الإسماعيليون.. أهل علمٍ مُعذبون
أنصفهم المستشرق الفرنسي "لويس ماسينيون" عندما أطلق على القرن الرابع/ العاشر اسم "القرن الإسماعيلي" للإسلام، فهم مؤسسو الدولة الساسانية و الدولة الفاطمية العظيمة و هذه الأخيرة حكمها -في مراحل لاحقة- العلويون و الموحدون الدروز، والتي امتدت من المحيط الأطلسي إلى نهرالفرات، و استمرت حوالي 262 سنة، تحول فيها الجامع الأزهر ودار الحكمة الى مركزين كبيرين لتعليم أُصول اللُغة والدين، ونشط في ظلها المؤرخون والباحثون في كافة مجالات العلم، ومن درر مانشروا كانت "رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا", و حتى "رسالة الغفران" لصاحبها أبي العلاء المعري نشرت في فترة حكمهم.
يسمون العبادة "علماً و يقسمونه لبابين "علم العبادة بالظاهر" وعلم "العبادة بالباطن"، يتمسكون بكونهم مسلمين موحدين، غير أنهم، يضيفون العقل إلى فروض الإيمان، و يرون في القرآن مصدر التشريع الأول، ولكنهم يقولون أنَّ تفسيره يحتمل تفسيراً ظاهرياً وآخر باطنياً، وأن العقل هو عامل التشريع الدنيوي الأساسي، وإذا تعارض نصٌ في القرآن الكريم مع مقتضيات العصر وتطوراته الطارئة، وجب التعديل في إطار تشريع قانوني، يلائم التحولات الطارئة للمجتمع، مع عدم المساس بجوهر النص القرآني.
منظمون تنظيماً معقداً، عندهم تراتبية وهيكلية مدهشة، شبه الهيئة القيادية العليا، وتسمى "المجلس الاسماعيلي الأعلى"، "اللجنة المركزية في الأحزاب السياسية" ويتبع لهذا المجلس "لجنه ثقافيه" تهتم بشؤون الثقافة."
يمثّلون الجناح المُتشيَّع الأكثر حركية وثوروية، فعنهم انشق القرامطة، وقادوا أولى الثورات الإشتراكية في العالم.
بدأ يخبو مجد دولتهم (الدولة الفاطمية)، بوفاة الخليفة الفاطمي المستنصر عام 1094م، و تدخل أمه "رصد" في شؤون الدولة، حيث انقسموا إلى فرعين، النزارية والمستعلية، نسبة إلى نزار والمستعلي ابني المستنصر.
إنهم الإسماعيليون أو السماعلة، سلاطين الدولة الفاطمية، محاربين أشداء وعشاقُ علمٍ، أخذوا اسمهم من إمامهم إسماعيل المبارك الإبن الأكبر للإمام السادس جعفر الصادق، فهم حقيقةً شيعة.
ينتشرون اليوم في أكثر من 25 دولة، ويُقدّر تعدادهم بأكثر من 50 مليوناً، ويَعِدُون في سوريا، حوالي 250.000 نسمة، أي مايُقارب 1% من السكان، وينتسبون الى الفرع النزاري (أسماهم بعض المؤرخين الغربيين، بالحشاشين)، و يتبعون سلسلة من الأئمة تنتهي بكريم آغاخان الرابع، الإمام التاسع والأربعين للإسماعيليين.
لهم حضورهم المميز في الحياة السورية، وخاصة في المجال الثقافي، فالسوري الإسماعيلي يتيمز بأنه وطني (غالبيتهم في صفوف اليسار)، علماني متحرر من عقدة العادات والتقاليد، مثقف مخضرم، محاور قوي وديمقراطي يُعطي المرأة حقوقها كاملة، و ذلك انسجاماً مع توجهات الآغاخان الثالث.
أما الآغاخان الرابع، فهو صاحب باع طويل في الأنشطة غير الربحية كالتعليم (تدير الشبكة أكثر من 300 مدرسة تخدم حوالي 60 ألف طالب) والصحة والإسكان والثقافة والفنون.
كان الإسماعيلون عبر التاريخ، مقاتلون أشداء يُضرب ببأسهم المثل، بدءاً بعجز صلاح الدين الأيوبي عن كسر شوكتهم، حين حاصرهم، في قلعة مصياف السورية، التي كانت بمثابة مركز لحكم قائدهم سنان بن راشد الدين (اشتُهر باسم شيخ الجبل)، الذي دام حوالي ثلاثة عقودٍ، فعقد معهم صلحاً، كانت نتيجته أن شكّل الإسماعيلون كتيبة من الفدائيين، انضمت الى جيش صلاح الدين، فكان لها دور كبير بدخوله القدس، والجدير ذكره أن الفدائيين الإسماعيليين هم من اغتال ملك القدس "الكونت كونراد منمونفير".
كذلك خافهم قائد الحملة الصليبية السادسة "فريدرك الثاني" فأعطاهم أموالاً على شكل جزية و هدايا، ضماناً لعدم تعرضهم لجيشه.
مروراً باشتراط السلطان المنصور قلاوون، قبل توقيع هدنته مع قائد فرسان الهيكل و أمير طرابلس، سنة 1281م، أن تكون قلاع الإسماعيليين (قلعة الخوابي، الكهف، القدموس و مصياف) بيد السلطان حصراً. وصولاً الى تعاونهم عام 1260م مع المماليك في صدِ المغول، في معركة "عين جالوت" واستعادتهم أربعاً من قلاعهم.
انتهت الدولة الإسماعيلية على يد الملك الظاهر بيبرس، بشكلٍ تدريجي فبعد أن فرض عليها الجزية و الإتاوات، استطاع بذكائه إفرَّاغ هذه الدولة من مضمونها، فانهارت بشكلٍ غير مباشر، ليسيطر عليها دون أدنى صدام.
أحرقت كبريات مكتباتهم الغنية بالنصوص والمخطوطات الإسماعيلية، وهنا يكفي أن نذكر أنَّ صلاح الدين أحرق مكتبة دار الحكمة، التي كانت مركزاً علمياً مهماً، يحتوي -وفق ما يقال- على مايزيد عن مليون و600 ألف مجلد، من شتى العلوم، كما أحرق المغول بقيادة هولاكو مكتبة قلعة "آلموت" الضخمة، والتي ضمت أسرار الحركة وأدبها.
ولم تسلم الطائفة من إرهاب التكفير قديماً وحديثاً، حيث أُبيد ذكور الإسماعيليين من سكان مصياف بالكامل في مجزرة تاريخية، ماعدا رجلاً اسمه الشيخ علي شنوَرْ كان في تجارةٍ وعاد ليرى الهول الذي لحق بالطائفة المظلومة، فدعى رجالاً من الطائفة من مدنٍ وقرى بعيدة، ليعيد احياء الطائفة هناك، كما وفي سنة 290 هجرية أُبيد اسماعيليو مدينة السلمية بالكامل، وتعرض اسماعيليو حلب سنة 505 هـ، لمذبحة كبيرة من قبل الصليبيين والسلاجقة.
أما خلال الحرب السورية، ولانهم يناضلون لبناء سوريا علمانية، تحكمها المواطنة، اعتبرهم قادة "داعش" كفرة وزنادقة، فوجهوا أعوانهم ليرتكبوا بحقهم مجازر وحشية، كما حدث في قريتي عقارب الصافي، تلدرة والمبعوجة (و الأخيرة فيها من معظم مكونات الشعب السوري, و الشهداء فيها كانوا من جميع مكوناتها) قرب السلمية، وبلدات كثيرة أخرى، حيث ذُبحت عائلات بأكملها واختطف العشرات من المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال".
اشتهر منهم عدد كبير من العلماء مثل: ابن الهيثم، وابن سينا، والرازي، والسجستاني، وابن الفارض، والطوسي؛ وفي العصر الحديث اشتهر منهم: الآغاخان الثالث الذي كان رئيساً لعصبة الأمم في الثلاثينيات، و الرئيس المؤسس لباكستان؛ محمد علي جناح، و الشاعر الكبير عمر الخيام، والشاعر السوري محمد الماغوط وغيرهم.
الإسماعيليون أهل علمٍ وحضارة، زرعوا الأمة من مشرقها الى مغربها، كروم فنٍ وأدبٍ وعلمٍ، فحصدوا عناقيد الإتهام بالكفر والإلحاد، وذاقوا كؤوس الإبادة والتهيجر،فهم المعذبون الذين يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.
فادي نصار: موقع فينيكس
إضافة تعليق جديد