اتفاق بين الأكراد و«الجبهة الشامية»: إدارة المناطق.. أم مواجهة الجيش و«النصرة»!
اتفاق غير مسبوق بين «الجبهة الشامية» من جهة وبين «وحدات حماية الشعب» الكردية من جهة ثانية حول إدارة المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في حلب وعفرين.
وأهمية الاتفاق أنه جاء بعد أيام فقط من انضمام «حركة حزم»، المدعومة غربياً، إلى «الجبهة الشامية». كما جاء بالتزامن مع إعلان الأخيرة عن تشكيل «غرفة عمليات تحرير حلب»، وخوضها اشتباكات نادرة ضد «أحرار الشام» على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. لكن الأهم أنه جاء بعد «النصر الحاسم» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» في مدينة عين العرب .
ويبدو أن محافظة حلب التي فشل تجميد القتال فيها بعد وصول مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا إلى حائط مسدود، مقبلة في المرحلة المقبلة على تطورات ساخنة، قد يكون الاتفاق الذي وقعته كل من «الجبهة الشامية» و «وحدات حماية الشعب الكردية»، أمس الأول، أهم مؤشر عليها.
وبالرغم من أن الاتفاق الموقع بين الطرفين غلب على بنوده الثلاثة الطابع التنظيمي والإداري، إلا أن قراءة ما بين أسطره، على ضوء الأحداث الأخيرة، التي شهدتها حلب على صعيد التقاتل بين الفصائل المسلحة، تؤكد أن المدينة تتجه نحو منعطف حاسم. ونصّ الاتفاق على «توحيد النظام القضائي بين الطرفين ليشمل كافة المحاكم، والحكم بشرع الله»، و «فتح مكاتب شرعية ودعوية ومتابعة المساجد وإقامة صلوات الجمعة وخطبها في حلب وعفرين وقراها». كما نص على «اتفاق الطرفين على البند المتعلق بملاحقة المفسدين والمسيئين أينما كانوا، ومحاسبتهم وإعادة الحقوق لأهلها، وتأمين الأمن والأمان في المناطق الواقعة تحت سيطرة الطرفين، والتي خرجت عن سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد».
والقفز الواضح في هذا الاتفاق على أمور يعتبرها الطرفان من ثوابتهما العقائدية، يدل على أنه لم يكن ليرى النور لولا وجود إرادة خارجية قوية دفعت الطرفين إلى توقيعه، وخصوصاً البند المتعلق «بتحكيم شرع الله»، إذ من المعروف أن «وحدات الحماية» التابعة إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي» تتبع نهجاً علمانياً، وسبق لها أن أقرت في المناطق التي أعلنت فيها الإدارة الذاتية قوانين تخالف الشريعة الإسلامية، مثل منع تعدد الزوجات والمساواة التامة بين الرجل والمرأة. فكيف تتفق «الجبهة الشامية»، ذات الطابع الإسلامي، مع حزب علماني؟ وكيف لحزب علماني أن يتبنى مطلب تحكيم شرع الله؟.
هذا ما جعل الاتفاق يثير العديد من التساؤلات حول حقيقة أهدافه، وعما إذا كان يقتصر بالفعل على إدارة المناطق «المحررة» أم يتعداها إلى أهداف أخرى، قد تكون ذات أبعاد عسكرية وإستراتيجية. لاسيما أن التوقيع عليه تزامن مع إعلان «الجبهة الشامية» عن تشكيل ما أسمته «غرفة عمليات تحرير حلب»، التي تهدف بحسب البيان الذي ألقاه قائدها عبد العزيز سلامة إلى محاربة النظام السوري و «داعش».
وما يعزز من هذا الاحتمال أن الاتفاق جاء بعد إعلان الولايات المتحدة إعجابها بحالة التعاون بين «وحدات حماية الشعب» الكردية و»الجيش الحر» في عين العرب، والتي أدت إلى «النصر الحاسم» ضد «الدولة الإسلامية»، كما وصفه وزير خارجيتها جون كيري. وبما أن واشنطن لم تخف نيتها استنساخ هذا التعاون، وتطبيقه في مناطق أخرى، يغدو من المرجح أن يكون الاتفاق خطوة أخرى، بعد «غرفة عمليات بركان الفرات» (التي تشكلت في تشرين الأول الماضي قبل اندلاع معركة عين العرب)، على طريق تنفيذ الإستراتيجية الأميركية، التي أصبحت فيها القوات الكردية، سواء في سوريا أو العراق، عنصراً أساسياً.
ولا شك أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى تداعيات كثيرة، وفي أكثر من اتجاه، سواء على صعيد العلاقة بين الجيش السوري من جهة وبين «وحدات حماية الشعب» من جهة ثانية، وهي العلاقة التي تتراوح بين التنسيق في مناطق والتوتر في مناطق أخرى، أو على صعيد العلاقة بين الفصائل المسلحة بعضها بعضاً، لأن بعض الفصائل، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، ستنظر إلى هذا الاتفاق على أنه استهداف لها ولمشروعها المتمثل بمحاولة إقامة «إمارة» خاصة بها في الريفين الإدلبي والحلبي.
وفي هذا السياق، يعتبر الاتفاق بمثابة وأد لمبادرة قائد «ألوية صقور الشام» أبو عيسى الشيخ، التي أطلقها منذ عدة أيام، بهدف توحيد الفصائل المسلحة في حلب ضمن غرفة عمليات موحدة، وبهدف إيجاد طريقة لحل الخلافات في ما بينها، عبر تشكيل محكمة مستقلة تتولى الفصل فيها، وذلك بعد الاشتباكات التي اندلعت بين «جبهة النصرة» وبين «حركة حزم» الأسبوع الماضي.
وإذا كان قبول «الجبهة الشامية» انضمام «حزم» إليها قد اعتبر رسالة تحذير إلى «جبهة النصرة»، بأن الصبر قد نفد من ممارساتها تجاه الفصائل الأخرى، فإن توقيعها الاتفاق مع «وحدات الحماية» الكردية يمكن اعتباره مفاصلة نهائية مع «جبهة النصرة» وحلفائها.
بل أكثر من ذلك، فإن توقيع هذا الاتفاق يثير الكثير من التساؤلات عن حقيقة العلاقة بين «الجبهة الشامية» وتركيا، خاصة أن البعض ما زال يحسب «الجبهة الشامية» على الطرف التركي، وهو ما يناقضه تحالفها مع «وحدات حماية الشعب»، العدو اللدود للحكومة التركية. وما يعزز من ذلك أنه بعد ساعات فقط من توقيع الاتفاق اندلعت في بلدة سرمدا، القريبة من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، اشتباكات عنيفة بين «الجبهة الشامية» و»حركة حزم» من جهة وبين «جبهة النصرة» وأحرار الشام» من جهة ثانية، وذلك في حادثة غير مسبوقة. علماً أن «أحرار الشام» انفردت مؤخراً بإدارة معبر باب الهوى بدعم تركي واضح.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد