الاقتصاد العالمي والزخم الموعود
هل يعود الزخم إلى الاقتصاد العالمي هذه السنة؟ هذا السؤال كان مطروحاً خلال اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن السبت الماضي. وحدد المجتمعون توقعاتهم للنمو الاقتصادي في البلدان الآسيوية النامية بـ 8.4 في المئة عامي 2011 و2012، كما حددوا نمواً في الصين بنسبة 9.6 في المئة عام 2011 و9.5 في المئة عام 2012. وذكروا بأن معدل النمو في الهند سيكون 8.2 في المئة عام 2011 و7.8 في المئة عام 2012.
لا شك في أن هذه المعدلات مرتفعة بدرجة كبيرة، وإذا تحققت فإن انعكاساتها الإيجابية على اقتصادات البلدان الأخرى ذات العلاقات التجارية والاستثمار مع بلدان آسيا، خصوصاً الصين والهند، ستكون مهمة. لكن التوقعات للنمو الاقتصادي على المستوى العالمي قُدّرت بـ 4.5 في المئة خلال 2011 و2012. ويرى اقتصاديون أن النمو في البلدان المتقدمة الصناعية لن يزيد عن 2.5 في المئة. ولا شك أيضاً في أن هذه التوقعات قابلة للتعديل والمراجعة في ضوء مجريات العمل الاقتصادي في مختلف البلدان وفي كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية ومعطيات التجارة الدولية وتوقعات الاستثمار. كذلك فإن السياسات الحكومية التي ستُعتمد خلال الشهور المقبلة وقرارات السلطات النقدية، لا بد من أن تؤثر في معدلات النمو الاقتصادي في شكل أو آخر.
هناك هواجس مهمة يمكن أن تؤدي إلى تعديلات في السياسات المالية والسياسات النقدية. ومن أهم هذه الهواجس، هو هاجس التضخم الذي يرعب صناع القرارات في المصارف المركزية. ولا شك في أن مجلس الاحتياط الفيديرالي (المركزي الأميركي) يواجه مشكلة مهمة في تحديد مسار السياسة النقدية، إذ يُقدّر معدل التضخم في الولايات المتحدة بحدود 2.7 في المئة، ما يتطلب اتخاذ إجراءات للحد من السيولة المتدفقة إلى أوردة الاقتصاد، بما يعني رفع مستوى الحسم عن مستواه الحالي المتراوح بين الصفر و0.5 في المئة.
هل تؤدي هذه التعديلات إلى انكماش في الأداء الاقتصادي في وقت لا تزال المشاكل الهيكلية أو الناتجة من أزمة المال العالمية قائمة، ويصل معدل البطالة إلى 8.7 في المئة؟ لا بد من أن تكون هناك تأثيرات على الأوضاع الاقتصادية نتيجة لرفع سعر الحسم، ومن ثم رفع أسعار الفوائد على المدى القصير.
كذلك فإن التوافق حول الموازنة الفيديرالية الذي أدى إلى اعتماد خفض للإنفاق بمقدار أربعة تريليونات دولار خلال السنوات الـ 12 المقبلة، لا بد أن يؤثر في أوضاع قطاعات اقتصادية مهمة. ويرى كثيرون من المراقبين الاقتصاديين، أن الولايات المتحدة ما كان لها أن تواجه تبعات أزمة المال من دون استخدام أدوات الإنفاق العام وتوسيع دور الدولة في تعويم كثير من الشركات المالية والصناعية والمصارف خلال السنوات الثلاث الماضية.
وإذا بدت مظاهر الاقتصاد العالمي سليمة وواعدة، فإن هناك مشاكل لا تزال عالقة، قد تؤدي إلى تراجع في الأداء الاقتصادي. ويمكن أن نذكر من أهمها ما أُعلن عن عزم البرتغال طلب تعويم مهم، خصوصاً أنها أظهرت مصاعب في مواجهة التزاماتها تجاه الدائنين، ولذلك تراجعت تقويمات السندات والأوراق الصادرة لمصلحة البرتغال.
لكن هل البرتغال هي الدولة الوحيدة المرشحة للتعويم من قبل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد أم أن إسبانيا قد تكون الدولة التالية؟ هناك تحذيرات من المختصين بأن المصارف الأوروبية لا تزال تعاني من عدم الملاءة وانكشافات صعبة أمام مدينين غير قادرين على أداء التزاماتهم. لذلك سيعزز المشهد الاقتصادي في أوروبا توجهات التقشف وتقليص الإنفاق الحكومي، في ظل ارتفاع معدل البطالة إلى مستوى 10 في المئة لبلدان الاتحاد الأوروبي، وربما يزيد للدول الأعضاء إذ يصل إلى 21 في المئة في إسبانيا. لا بد إذاً للإنفاق الاستهلاكي أن ينكمش بما يعطل تحسن أداء كثير من القطاعات الاقتصادية، وفي الوقت ذاته، تعززت احتمالات الانكماش بعدما قرر المصرف المركزي الأوروبي رفع نسبة الحسم إلى 1.25 في المئة. واتخذ هذا القرار بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط، كما أن معدل التضخم في منطقة اليورو سجل معدلاً مرتفعاً نسبياً إذ بلغ 2.7 في المئة في نهاية آذار (مارس) الماضي.
وتؤكد تقلبات أسعار صرف العملات الرئيسة استمرار حال عدم الاستقرار في أسواق النقد، إذ ارتفع سعر اليورو في الآونة الأخيرة ليبلغ 1.44 دولار، بما يعني مزيداً من المصاعب أمام المصدرين الأوروبيين. وغني عن البيان أن البلدان الأوروبية تعتمد على الصادرات أكثر من الولايات المتحدة، لذلك لا بد لارتفاع سعر اليورو من أن تظهر آثاره السلبية خلال الشهور المقبلة. وليست البلدان الأوروبية التي ستواجه مشاكل من التجارة الخارجية، واتضح أن الصين سجلت، وللمرة الأولى منذ زمن طويل، عجزاً في الميزان التجاري مقداره بليون دولار للشهور الثلاثة الأولى من السنة، بعدما كانت تحقق فائضاً في الميزان التجاري بواقع 16 بليون دولار في الشهر .
لا بد أيضاً من الأخذ في الحسبان أوضاع الاقتصاد الياباني بعد كارثة الزلزال والتسونامي التي أحدثت كثيراً من المشاكل الهيكلية والبيئية التي تتطلب مئات بلايين الدولارات لإعادة الأوضاع إلى نصابها، خصوصاً في المناطق المتضررة. وأدّت الكارثة إلى تعطل عمليات الإنتاج لدى شركات أساسية منها شركات السيارات، وربما تؤدي هذه الأوضاع اليابانية إلى انخفاض القدرة على الاستيراد لدى اليابان.
وبناء على ما سبق، تتطلب تقديرات النمو الاقتصادي متابعة ومراجعة على ضوء المتغيرات المحتملة في الأوضاع الاقتصادية وقـــدرة الحكومات والمؤسسات على مواجهة المعضلات الهيكلية الراهنة!
عامر ذياب التميمي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد