البلوتوث.. وسيلة لانتهاك خصوصية المستخدمين وسرقة بياناتهم
نجحت تقنية البلوتوث في فرض نفسها كأمر واقع ناتج عن تطور تقني سريع سيطر على العالم بلا هوادة، لتصبح جزءاً أساسياً من أي هاتف محمول ووسيلة سهلة لتبادل المضامين بين الأجهزة المختلفة في غمضة عين وحظيت هذه التقنيّة منذ ظهورها في مطلع العام 1998م باستقبال كبير، وكغيرها من التقنيات الحديثة لها سلبيات وإيجابيات، ومنافع ومضار. وبمرور الأيام بدأ يظهر الوجه القبيح لاستخدامها فقد أصبحت وسيلة رخيصة تتجاوز الخصوصيات، وانقسم مستخدموها بين مروّج لها، وبين من يدعو إلى استثمار الجانب الإيجابي فيها دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى. والبلوتوث تكنولوجيا جديدة متطورة تمكن الأجهزة الإلكترونيّة مثل الكمبيوتر والهاتف المحمول ولوحة المفاتيح وسماعات الرأس من تبادل البيانات ونقل المعلومات من غير أسلاك أو كوابل أو تدخل من المستخدم. وتعتمد تقنية البلوتوث على الاتصال اللاسلكي عن بعد باستخدام نطاق محدود، ويمكن تعريفها بأنها شبكة الاتصال الشخصية اللاسلكية Personal Area Network واختصارها Wireless PAN كما يغطي البلوتوث مساحة تتعدى مئة متر، ومن وراء الحواجز وفي أي اتجاه وتوفر الاتصال لأكثر من جهاز.
لكل تقنية جديدة عيوبها وسلبياتها التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقلل من أهميتها ولعل أبرز السلبيات لهذه التقنية بعد إساءة استخدامها من خلال تناقل الملفات ذات المضمون السيئ، هي المخاطر الأمنية المترتبة على هذه التقنية فالاتصال من خلالها يتم عبر موجة قصيرة يبلغ ترددها 2.4 جيجاهيرتز، وفي هذا الإطار أجرت شركة A. L. Digital بحثاً أشارت فيه إلى وجود ثغرة أمنية خطرة صاحبت إدخال هذه التقنية في الهواتف المحمولة لكل من نوكيا وأريكسون، حيث يمكن من خلال هذه الثغرة انتهاك خصوصية المستخدمين وسرقة بياناتهم وعناوينهم الهاتفية.
وهذا ما دفع نوكيا إلى إضافة اختيار «الإخفاء» عند فتح البلوتوث في بعض أجهزتها إلا أن ذلك لا يكفي فقد يفيد مع الأجهزة فيما بينها، لكن ماذا عن البرامج الخاصة بسرقة البيانات عبر البلوتوث من دون إجراء اقتران سواء تلك التي في الأجهزة المحمولة أم بالأجهزة الكبيرة؟
فقد تكون الهواتف المحمولة عرضة للهجوم والاختراق في حالة ضبطها على الوضع «discoverable» أو «visible» حيث إن الهاتف في هذا الوضع يكون مرئياً من قبل الأجهزة المتوافقة الموجودة ضمن مجال الاتصال ويسمح لها ذلك بالاتصال ببعضها وتبادل البيانات بينها. ويمكن للمستخدم بالطبع أن يقوم بإيقاف وتعطيل هذا الوضع إلى «Off» لكن بعض أجهزة نوكيا يمكن اختراقها حتى لو كانت على وضع التعطيل. فكل ما يحتاجه المهاجم هو عنوان البلوتوث للجهاز الضحية وهو ما يمكن اكتشافه باستخدام بعض برامج الاختراق المتوافرة على الإنترنت.
ومن خلال التقارير المنشورة ظهر أن أسوأ الأجهزة في مقاومة هذه الهجمات هي أجهزة نوكيا وسوني أريكسون وظهرت بعض المشكلات في أجهزة موتورولا أيضاً على حين كانت أجهزة سيمنس أقوى الأجهزة في الحماية من هذه الهجمات. لذلك فقد يكون المستخدم عرضة للاختراق مادامت الخدمة في وضع تشغيل، والحل في هذه الحالة هي الحرص على عدم الاحتفاظ بوثائق وصور ذات طابع شخصي في هذه الأجهزة، والعمل على إيقاف الخدمة وعدم تشغيلها إلا عند الحاجة ولوقت قصير ثم يعاد إيقافها، مراعاة عدم فتحها في الأماكن العامة والطرقات.
وبالطبع لم يجد القراصنة فرصة أكبر من ذلك في التفنن في اختراع أساليب مبتكرة لاستغلال هذه التقنية، فقد نجح مجموعة من الهاكرز سموا أنفسهم فليكسيليس Flexilis في تصميم بندقية تخترق الأجهزة العاملة بتقنية البلوتوث وسموا هذه البندقية بلو سنايبر «BlueSniper».
ويمكن لهذه البندقية استهداف أي جهاز محمول يدعم بلوتوث على مسافة تصل إلى ميل ونصف الميل وسرقة البيانات الموجودة على الهاتف الضحية كدفتر العناوين والرسائل وغيرها كما يمكنه زرع رسائل داخل الجهاز.
وقد قام مخترعو هذه البندقية بإجراء تجربة حية لإثبات إمكانية عملية الاختراق بوساطة بندقيتهم المزودة بهوائي موصل بجهاز كمبيوتر محمول يدعم بلوتوث (ويمكن وضعه في حقيبة على الظهر). حيث قام أحدهم بتصويب البندقية من نافذة في الدور الحادي عشر لأحد الفنادق في مدينة لاس فيجاس إلى موقف لسيارات الأجرة في الشارع المقابل وتمكن من جمع دفاتر العناوين من 300 جهاز هاتف نقال!
الخطر في الأمر أن المهاجم يستطيع استخدام الهاتف الضحية لإجراء اتصال إلى أي هاتف آخر دون أن يشعر صاحب الجهاز، فلك أن تتخيل أنك جالس مع شخص ما في مطعم وهاتفك في جيبك أو على الطاولة وقام المهاجم بالتحكم في جهازك للقيام بمكالمة إلى هاتفه دون أن تشعر وعندما يرد المهاجم سيصبح هاتفك جهازاً للتنصت يمكن المهاجم من الاستماع إلى كل ما يدور بينك وبين صديقك في المطعم ومعظم الهجمات يمكن أن تتم من دون ترك أي أثر للمهاجم.
كما قام باحث ألماني بتطوير برنامج سماه Bluebug يمكنه التحكم في الأجهزة المحمولة العاملة بنظام بلوتوث وتحويلها إلى أجهزة تنصت عن بعد. مثلاً من خلال كمبيوتر محمول يمكن تشغيل البرنامج للتحكم في هاتف محمول للقيام بمكالمة إلى المهاجم دون أن يشعر الضحية بذلك ومن ثم يستطيع المهاجم التنصت على المحادثات التي تتم بالقرب من الهاتف سيظهر رقم هاتف المهاجم في فاتورة الضحية ومن الصعب أن يتذكر الضحية حينها هل اتصل أم لا بذلك الرقم وفي ذلك الوقت ويمكن أن يستخدم المهاجم شريحة محمول مؤقتة حتى لا تدل على شخصيته في حال اكتشاف الرقم.
يمكن للمهاجم أيضاً التجسس على مكالمات الضحية مع الأشخاص الآخرين وتسجيلها كما يمكنه إرسال رسائل من هاتف الضحية إلى أطراف أخرى دون أن ينتبه لذلك صاحب الجهاز.
لا تقتصر أضرار البلوتوث على الجانب التقني فقط ولكن تمتد إلى ما هو أخطر ألا وهو الجانب الصحي فقد أشارت دراسات عديدة إلى الأخطار الناجمة عن الإفراط في التعرض لموجات البلوتوث، وأوضحت كيفية تأثير هذه الموجات على الصحة العامة وخاصة بعد أن بات من المعتاد لدى بعض الناس تعليق سماعة الأذن التي تعمل مع الهاتف المحمول بتقنية البلوتوث بدلاً من التحدث مباشرة عن طريق سماعة الهاتف ورغم ما تحمله هذه الصورة من رفاهية للمستخدم، إلا أنها تحمل معها سؤالاً جديراً بالاهتمام؛ أيهما يحمل تهديداً أكبر لصحّة المتحدّث ورأسه؛ الإشعاع الصادر من المحمول مباشرة، أم الإشعاع الصادر من أجهزة البلوتوث؟ وفى هذا الصدد، يفرق الأطباء بين إشعاعات المحمول وموجات البلوتوث حيث إن كليهما أشعة كهرومغناطيسية على النحو التالي:
تردد الموجات: حيث تعمل تقنية الهاتف المحمول على موجات بترددات مختلفة أكثرها استخداماً 900 ميجاهيرتز تقريباً، على حين تعمل موجات البلوتوث على تردد 2450 ميجا هيرتز، فالتردد المستخدم في تقنية البلوتوث هو التردد نفسه تقريباً المستخدم في أفران المايكروويف لطهي الطعام، وهذا يعني أننا- ومع استخدامنا لسماعات البلوتوث- نعرض رؤوسنا للطهي على نارٍ باردة؟ وهل يعني هذا أن علينا ألا نقف بين جهازين يتواصلان بهذه التقنية؟
فمع وجود اختلاف في التردد فهناك اختلاف في القدرة على الاختراق، فكلما زاد التردد أصبحت قابلية الاختراق أقل، فعلى افتراض أن موجات المحمول تسير إلى عمق اثنين ونصف سم، فإن موجات البلوتوث، لا تتجاوز واحد ونصف سم، يعني أن موجات البلوتوث، قدرتها على اختراق جسم الإنسان أقل من موجات المحمول.
الجانب الآخر هو قوة الموجات: فهناك فرق كبير بين كمية الطاقة المستخدمة في أفران المايكروويف، وأجهزة البلوتوث، وأجهزة الهاتف، فتعادل قوة الموجات المستخدمة في هذه الأفران مليون ضعف قوة الموجات المستخدمة في أجهزة البلوتوث، وأما بالمقارنة مع قوة الموجات المنبعثة من جهاز الهاتف مباشرة فإن موجات البلوتوث أقل بكثير حيث لا يتعدى مداها 10-100 متر، ومع ضعف الطاقة المستخدمة في تقنية البلوتوث يصبح من الصعب جداً قياس أي تأثير حراري على جسم الإنسان.
إن الاتصال عبر البلوتوث خدمة ليس لها مثيل، حيث وسعت نطاق التواصل والمشاركة ليس على مستوى أجهزة الكمبيوتر فحسب بل إن الذين من لم يسبق لهم التعامل مع الكمبيوتر أصبحوا يستفيدون من هذه الخدمة كل حسب توجهه واهتمامه، ومن التطبيقات التي وفرتها هذه الوسيلة الاتصال بين الكمبيوتر وجهاز الهاتف المحمول وأجهزة الكمبيوتر بينها حتى إنه صار بالإمكان عمل شبكات محلية باستخدام هذه التقنية، وأصبح بالإمكان حفظ نسخة من البيانات الشخصية وأرقام الاتصال من الهواتف.
كما جعلت هذه التقنية أجهزة الاتصال تعمل وسائط تخزين متنقلة فمن خلال البلوتوث يمكن أن يتم نقل الملفات إلى جهاز المحمول وخاصة مع وجود بطاقات بلوتوث تشبه أفلام التخزين تباع بأسعار رخيصة يمكن استخدامها للأجهزة المكتبية أو الحواسيب المحمولة التي لا تتوافر فيها تقنية البلوتوث، بالإضافة إلى فائدة أخرى وهي توفير بيئة اتصال مجانية بين الزملاء أو الأهل داخل المكان الواحد حيث يمكنهم التحادث بينهم دون الحاجة لاستخدام خط الهاتف المحمول. وهناك الكثير من الفوائد الأخرى كمساهمتها في التقليل من استخدام الأسلاك التي لا يتسع المجال لذكرها.
وسام محمود
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد