إعانـات الشـلل الدمـاغي هل وصلت إلى مستحقيها؟
بعد مرور خمس سنوات على صدور التعليمات التنفيذية للقانون السوري رقم 34 لعام 2004 الخاص بالمعوقين والذي قدم لهم تسهيلات ومساعدات مختلفة, منها وجوب تقديم إعانات مادية للأسر الفقيرة التي لديها أشخاص مصابون بالشلل الدماغي.
وأما الشكاوى الكثيرة والاستفسارات التي قدمها الأهالي, فكان السؤال ملحاً عن هذه الإعانات ولماذا لم تصل؟ وما سبب توقفها لأشهر طويلة؟ ولماذا الواقع مختلف عن الصورة المشرقة التي رسمها القانون على وجوه هذه الأسر, رغم أنهم يعتبرون من المحظوظين بالحصول على رواتب تعينهم في معالجة أطفالهم ودمجهم في المجتمع؟
- يعتبر القانون 34 من أشمل القوانين التي تهتم بقضايا المعوقين وحقوقهم واحتياجاتهم والخدمات الواجب تقديمها لهم.. وحسب المادة 9 في مجال الإعفاءات والخدمات ينص القانون في الفقرة الرابعة أنه يجوز صرف إعانات مالية للأسر الفقيرة التي تتولى رعاية المعوقين الذين لديهم شلل دماغي ويحدد مقدار الإعانة بقرار من الوزير بعد موافقة وزير المالية.
وفي التعليمات التنفيذية في الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 14 تقوم الوزارة بوضع الأسس اللازمة لمنح الإعانات للأسر الفقيرة التي تتولى رعاية المعوقين وترسل لائحة سنوية تحدد فيها الإعانة المقترحة لكل أسرة إلى وزارة المالية للموافقة عليها.
- الواقع مر, والمشكلة أكبر من أن نعبر عنها ببضعة أسطر, وما الطوابير التي احتشدت أمام مراكز الشؤون الاجتماعية والعمل إلا دليل آخر على الغريق الذي تعلق بقشة.
ربما أخطأ بعض الأهالي في تكرار الإنجاب لأطفال مصابين, بأمل أن يأتيهم طفل سليم ولإيمانهم أنه لا توجد في العائلة حالات إصابة, وحسب الواقع يبدو أن أكثر الإصابات ناتجة أثناء الحمل أو أثناء الولادة أو بعدها.
- وممن التقيناهم، تقول أم مجدي:
إنها أصيبت بحمى شديدة خلال فترة الحمل وأكدت لها الطبيبة أن الطفل لن يتأثر ولكن أثناء الإنجاب كان طفلها بحاجة إلى أكسجين, لكن الأطباء اعتقدوا أنه لن يعيش بسبب شكله أثناء الولادة, فلم يعطوه الأكسجين وكانت النتيجة طفلاً مصاباً بالشلل الدماغي الرباعي, ورحلة طويلة مع المعالجات والبحث عن جمعيات ومعاهد رعاية أو معونة إلى أن وصلت إلى معهد النور.
أما ما يخص إعانات الشؤون فتقول:
أخذت مبلغ 3000 ل.س على مدار شهرين فقط, ومنذ ثلاث سنوات حتى الآن, راجعت الوزارة مرات عديدة بسبب الوضع المادي السيئ الذي نعانيه, حيث إن زوجي عامل نسيج في إحدى الورش وأجرته بالكاد تؤمن جزءاً من الضروريات, وكانت إجابتهم أنه لم يأت دورنا بعد.
وحالة الطفلة جنان ليست أفضل فقد أصيبت بالشلل الدماغي بعد ولادتها بسبب اليرقان الذي وصلت نسبته إلى 25%، ما أدى إلى تلف جزء من العصب الحركي والعصب السمعي, أكدت والدتها أنها لم تهتد إلى مايسمى بطاقة معوق إلا منذ عامين ومع ذلك هي لم تأخذ إعانات سوى مرة واحدة.
- بعد صدور قرار الإعانات, ظهرت أعداد كبيرة من مرضى الشلل الدماغي وبدأت الأسر تتحرك لإظهار المعوقين الذين كانوا خلف الأبواب المغلقة، ومن الواضح أن أغلبية الأسر لم تحصل على إعانات أو أنها أخذت لمرة واحدة, أو مرتين خلال السنوات الأربع لتنفيذ القرار.
هذا بالنسبة للمسجلين, إذ يوجد الكثير من المعوقين بأرقام مجهولة الزمان والمكان وحتى الآن لم تصل المسوحات إليهم, والدليل على ذلك ما وصل إليه عدد المصابين بالشلل الدماغي في دير الزور خلال الكشوفات الأخيرة، حيث بلغ عددهم 1000 حالة بعد أن كان التصريح عن 40 حالة وفي السويداء وصل عدد المسجلين للإعانات إلى 2504 حالات, جزء منهم حصل على الإعانات لمرتين، وآخرون لم يصل إليهم الدور.
وحسب ما أكده لنا محاسب ريف دمشق (مديرية الشؤون) أنه خلال عام 2009 تم التوزيع على 1526 مصاباً بقيمة 3000 ل.س وعلى 142 مصاباً بقيمة 1500 ل.س و14 مصاباً حصلوا على قيمة الـ 1000 ل.س وذلك خلال (شهري كانون الثاني وشباط) وحتى الآن لم يأخذ أحد شيئاً، هذا يضعنا من جديد أمام التساؤلات عن التنسيق والإحصائيات التي يعتمد عليها في توزيع الإعانات.
- توضح السيدة ملكي من مالية وزارة الشؤون: إن أعداد المصابين بالشلل الدماغي كبير جداً فمثلاً في الحسكة ودير الزور والرقة توجد قرى بأكملها تقريباً لكل أسرة مصاب أو ثلاثة أو أربعة.. وتقول مع أننا نعطي من كل أسرة حالة واحدة ومع ذلك المبلغ المرصد لا يكفي, وعند التوزيع نلاحظ أن البعض لم يستكمل أضبارته, فترك قسماً من المرصد حتى تكتمل جميع الأضابير.
ونجد أن أعداد من لهم أضابير فقط يفوق الـ 15 ألف مصاب وطبعا هذا العدد غير فعلي, وبالتالي نحن نوزع عن شهرين أو ثلاثة في العام كله وقد طلبنا من وزارة المالية مبلغاً يعادل 420 مليوناً لعام 2010, ولكن ليس هو المبلغ الفعلي الذي ترفدنا به.
- تابعنا هذا الموضوع مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, وقد أفادتنا السيدة فادية خضرة من قسم الخدمات أن معظم الأسر التي أطفالها معاقون فهمت الموضوع على أنها إعانات ورواتب شهرية ولكن حسب القانون 34 والتعليمات التنفيذية هي معونات تقدم وفق الاعتمادات وليست مساعدات شهرية, مع أنه في البداية تم الالتزام بها, ولكن عندما ظهرت الأعداد الكبيرة, لم يكن لدى الوزارة رصيد يغطي الجميع.
وقد تم التوزيع بحسب بطاقات الإعاقة التي توضح بيانات حول من يستحق المعونة وبالتنسيق مع وزارة الصحة يوجد كتاب لتصنيف نسبة الإعاقة والمبالغ المستحقة، حيث حدد مبلغ 300 ل.س للشلل الرباعي, و1500 ل.س للشلل النصفي, و1000 ل.س للشلل النصفي وحيد الطرف.
وقد كان عدد المستحقين حسب المحافظات، حيث وزعت الوزارة في عام 2009 حوالي 212 مليون ل.س وفي عام 2008 حوالي 240 مليون ل.س وحاليا تطلب من وزارة المالية زيادة الاعتمادات المخصصة لعام 2010 نظرا لتزايد الأعداد من المصابين ممن تتوفر فيهم شروط منح الإعانات.
وفي سؤالنا عن قيمة الإعانات للأسرة التي فيها أكثر من شخص مصاب بالشلل الدماغي أجابت: إن المعونة تقدم للأسرة وليست حسب عدد المصابين ونحن نعطي نسباً ولا نستطيع تغطية جميع الأعداد.
- في جولة على بعض الجمعيات والمعاهد التي تعنى بهذا النوع من الاعاقة نقف على طبيعة وحاجات المصابين بالشلل الدماغي والخدمات المتوفرة لهم.
تقول السيدة ندى أبو الشامات مديرة معهدي النور والزهور: إن المعهد والذي هو برعاية الوزارة وشراكتها حيث تقدم المكان والتجهيزات والأثاث والكادر التعليمي والعلاجي التأهيلي مع المرافقين والسائقين افتتح منذ عام 1984 وهو أول معهد يختص بالشلل الدماغي وحالياً لدينا 63 طالباً بالإضافة إلى 75 طالباً يأتون عن طريق التدخل، أي يأخذون العلاج والتنمية الفكرية، ونظراً للأعداد الكبيرة التي تراجع المعهد هم بحاجة إلى مكان أكبر وهذه الأسر تحتاج لتسجيل أطفالها المصابين، وليس لدينا استيعاب ومكان يكفي لجميع المراجعين، ونحن نرسل البعض منهم إلى قسم التأهيل في ابن النفيس، وأغلبية الأسر تطالب بسكن داخلي لأطفالهم رغم أن أطفال الشلل الدماغي هم أطفال حساسون جداً ويحتاجون لحنان أسرهم إذ لديهم ذكاء عاطفي، ولهذا فإن المعهد والجمعية يغنيان هذا الجانب عن طريق الزيارات المنزلية للأهل وتدريبهم على كيفية التعامل مع طفلهم المصاب.
- أغلب الأذيات الدماغية تصنف بالشلل الدماغي وهي اصابات تتعلق بفترة الحمل وحسب ما أكدته لنا السيدة وفاء الزعبي المشرفة في المعهد ومن خلال تجربتها الطويلة في العمل مع أطفال الشلل الدماغي أن هذه الاعاقة تكون مختلطة ما بين سمعي، ذهني، بصري، هي إصابة متعددة حيث تكون الإصابة حركية ويرافقها إعاقة ذهنية، نطقية، بصرية، أما الأسباب فتحدث إما خلال فترة الحمل بسبب سخونة أو أمراض أخرى تصيب الأم، أو أثناء الولادة بسبب نقص الأكسجين، أو بعد الولادة بسبب تعرض الطفل لوقوع شديد على الرأس، أو سخونة (حمى شديدة) ما يؤدي إلى أذية دماغية. ورغم الحالات التي تراجعنا من وجود طفلين أو ثلاثة وأكثر أحياناً في أسرة واحدة إلا أن الأبحاث حتى الآن لم تثبت دور الوراثة أو العامل الوراثي وإنما هناك دور كبير لزواج الأقارب، والأطباء يتحدثون عن أسباب تتعلق بالجهل وخلل بالجينات، فرغم نصائح الأطباء بعدم الاستمرار في الإنجاب، إلا أن الكثيرين لا يهتمون بهذه النصائح.
- حسب إحصائية أقرها آخر مؤتمر للمعوقين أن 3٪ من المعاقين هم من الشلل الدماغي وهذا يعني نسبة كبيرة وحاجات كثيرة وبحسب الأمر الواقع وما تأكده السيدة الزعبي أن هؤلاء بحاجة للأدوية بشكل مستمر، وأجهزة مساعدة على الحركة، ومعينات بصرية ومعينات سمعية وسنية وعلاجهم يتطلب المتابعة المستمرة وخصوصاً أن بعضهم يصاب بنوبات الصرع ومنهم يعاني من مشكلات سنية وبصرية بالإضافة للمعالجة الفيزيائية والتنمية الفكرية.. وأغلبهم يحتاج لعمليات عصبية، عظمية هذا مع طبيعة غذاء وأطعمة معينة.
هذه الحاجيات صعبة جداً على الأسرة وخاصة إذا كانت فقيرة أو حالها وسط، والجمعية تخفف هذا الضغط عن الأهالي وتقدم الأدوية والمعالجة الفيزيائية بشكل مجاني، ولدينا أطباء عصبية وعظمية داخل الجمعية بالاضافة إلى تحويل المحتاجين منهم إلى عمل جراحي إلى المشافي مع تقديم الأجهزة وغيرها. وامكانيات المعهد جيدة لكننا بحاجة لدعم خارجي.
أما خصوصية هذه الاعاقة التي تشكل هماً كبيراً على الأهل، أنه لا شفاء منها وجميع هذه الاعانات تقدم لمساعدة الطفل على الحركة والاستمرار والنطق.
- ينظر أهالي المعوقين إلى الاعانات التي أقرها القانون بالكثير من التفاؤل لأن أغلبيتهم يعيش بين نارين إما ترك أطفالهم المصابين يضمرون أمام أعينهم لعدم قدرتهم على تكاليف المعالجة وبخاصة الأدوية الغالية الثمن والحاجة إلى المعالجة الفيزيائية بشكل مستمر، ونتيجة قلة الجمعيات التي تستقطب هؤلاء هم يلجؤون إلى الخاص وجلسات المعالجة الفيزيائية تتراوح بين 500-1000 ل.س لكل جلسة.
وحسب ما أوضحته لنا المعالجة الفيزيائية فينوس نادر أن أطفال الشلل الدماغي بحاجة إلى التدخل المبكر من عمر أشهر حتى خمس سنوات، وقالت: نحن في الجمعية نعمل بشكل طوعي مجاني ونبدأ مع الطفل منذ بداية الاصابة بتمارين لتقوية العضلات ووضعيات لمنع حدوث تشوهات بالمفاصل ووضعيات تعكس الأنماط الخاطئة التي تصيب الطفل بسبب التشنجات الدماغية، ونحن نقوم بهذه الجلسات مع وجود الأم لكي نعلمها كيفية التعامل مع طفلها في المنزل لأنه يجب الاستمرار بالعلاج الفيزيائي بشكل يومي حتى عمر خمس سنوات وأكثر، فمنهم يأخذ العلاج الفيزيائي حتى عمر 13 سنة وهو عمر تخرجه من المعهد، ويختلف ذلك بحسب درجة الإصابة.
- من جانبها تؤكد الاختصاصية الاجتماعية والاعلامية أليسار فندي الناشطة مع جمعية الشلل الدماغي للكبار: الدور الخدمي والانساني الذي تقدمه الجمعية من حيث التوعية الوقائية والتوعية المجتمعية وما تنظمه من شرائح مختلفة من الفعاليات والمساعدات في الكشف عن هذه الحالات وتقييمها والاعاقات التي تنتج عنها من اعاقة عقلية، تحديد نسبة الذكاء ومن ثمة تقديم المعونة في مجال العلاج الجماعي وتأمين المستلزمات والأجهزة الحركية.
وعن سؤالنا إن كانت هذه الجمعيات تكفي لأعداد المصابين؟ تقول: إن الجمعيات المنتشرة في القطر والمسماة بتسميات خدمية مختلفة وهي مع فروعها في المحافظات السورية لا تكفي للغرض المطلوب، فمثلاً لابد من المساعدات العينية والمادية لكي تستطيع هذه الجمعيات أن تسبر الشارع السوري من هذه الاعاقات «الشلل الدماغي» والتي نسبتها عالمياً ومحلياً كبيرة جداً.
ولهذا فإن هذه الجمعيات بحاجة إلى مساعدات فنية من كوادر اجتماعية ونفسية مؤهلة لتقوم بالتدريب والتأهيل مع كوادر العلاج الفيزيائي التي لها دور كبير في تحسين أداء هذه الاعاقات وأيضاً لتعاون المؤسسات التربوية في سبيل قبول أطفال الاعاقات العقلية في فصول خاصة في مدارسها مع جعل نظام خاص تواصلي بين وزارة الشؤون الاجتماعية وهذه الجمعيات بما يخدم ويساعد هذه الأسر على استيعاب هذه الإعاقة.
حقــائــــق
< 3% من المعوقين مصابون بشلل دماغي
< هم متعددو الإعاقة وتلبية احتياجاتهم تصعب على الأسر
< الجمعيات لا تخدم سوى جزء بسيط من الواقع
< توجد مسؤولية كبيرة على الأهل في حال تكرر الإنجاب لأطفال مصابين
< من أهم أسبابها نقص الوعي الاجتماعي والصحي وزواج الأقارب في المقدمة.
ميساء الجردي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد