ازدهار التعذيب في مصر
كيف يفلت من العقاب من يمارسون التعذيب في أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة في مصر؟ هل يوجد في ثوب التشريع المصري ثقوب ينفذ منها هؤلاء؟ أم أن العيب ليس في القوانين والتشريعات وإنما في من يحترم هذه النصوص ويطبقها؟ وكيف السبيل لجعل مصر بلدا خاليا من التعذيب؟
ليس الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعده هو وحده من قال "إن التعذيب في مصر يتم بصورة منهجية منظمة"، وإنما دأبت الكثير من منظمات حقوق الإنسان سواء داخل مصر وخارجها على قول ذلك في تقارير سنوية موثقة، كان آخرها تقرير اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب والذي قالت فيه "إن التعذيب في مصر سياسة منهجية متعمدة، يمارس على نطاق واسع من قبل رجال الأمن عند استجواب المتهمين والمشتبه بهم".
الحكومة المصرية -شأنها شأن كل الحكومات المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان- دأبت هي الأخرى على القول إن "التعذيب يحدث، لكنه يحدث كحالة فردية، وإن القضاء يقتص من كل من يثبت أنه متورط فيه".
في منطقة وسط بين تقارير المنظمات الحقوقية، وتصريحات المسؤولين يقف الرأي العام المصري متابعا تفصيلات المشهد.
فيكاد لا يمر يوم على محطة فضائية أو صحيفة مستقلة إلا وتستعرض واحدة أو أكثر من قصص التعذيب، موثقة بالاسم، مدموغة برقم القضية، وأحيانا ببعض الصور.
فبعد فترة قصيرة من القصة المشهورة التي راجت على شبكة الإنترنت والمنظورة حاليا أمام القضاء، والتي يصور فيها مقطع فيديو قيام أحد ضباط الشرطة المصريين بإنتهاك رجولة سائق أجرة يدعى عماد الكبير مستخدما عصاة، تعيش مصر هذه الأيام على وقع ثلاث قصص.
الأولى: جرت أحداثها في واحة هادئة تقع في قلب الصحراء الغربية تسمى سيوه، بطلها شاب يدعى يحيى عبد الله، والمتهم فيها ضابطا شرطة، والتهمة هي سكب كحول على جسد الضحية وإحراق جزء كبير منه وصعقه بالكهرباء في يديه وقدميه لإجباره على الاعتراف بشيء ما، ثم إجبار أحد سائقي الحافلات المتجهة إلى ليبيا بحمله وإلقائه خارج الحدود المصرية لإخفاء معالم الجريمة.
الثانية: في محافظة الجيزة، والمتهم أربعة من أمناء الشرطة، حاولوا إجبار ضحية يدعى ناصر صديق على التنازل عن بلاغ تقدم به ضدهم متهما إياهم بممارسة التعذيب، فلما رفض -على حسب قول زوجته وأبنائه- ألقوه من شرفة منزله من الطابق الرابع فسقط ميتا على الفور.
الثالثة: في محافظة الدقهلية، والمتهم بعض رجال الشرطة، والتهمة هي التعذيب المفضي لموت الشاب ناصر أحمد عبد الله الذي حاول إنقاذ ابنة أخيه من أيديهم تلبية لصراخها، ولم تنفعه مطالبة أمه العجوز عبر قناة الجزيرة رئيس الجمهورية أن يأخذ عينيها ويتركوا ولدها مكتفية بأن تبقى "عمياء تتوكز عليه في شيخوختها".
أين الخلل الذي يجعل من هذه القصص المأساوية أمرا اعتياديا يكاد لا يمر أسبوع إلا ويهتز الرأي العام المصري لواحدة منها؟
منتصر الزيات، واحد ممن خبروا القانون بحكم تخصصه في المحاماة، وأحد الشاهدين على عمليات التعذيب بحكم نشاطه السياسي السابق داخل إحدى الجماعات الإسلامية يقول ردا على سؤال وجهته له الجزيرة نت عن مكمن الخلل "إن المشكلة ليست في القوانين والتشريعات، فهي في مصر كثيرة سواء في قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجنائية أو غيرها، فكلها تجرم التعذيب، لكن المشكلة في ثقافة الاستبداد، هذه الثقافة جعلت النظام يمارس جريمة التعذيب ليل نهار دون رادع".
وبسؤاله عن العقبات القانونية التي تحول دون قيام رجال النيابة العامة بواجبهم للحد من تعذيب المواطنين الذي يتم على يد بعض رجال الشرطة قال إن مصر تحكم منذ 25 عاما بقانون الطوارئ الذي يجعل ضابط الشرطة والمباحث يفعلان ما يشاؤون ولسان حالهم يقول لرجال النيابة "أعلى ما في خيلكم اركبوه"، وقد تعلموا منذ العام الأول لهم في كلية الشرطة أن يسبوا المواطن ويقهروه.
ويستطرد قائلا إنني شخصيا طلبت ذات مرة من رئيس نيابة أن يخرج للتحقق من شكوى مجموعة من الشباب المسجونين في سجن المرج بالقاهرة احتجوا لسوء معاملتهم وحينما انتقل معي رئيس النيابة بعد إلحاح شديد -وهذا من الحالات النادرة أن ينتقل رئيس النيابة- رفض ضابط المباحث إدخال رئيس النيابة للتفتيش.
وعن الحل من وجهة نظره لجعل مصر بلدا خاليا من التعذيب قال الزيات إنه "لا حل ولا أمل طالما بقي هذا النظام بوضعه الحالي".
محمد عبد العاطي
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد