدارات التي تنشر على صفحاتهم والتي تتمتع بتقنيات عالية.
وهذا يعني أن المنطقة تعيش في فوضى حدودية غير مسبوقة، وليس مثل الفوضى ما يشجع على التمدد، سواء من هذا الطرف أو ذاك، وهو ما ينذر بأن أزمة المنطقة باقية وستشهد المزيد من التمدد في الأشهر والسنوات المقبلة.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد