الأتراك مندهشون من انسحاب جيشهم المفاجئ
جاء توقيت الاعلان عن سحب القوات التركية من شمال العراق مفاجئا لمعظم الاتراك.
فبعد ساعات قلائل فقط من الدعوة التي اطلقها الرئيس الامريكي جورج بوش لتركيا لانهاء العملية العسكرية التي شنتها ضد حزب العمال الكردستاني الانفصالي باسرع وقت ممكن، كان الجنود الاتراك في طريق عودتهم الى قواعدهم.
جاءت اولى ارهاصات الانسحاب قبيل ظهر الجمعة عندما اعلنت محطة (أن تي في) التلفزية المحلية ان مراسليها شاهدوا عشرات الشاحنات العسكرية المحملة بالجنود وهي عائدة من العراق الى قواعد جنوب شرقي البلاد.
وقالت المحطة إن ثمة شاحنات فارغة تتجه الى الحدود لتعود بالمزيد من الجنود.
ولم تؤكد هيئة رئاسة الاركان التركية نبأ الانسحاب الا بعد مرور عدة ساعات.
وأكد البيان الذي نشرته رئاسة الاركان على موقعها الالكتروني على ان قرار الانسحاب كان قد اتخذ سلفا اعتمادا على الضرورة العسكرية وليس بناء على الضغوط السياسية.
الا ان العديد من المعلقين الاتراك عبروا عن دهشتهم للقرار.
كان وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس قد اوصل الى الحكومة التركية اثناء زيارته لانقره يوم الخميس رسالة مفادها ان الدعم الامريكي للعملية العسكرية في شمال العراق ليس مفتوحا.
وكان رد السياسيين الاتراك - وحتى رئيس الاركان العامة - على الرسالة الامريكية مليئا بالتحدي، حيث قالوا إن تركيا لم تحدد سقفا زمنيا لعمليتها العسكرية، وان القوات التركية ستبقى في العراق حتى تحقق الاهداف المرسومة لها.
دفع هذا التناقض بجنكيز تشاندار، المعلق في صحيفة ريفيرانس اليومية، الى القول: "إن انهاء العملية بعد ساعات قليلة من هذه التصريحات يضع علامات استفهام حقيقية. الكل هنا يتوق لمعرفة الحقيقة."
ومضى المعلق التركي للقول: "سيعتبر هذا القرار خطأ حقيقيا، وسيثير تساؤلات حول مصداقية الحكومة وقيادة الجيش." ويتكهن تشاندار بأن الولايات المتحدة وجهت لانقره تحذيرا اشد لهجة من ذلك الذي اعلنه جيتس عند زيارته لانقره.
يذكر ان الدعم الامريكي كان حيويا بالنسبة للعملية العسكرية التركية، فالولايات المتحدة فتحت المجال الجوي العراقي للطيران التركي في شهر ديسمبر كانون الاول الماضي وما برحت تزود الاتراك بالمعلومات الاستخبارية عن شمال العراق منذ ذلك الحين.
الا ان الجيش التركي يتمسك بقوله إنه انهى العملية لأن اهدافها قد تحققت.
وجاء في البيان الذي اصدرته رئاسة الاركان التركية: "لم يكن هدف العملية تصفية المنظمة الارهابية كليا، الا ان تركيا برهنت للمتمردين ان شمال العراق ليس ملاذا آمنا لهم."
يقول الجيش التركي إن قواته قتلت 240 من متمردي حزب العمال الكردي الانفصالي وان 27 من جنوده قتلوا في اسبوع تقريبا من القتال تمكن الاتراك خلاله من تدمير 800 من الملاجئ ومستودعات الاسلحة العائدة للمتمردين.
وتركز القتال في منطقة وادي نهر الزاب الاعلى، احد روافد نهر دجلة، الذي يقول الاتراك إنه معقل لحزب العمال.
يقول سعدات لاتشينر، مدير منظمة البحوث الستراتيجية الدولية في انقره، "إن العملية كانت ناجحة بامتياز، اذا اخذنا بعين الاعتبار الاهداف المحدودة المرسومة لها. لكن الرأي العام التركي سيشعر بالاحباط لأنها انهيت بوقت اقل مما كان معظم الاتراك يتوقعون. كانت الادارة الاعلامية سيئة، حيث اعطت الانطباع بأننا انما ننفذ ما يمليه علينا الامريكيون. قد لا تكون هذه هي الحقيقة، ولكنها ما سيصدقه الناس."
وكانت صحف الجمعة قد خرجت وهي تهلل للتحدي التركي الذي مثلته مواقف السياسيين بالامس بينما كان الجيش ينسحب الى قواعده، حيث قالت احدى المانشيتات: "سنعود الى الوطن عندما ننهي مهمتنا!"
لن يتضح الاثر العسكري للعملية قبل حلول فصل الربيع عندما تذوب الثلوج ويبدأ حزب العمال بشن الهجمات مجددا.
وتقول تركيا إن اكثر من 3000 من متمردي حزب العمال يتخذون من شمال العراق ملاذا لهم، وجاء في البيان العسكري الذي صدر اليوم ان الجيش التركي سيواصل مراقبة هؤلاء بدقة وانه سيعاود الكرة اذا اقتضت الضرورة ذلك.
وجاء في البيان: "ان المعركة مع الارهاب ستستمر بكل تصميم داخل البلاد وخارجها."
وكانت الولايات المتحدة قد بعثت الى الحكومة التركية برسالة ثانية منذ ايام تقول إن عليها (أي انقره) التعامل مع الاسباب الحقيقية التي تدفع بعض الاتراك الى التعاطف مع حزب العمال.
وكان حزب العمال الكردي قد تشكل في ثمانينيات القرن الماضي بهدف انشاء وطن قومي للاكراد في المناطق التي يقطنها الاكراد من تركيا - التي كانت حينذاك تنكر وجود الاكراد كأقلية قومية. اما اليوم، فيدعي حزب العمال انه يقاتل من اجل الحقوق الديمقراطية للاكراد ضمن تركيا.
وبالرغم من تحسن الاوضاع بالنسبة للاكراد داخل تركيا بشكل كبير في السنوات الاخيرة، ما زالت هناك العديد من المشاكل."
يقول لاتشينر: "لا يمكن انزال الهزيمة بحزب العمال بالوسائل العسكرية البحتة. فحتى لو تمكن الجيش التركي من قتل الآلاف من المتمردين في تركيا وسوريا والعراق وايران وحتى في اوروبا، سينضم المئات الى صفوف المتمردين. هناك ابعاد سياسية واجتماعية يجب التعامل معها."
ولكن بالرغم من الوعود التي قطعتها الحكومة التركية على نفسها بحل "المسألة الكردية" في تركيا، لم يحصل اي تقدم حقيقي في هذا المجال منذ الاصلاحات التي اصر عليها الاتحاد الاوروبي كشرط لانتساب تركيا اليه منذ عدة سنوات.
يعتقد تشاندار ان ذلك قد يحصل الآن، الا انه يقول ان تركيا تواجه مهمة اخرى في الوقت الراهن الا وهي "كيفية التوصل الى صيغة تعاون مع القيادات الكردية في العراق للتصدي لحزب العمال. لا يمكن التوصل الى حل طويل الامد لهذه المشكلة (مشكلة حزب العمال) دون ذلك."
المصدر: BBC
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء قرار أنقرة المفاجئ بوقف عملياتها العسكرية في العراق
إضافة تعليق جديد