الاديبة التركية اليف شفق:جسد المرأة اصبح ساحة معارك في تركيا
الاديبة التركية اليف شفق تعتبر ان "جسد النساء اصبح ساحة معركة للآراء المختلفة في تركيا". وتعلق شفق في هذا المقال على انتخاب عبد الله جول، وزير الخارجية السابق والذي كان ينتمي الى حزب اسلامي والذي ترتدي زوجته الحجاب رئيسا للبلاد. وكانت شفق قد مثلت امام القضاء العام الماضي بتهمة "اهانة تركيا" في روايتها "لقيط اسطنبول"، ولكنها برأت.
"في تاريخ كل بلد هناك فترات يمر بها الوقت بسرعة كبيرة، ولربما بألم كبير. وعام 2007 كان من اكثر الاعوام اضطرابا التي شهدها تاريخ تركيا الحديث، ولكن هذا البلد يملك في الوقت نفسه القدرة على انتاج الاستقرار من رحم الازمة.
والآن، وبعد اشهر من التظاهرات والاحتجاجات والتشنج السياسي، اختارت تركيا وزير الخارجية السابق عبد الله جول رئيسا للبلاد على الرغم من حالة الهلع التي اصيبت بها القوى العلمانية التقليدية.
ولكن، في الواقع، قلائل هم الذين لديهم مشكلة مع شخصية الرئيس الجديد، فهو كان دبلوماسيا منفتحا على اوروبا، وكان يمثل صوتا معتدلا داخل حزبه، كما ان دعمه للكتاب الذين احيلوا الى المحاكمة جعله يتقرب من المثقفين.
واليوم، وبالاضافة الى جمهوره الواسع في حزبه، اصبح جول يتمتع بدعم من قبل اوساط المثقفين ومن قبل الاوساط الاقتصادية
الا ان ما يثير الاهتمام هو ان زوجة جول هي التي كانت مصدر جدل كبير ويمكن القول انها قد تكون نبذت من قبل اوساط المثقفين التقليديين.
في تركيا اليوم، كلما جرى الحديث عن المرأة تكون السياسة حاضرة، واصبحت صور واجساد النساء ارض معركة ايديولوجية.
ويتمحور هذا النقاش دائما حول الانوثة ورموزها، وتجدر الاشارة الى أن قضية الحجاب هي من اكثر القضايا المثيرة للجدل في هذا المجال. لطالما كانت قضية المساواة بين الرجل والمرأة اساسية في تدعيم الامة التركية الحديثة التي اسسها مصطفى كمال اتاتورك بعد انهيار الامبراطورية العثمانية.
وكانت الحركة الكمالية الاصلاحية فريدة من نوعها مقارنة بباقي الحركات السياسية التي نشأت في العالم الاسلامي خلال هذه الفترة، اذ نجحت بالاضافة الى تطوير المجال العام، تحديث المجال الخاص ايضا وهو الحقل الذي ترتبط به مباشرة الوالدات والزوجات والبنات.
وتبدو المرأة المحجبة وكأنها لا تتناسب مع صورة "المرأة التركية الحديثة" التي بدأت ترتسم منذ 80 عاما.
وللمرة الاولى، ستكون للدولة التركية الحديثة سيدة اولى ترتدي الحجاب، وهنا تكمن المشكلة الاساسية اذ ان هذا الحجاب قد تم تفسيره على انه يرمز الى تغييرات ظلامية وعميقة.
ويقول المثقفون العلمانيون ان ارتداء السيدة الاولى للحجاب قد يؤثر سلبا على كل النظام العلماني في تركيا.
وهناك في تركيا الآن كلام كثير عن "كيف يجب ان يكون مظهر المرأة التركية المثالية"، حتى ان الصحف والقنوات التلفزيونية والمحاضرات والمؤتمرات كلها غالبا ما تتطرق الى هذا الامر.
والمثير للاهتمام ان المرأة التركية اصبحت اليوم في قلب جدل تحاول من خلاله النساء التركيات العلمانيات اللواتي يعتمدن نمط حياة غربية فرض انفسهن كنقيض للمرأة التركية "الاخرى".
كروائية، يهمني كثيرا الجانب اللفظي واللغوي الذي يتم اعتماده في هذا النقاش، واستطيع ان اعدد اكثر من ثماني مفردات تعتمد للحجاب في النقاش الدائر، وتجدر الاشارة ان المفردات التي تستعمل للحجاب قد لا تكون بمحلها في الكثير من الاحيان.
فالكلام اليوم مثلا عن "حجاب الرأس" (Headscarf) فيه الكثير من الغموض اذ ان ارتداء الحجاب قد يكون لاسباب متعددة منها العادة والتقليد وهذه الاسباب هي اكثر تقليدية مما هي سياسية.
لا تتحجب النساء بالضرورة من اجل تسجيل موقف سياسي كما ان كل النساء المحجبات لا يتعرضن للقمع ولا هن جاهلات. وتجدر الاشارة بان تركيبة الاسرة التركية تجمع بين المرأة المحجبة وغير المحجبة، ففي بعض الاحيان، تكون الحماة محجبة وابنتها غير محجبة، او تكون اخت محجبة واختها غير محجبة. واذا تجولنا في شوارع اسطنبول المزدحمة، نجد محجبات وغير محجبات جنبا الى جنب ويعشن سويا طيلة الوقت.
ومن الممكن ان تشهد الازدواجية ازدهارا في الحقل السياسي في تركيا لكن الامر يختلف داخل المجتمع التركي حيث تختلط قوتان نقيضتان بانسجام تام. عندما يغطي الاعلام الغربي القضايا التركية فغالبا ما يتم استعمال عبارات مثل "اسلامي" لوصف حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن، هذا تضليل. وعندما يغطي الاعلام الغربي القضايا التركية فغالبا ما يتم استعمال عبارات مثل "اسلامي" لوصف حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن، هذا تضليل.
ولفهم الدينامية الداخلية والنجاح السياسي الذي حققه حزب العدالة والتنمية يجب التخلي عن عبارة "اسلامي" او "متشدد".
ويمكن القول عن حزب العدالة والتنمية انه حزب "مسلم ديمقراطي" او يمكن ابتكار مصطلح جديد يتماشى مع حقيقة الامر.
وتحتل تركيا مرتبة مميزة جدا داخل العالم الاسلامي التعددي، لانها ذات غالبية ساحقة مسلمة وفي الوقت نفسه تتمتع بعلمانية صلبة، وذلك في عصر يبدو فيه البعض مقتنعا بان صراع الحضارات يتفاقم يوما بعد يوم.
بالاضافة الى ذلك كله فان تركيا قد بدأت مسيرة الحداثة منذ اكثر من 150 عاما، وهي اليوم تطمح للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
ووسط كل هذه المعضلات السياسية الكبيرة جدا، حل الجدل حول السيدة الاولى ودور المرأة في تركيا".
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد