إسرائيل ترمي «صفقة الأسرى» في ملعب حماس
أنهت اللجنة «السباعية» الإسرائيلية مداولاتها، بعد منتصف ليلة أمس الأول، بقرار يمنح المفاوض حجاي هداس هامش المناورة، ويلقي الكرة في ملعب حركة حماس. ورغم أن أحدا لم يعلن بشكل رسمي عن طبيعة القرار الذي اتخذ، إلا أنه وفر، في خطوطه العامة، للوسيط الألماني فرصة الإدعاء بقبول إسرائيل الإفراج عن الأسماء في القائمة الأخيرة بشروط.
وهنا يأتي الشرط الذي تعرضه إسرائيل قاسيا أيضا على حماس وهو عدم الافراج عن بعض الأسرى إلا خارج الضفة الغربية. ولا يدور عن اسم أو اثنين، وإنما عن عشرات، وربما عن ما يزيد عن مئة أسير تصنفهم إسرائيل ضمن قائمة من يتعذر عليها التسليم بوجودهم في الضفة الغربية.
وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنّ الموافقة الإسرائيلية، التي سلمت للوسيط الألماني، تضمنت أيضا قائمة بأسماء «الأسرى الكبار» الذين تصر على إبعادهم إما إلى غزة أو إلى الخارج. ويبدو أن هذا في الأساس هو موقف رئيس جهاز الشاباك يوفال ديسكين، الذي يرى أن تواجد هؤلاء في الضفة يسمح بإعادة ترميم بنية حماس السياسية والعسكرية بما يناقض مصالح إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وشددت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الوسيط الألماني سيواصل مهمته حتى إذا خرج في إجازة الأعياد.
تجدر الإشارة إلى أن معلومات فلسطينية تحدثت عن أن حماس طالبت بأن تسلم ردها على اقتراحات إسرائيل الجديدة اليوم وليس بالأمس كما طلب الوسيط. ويعتقد أن ذلك يأتي لإتاحة المجال لتدارس الموقف بين قيادتي الداخل والخارج. ولكن في كل الأحوال يمكن القول إن إبرام الصفقة لم يعد ممكنا قبل عيد الميلاد. وإذا خرج الوسيط الألماني فعلا في إجازة وفق إنذاره، فإنه في الغالب لن يعود قبل عطلة رأس السنة. وهذا يعني أن أسبوعا على الأقل سينقضي قبل العودة للمفاوضات.
ومن المهم معرفة أن «السباعية» الإسرائيلية ليست الجهة المخولة في الجانب الإسرائيلي باتخاذ القرار النهائي بشأن الصفقة، فالقرار النهائي من صلاحية الحكومة الإسرائيلية، التي ينبغي بعد أن تتخذ القرار أن تمنح للجمهور، وفق القانون، مهلة يومين للاعتراض أمام المحكمة العليا. وبعد أن تبت المحكمة العليا بالقرار يغدو ممكنا تنفيذ الصفقة.
واحتار المعلقون في قراءة القرار الإسرائيلي، وما إذا كان يعني التقدم في المفاوضات أو المراوحة، غير أنهم اتفقوا على أنه لم يغلق الباب أمام تسوية بعد، ففي القرار نوع من الجزرة تقدم لحماس بالموافقة على قائمة الأسماء الأخيرة التي تقدمت بها، لكنه ينطوي على عصا ثقيلة اسمها الإبعاد. وثمة من يشدد على أنه في كل الأحوال سيصعب على حماس رفض المقترح الإسرائيلي الأخير جملة وتفصيلا، ويرى أن هذه الحركة ستدير مفاوضات لتحسين الشروط.
ويبدو أن القرارات من الجانبين لا تخلو من حرب نفسية ومراهنة على الوقت. ففي حماس إدراك تأكد مع الوقت بأن كل توقف للمفاوضات لن يكون إلا مؤقتا، واستئنافها يبدأ من النقطة الأخيرة التي وصلت إليها في المرة الأخيرة، لذلك فإن المماطلة لا تفيد إسرائيل كثيرا. ولكن حماس تلحظ أيضا أن حملات الاعتراض السياسي والشعبي على الصفقة في إسرائيل تتزايد من ناحية أخرى، وتعاظم الخلافات داخل الحكومة قد يعقد التوصل إلى اتفاق.
وفي إسرائيل نوع من المراهنة على أن مرور الوقت يجبر حماس على التراجع
من أجل إظهار إنجازات للشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة. وثمة في إسرائيل من يلحظ نوعا من الخلاف بين قيادتي حماس في غزة والخارج حول بعض جوانب الصفقة، إذ فيما تريد القيادة في غزة الانطلاق من الصفقة لتخفيف الحصار عن القطاع، حتى لو كان الثمن إبعاد عدد من المعتقلين، فإن القيادة في الخارج لا تريد تبديد الإنجاز بالخضوع لمطلب الإبعاد بالجملة.
وقد أعلن القيادي في حماس أسامة حمدان يوم أمس أنه لا يمكن للحركة القبول بمبدأ الإبعاد، وأنها بالتالي تصر على الإفراج عن جميع الأسرى. وقال إن ما تشيعه إسرائيل عن الإبعاد ليس سوى محاولة لإضعاف موقف مفاوضي الحركة.
وقد كسر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك حاجز الصمت المحيط بالصفقة، وأعلن أن «هذا وقت حساس وليس وقتا للكلام». وشدد على موقفه المعروف بوجوب إبرام الصفقة ولكن ليس بكل ثمن.
وتحدث باراك عن الثمن المطلوب من إسرائيل دفعه في صفقات التبادل، وقال أنه «في السنوات العشرين الأخيرة وقفت إسرائيل على منزلق الصفقات، من صفقة جبريل حتى صفقة (العقيد الاسرائيلي الذي أسره حزب الله في العام 2000 الحنان) تيننباوم، بل حتى صفقة إعادة جثامين (الجنديين اللذين أسرهما حزب الله عام 2006) غولدفيسر وريغف». وأضاف أن «هذا منزلق ولا مفر من إيقافه. وينبغي على حكومة إسرائيل أن تغير سياسة الصفقات من أساسها. ومع ذلك، ثمة الآن وضع محدد لم يبدأ مع ولاية هذه الحكومة. يجب تغيير المسار وبلورة موقف آخر، وأن نسأل أنفسنا هل من الصواب تحرير جندي معين موجود هناك، واختطف قبل ثلاث سنوات، والنظر إلى حالته، أم النظر إلى السياق العام برمته».
وأشار باراك إلى أنه إذا كان لا بد من تغيير الوضع القائم، فمن الواجب القيام بذلك فقط بعد إبرام صفقة شاليت. وأوضح: «حسب رأيي فإن الصواب أولا هو أن نعمل من أجل إنهاء مفاوضات شاليت، ليس بكل ثمن، وبعد ذلك الإقدام على خطوات مهمة وتغيير أسلوب معالجة إسرائيل لقضايا الاختطاف».
وأثنى باراك على رئيس الأركان غابي أشكنازي، الذي كان قد تعرض لحملة من جانب مسؤول إسرائيلي كبير (كشفت «يديعوت أحرنوت» يوم أمس أنه مستشار الأمن القومي عوزي أراد). ونال أشكنازي أيضا الثناء من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومن جانب وسائل الإعلام. غير أن ما نشر سلط الأضواء تحديدا على موقف رئيس الشاباك يوفال ديسكين الذي يشكل في نظر الكثيرين عنوان الفشل لأنه لم يفلح في جلب معلومات لإسرائيل عن مكان احتجاز شاليت.
وكانت أوساط إسرائيلية قد رأت في الحملة على أشكنازي محاولة للتنصل من المسؤولية عن صفقة شاليت التي يعتقد أنها ستحظى بغضب شعبي كبير بعد إبرامها. وقد نشرت يوم أمس استطلاعات رأي تظهر أن 52 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يؤيد صفقة شاليت. غير أن الرسميين الإسرائيليين يعتقدون أن هذا المزاج قابل للتغير في كل لحظة، ولذلك هناك منذ الآن من يضع ذنب أول قتيل إسرائيلي بعد الصفقة في رقبة نتنياهو.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد