إيردوغان يبحث عن خشبة خلاص من مأزقه السوري
انتقلت تركيا إلى تمهيد الأرضية التي تضمن برأيها إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد عبر التسوية السياسية، من دون أن تتخلى عن دعمها الكامل للخيار العسكري، الذي تعتقد أنه قد يكون مطروحا في مرحلة لاحقة إذا ما فشل مؤتمر جنيف.
ويبدو «جنيف 2» خشبة الخلاص الوحيدة لكي تخرج تركيا من مأزقها السوري، في ظل استحالة التدخل العسكري الخارجي. ولا شك بأن انتقاد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لـ«حزب الله» للمشاركة في معارك القصير جاءت تسليفا للرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل إظهار وقوف أنقرة إلى جانب سياسات واشنطن ضد القوى المعادية للغرب وإسرائيل وسياساتهما، وليس من زاوية رفض التدخل الخارجي في سوريا، حيث كانت تركيا ولا تزال الرائدة والسباقة في فتح حدودها لكل أنواع المسلحين والخاطفين والأصوليين.
وقد سمع أردوغان بأذنه امتعاض واشنطن من تمركز عناصر «جبهة النصرة» في تركيا، واتخاذها قاعدة خلفية لعملياتها في سوريا، فضلا عن أن أردوغان نفسه اعترف قبل يومين بأن بلاده تقدم كل أنواع الدعم اللوجستي للمعارضة السياسية والمسلحة في سوريا.
المرحلة الجديدة ترسم أمام تركيا صورة ضبابية وغير واثقة مما ستؤول إليه، في ظل إجماع داخلي تركي، حتى من المقربين لـ«حزب العدالة والتنمية»، على أن أنقرة محدودة الحركة وعرضة لكل أنواع المخاطر إذا استمرت الأزمة السورية لسنوات مقبلة.
بل إن مسار حل المشكلة الكردية في تركيا يبدو متصلا أيضا بتطور الوضع في سوريا، حيث أكد النائب الكردي أحمد تورك، الذي وصل إلى واشنطن للقاء المسؤولين الأميركيين، أن موقف أنقرة من الوضع في سوريا قد يؤثر سلباً على عملية الحل في تركيا، إذا لم تغيّر تركيا نظرتها إلى الأكراد السوريين وإذا لم تتخل عن دعمها لـ«جبهة النصرة».
وأضاف تورك أن على تركيا أن تختار بين حل ديموقراطي في سوريا أو دعم الأصوليين، وبين أهمية روسيا في حل المسألة السورية ووضع الأكراد في المنطقة وطبيعة الحراك التركي في المرحلة الحالية.
في صحيفة «ميللييت» اعتبر فكرت بيلا أن «لقاءات البيت الأبيض بين أردوغان وأوباما أظهرت مرة أخرى أهمية روسيا في الحدث السوري. الدعم الكامل لروسيا لنظام الأسد وعدم رغبة أميركا في التورط بحروب جديدة بعد أفغانستان والعراق، أمدّا بعمر الأسد. في ضوء هذه الحالة اتجهت أنقرة التي وجدت نفسها معزولة في سياستها السورية الى مؤتمر جنيف 2، علها تجد مبتغاها، حيث إن مستقبل سوريا يكتسب أهمية قصوى لتركيا لجهة ما سيؤول إليه الوضع في المنطقة الكردية في سوريا. إذ أن انتقال السيطرة هناك إلى حزب الاتحاد الديموقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني يفتح على احتمال تكرار التجربة الكردية العراقية في سوريا، وتنقطع أنقرة نهائياً عن بغداد ودمشق. مثل هذه التطورات تنسجم مع أهداف مسعود البرزاني وحزب العمال الكردستاني لكن من الصعب قول الشيء نفسه بالنسبة لتركيا».
وفي حوار في الصحيفة ذاتها رأى مدير برنامج تركيا في مجموعة الأزمات الدولية هاغ بوب أن الأزمة السورية أظهرت أن تركيا لا تملك القدرة الديبلوماسية ولا العسكرية لتغيير الوضع في سوريا.
وقال بوب إن «تركيا فقدت ميزة التحدث إلى الجميع التي كانت قبل سنوات»، مضيفا ان «الأسد لا يزال في السلطة بعد سنتين على الأزمة، وأردوغان يفعل كل ما بوسعه من أجل تغيير هذه الصورة. لكن ليس من الصعب التخمين بأن لقاء أردوغان مع أوباما لم يسفر عن نتيجة. أميركا تنظر إلى تركيا على أنها رادار ضد إيران واستخبارات داخل سوريا».
وكتب شاهين ألباي في صحيفة «زمان» انه «في وقت سابق اتبعت تركيا سياسة صفر مشكلات مع جيرانها، وتساءل الغرب عما اذا كانت تركيا قد غيّرت محورها. الأزمة السورية أعادت تغيير البوصلة التركية. يئست من النظام ودعمت المعارضة. لم تحصل أنقرة على نتيجة، وظهر بعد سنتين أن نظام الأسد أقوى مما كان يعتقد وأن المعارضة أكثر عجزاً مما كان يظن. اليوم تركيا في مرحلة الباحثة عن معايير جديدة لسياستها السورية. على تركيا أن تتبع سياسة وقائية، أن تمضي في المصالحة مع الأكراد، وأن تفتح باب المصالحة مع العلويين، ليس فقط من أجل ديموقراطيتنا بل أيضا من أجل أمننا».
واحتلت روسيا صلب مقالة الباحثة دنيز اريبوغان في صحيفة «أقشام»، قائلة إن «البعض يقول إن أردوغان نال ما يريده من لقائه مع أوباما والبعض الآخر يرى العكس. ما نتج أن تركيا ستتولى تحضير الأرضية لمؤتمر جنيف. تركّز تركيا الآن على روسيا. من سيضع الحرف الأخير في سوريا ليس أوباما بل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين. وإذا كان من بلد تتوجه إليه تركيا فهي بالتأكيد روسيا. سوريا لروسيا ليست كأي بلد آخر، وفي طرطوس قاعدة عسكرية لها. لكن إذا توافر بديل للأسد يضمن مصالحها فإن موقفها قد يشهد تغيراً، وعلى عاتق تركيا مسؤولية إقناع روسيا».
وكان طه أقيول متشائماً في مقالته في «حرييت»، حيث حذر من احتمالات استمرار الأزمة في سوريا لسنوات، قائلا إن «البعض في الغرب يتوقع أن تستمر الحرب في سوريا ربما لعشر سنوات أو أكثر. من هذه الزاوية يمكن توقع ما هي تأثيرات ذلك على تركيا. المشهد السوري تحول إلى عملية لبننة كما كان البلقان قبل مئة عام. لم تســتطع تركيا أن تقول ما دخلنا هناك؟ لأن كل الحساسيات الموجــودة على الطرف الآخر من مذهبية وإتنية موجودة في الجانب التركي. لكن تركيا لا تستــطيع بمــفردها عمل الكثير. حركــتها مقيــدة. الذي على تركــيا أن تفعله هو أن تتحرك بالتنسيق مع حلفائها الغربيين. مؤتمر جنيف في حزيران مهم، لكنه سيكون مجرد أحد المنعطفات في طريق طويل ومشؤوم».
محمد نورالدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد