أكاديميات وكليات لتخريج اللصوص والآفاقين
في جلسة مع مراسل صحفي سوري لوكالة دولية بدمشق، أكد المراسل انتشار سرطان الفساد، وقال بأن البعض من المحتالين يعمل على الاستفادة القصوى والاثراء السريع فـ " الجمعة مشمشية " وفق التعبير الدمشقي، وذلك قبل أن تشن الدولة الحملة الكبرى ضد الفساد، وحينها سيدك في السجن كل من يرتشي عشر ليرات سورية.
ولعل في الموجة الجديدة من تصدع الأبنية في بعض أحياء ما أصطلح على تسميتها بـ " أحياء المخالفات " ما يشي بالشيء الكثير. فخلال أسبوعين من الزمن، تداعى بنائين، يتألف الواحد منهم من عدة طبقات، وذلك في الحي الفقير الواقع ضمن حزام المخالفات المحيطة بدمشق، والمسمى بحي دف الشوك بالرغم من الاسم التحديثي الذي أطلق عليه، ليتحول بقدرة قادر من حي دف الشوك الى حي الزهور. ولمن لايعرف نقول بأن الحي المذكور جرى البناء على أرضه بشكل مخالف في المناطق الزراعية التابعة لبلدتي يلدا وببيلا في ريف دمشق، وعل مسافة قصيرة من مخيم اليرموك.
ومن الملفت للانتباه بأن القرار الصائب للقيادة الأولى في البلد بمنع التعديات والبناء غير المشروع وغير المرخص، تم التحايل عليه من قبل طواغيت الفاسدين في البلديات ومن المتعهدين، الذين أمتهنوا الفساد كطريق للاثراء السريع على حساب غلابى المواطنين، خصوصاً الذين يفتشون ليلاً نهاراً من أجل مسكن ولومتواضع يقيهم شرور الاستئجار مع ارتفاع تكاليف الحياة اليومية. ومما زاد في " الطنبور نغماً " أن الجمعيات التعاونية السكانية لم ترتقي الى مستوى خدمة المواطن وفق قرار انشاءها، بل توغل الفساد فيها أيضاً، ضارباً أطنابه بين غالبية رؤساءها ومتنفذيها، الذين " لادين ولاوطن لهم، ومعبدوهم المال فقط ".
وعليه فان ماحدث في حي الزهور من تصدع للأبنية يجب ألا يمر " مرور الكرام " أو حتى مرور " اللئام " بل يجب أن يستتبع باجراءات رادعة تطال كافة المسؤولين الذين غامروا بحياة وأرواح وممتلكات المواطنين الأبرياء على مذبح مصالح الشخصية والأنانية. وأعتقد بأن كل المواطنين متماسكين وراء القيادة في اتخاذ الاجراءات الرادعة ضد المخالفين الذين تجاوزوا قرارات القيادة بشأن منع البناء المخالف وغير الخاضع للترخيص القانوني والفني.
ان هناك شيئاً علاجه صعب، اسمه الفجع، والفجع قد يكون سلطوياً، وقد يكون مالياً، وقد يكون الاثنان معاً، وفي حالات نبيلة يحمل اسماً آخر اسمه : الالتهام النبيل للأخلاق والمعرفة والكد والعمل. أما الفجع المالي المتوالد عن ظاهرة الفساد فحدث ولاحرج، خصوصاً في ظل المنعطفات والأوضاع الصعبة التي تمر بها الأوطان، حيث يصبح عندها الفساد والفاسدين كالطحالب التي تنمو في المياه الآسنة، مستغلين الواقع الراهن، غير آبهين بحياة ولقمة عيش المواطن العادي، عاملين على استنزافه، وتنظيف جيوبه شبه الفارغة أصلاً، وعلى حد قول الشاعر الكبير سليمان العيسى : أجهدوا النعجة المسكينة بالحلب… فخارت من وطأة الاجهاد.
ولكن، مع هذا، لابد من القول التالي : يرافق انتشار الأمراض العضوية البيولوجية في سوريا، هذا الانتشار المخيف والمرعب لداء الفساد، الذي تمارسه عصابات االنصابين والمحتالين. ومن المؤسف له بأن عصابات النصابين التي تعمل نهاراً جهاراً تستطيع أن تدبر أمورها وأن تتلائم مع كل الأجواء والمتغيرات، كتغير الفيروسات القاتلة التي تتحايل في تركيبها الكيماوي وفي سلسلة مايعرف علمياً بسلسلة (د ن ي) وذلك عند تعرضها لعوامل المستضدات الحيوية التي يجري تناولها عبر الدواء العلاجي. وعلى مايبدو فان اتقان لعبة الفساد على يد المحتالين والنصابين، جاء بفعل خبرة تراكمية هائلة، زكتها التجربة اليومية التي يمارسها هؤلاء بحق المواطنين الأبرياء الذين يقعون في شباك هذه المجموعات الفاسدة التي تسيء لسوريا وشعبها ولتاريخها القومي والوطني. ولو هيء القدر لجامعات اسمها جامعات وكليات الفساد لتخرج هؤلاء منها برتبة أستاذ بروفسور. ولكن لحسن الحظ فان القدر يأبى الفساد ويعد أصحابه بنار السعير.
فالفساد في صيغته الراهنة، أصبح عنواناً لممارسات معظم من هم في موقع المسؤلية اليومية في المرافق الحيوية المتعلقة بمعيشة المواطن العادي، وبالطبع فان الفاسدين المشار اليهم يتجنبون، بل لايستطيعون أن يتمادوا في فسادهم تجاه (المدعومين) وفق تعبيراتهم البائدة، بل يمارسوه تجاه غلابى القوم، من المواطنين الأبرياء الذين يحصلون على لقمة عيشهم بالكد والعمل، وبالطرق الشريفة. ان مناسبة القول أعلاه تأتي، وقد وقعت سيدة من أبناء حي الميدان بدمشق ضحية لعبة قذرة مارسها بحقها متعهداً للبناء ورئيس احدى الجمعيات التعاونية السكنية المقامة على جبل قدسيا، عندما ماطل معها بكتابة مايسمى (تنازل الفراغ / الطابو) ناسجاً كل يوم قصة وراء قصة في سبيل المماطلة، حيث يرمي داء المماطلة يوماً على القوانين، ويوماً على الوزير الفلاني، ويوماً على رئيس الاتحاد التعاوني السكني السيد زياد سكر، ويوماً على الوطن بأسره وهلمجرا … وعندما أبلغها بمحاولته مساعدتها سلم موضوعها لشخص اتضح أن اسمه خالد جاويش من حي الصالحية ويقيم في برزة ويعمل لدى " رئيس الجمعية كمتعهد اكساء ورجل متابعه في الظل في المالية، ومعقب معاملات، وصاحب وجالب لفايات (خدامات وأشباه الخدامات)، وحوائج المصطافين الخاصة (بتاع كله) "، قدمه لها بصفته (حربوق ومدبر ويشتري كل مالية دمشق وريفها من راسها الى أساسها)، مشترطاً عليها خشخشته وكشكشته بشوية مصاري. وبالفعل قدمت له مبلغ 5000 ليرة سورية، ليتضح لها بأنه نصاب ومحتال، فقام المتعهد ورئيس الجمعية بمحاولة تقديمها لشخص آخر قال عنه انه " حربوق أكثر " ليتبين لها بأنه نصاب أكبر. وليتضح في نهاية المطاف بأن المتعهد ورئيس الجمعية التعاونية السكنية ليس سوى نصاب ومحتال من الطراز الأول، يسلم المرأة المسكينة من نصاب الى نصاب آخر، لكنه يعمل بطريقة الظل، مستخدماً مجموعة من الأعوان. فما رأي الأستاذ زياد سكر رئيس الاتحاد التعاوني السكني وما رأي الجهات المعنية تجاه رؤساء بلديات المخالفات، خصوصاً مع مسلسل تصدع الأبنية في حي الفقر المعروف باسم دف الشوك.
ومن المضحك أن يكرر أحد هؤلاء النصابين والمحتالين من معقبي المعاملات الوارد اسمه أعلاه، بأنه يريد مبلغ معين كدفعة أولى للموظف المعني، حيث سيمكنه الموظف المشار اليه من ركوب الصاروخ بالمعاملة والأوراق دون المرور على أحد، ليصل الى نقطة النهاية فائزاً غانماً بتكاليف معقولة، لأن صاروخ " سكود سي " يحتاج لثمن الوقود فقط على حد تعبيره. معتبراً بأن موظفي البلد كلهم مرتشين وحرامية
قد يقال الكلام عام، لكن نعدكم بأن ننشر التفاصيل، وأن نتكلم بالأسماء والأرقام. فهبوا لانقاذ المواطن والوطن من عصابات التخريب. ومدوا يد التكاتف الى القيادة الشابة في وطننا، التي تحمل معنا حملاً كبيراً تنوء به الجبال، وهي تخوض الى جاني شعبي لبنان وفلسطين معركة العرب، والدفاع عن مستقبل أبنائنا.
لقد أساء الفاسدين لسوريا وشعبها وقيادتها، وأساؤا لتاريخها، بعد أن كانت مضرباً للمثل في نزاهة مؤسساتها منذ فجر الاستقلال ، حين كان المرتشي والنصاب شخصاً منبوذاً لاوجود له، بينما تحول الآن الى " حربوق وشاطر ".
ان الوطن، وسوريا الشامخة، لن ترحم في نهاية المطاف هؤلاء النصابين والمحتالين الذين أساؤا لها ولشعبها، والذين لايضيرهم احراق سوريا بأكملها من أجل مصالحهم وأنانيتهم ولصوصيتهم، ولن تكون خاتمتهم الا وبالاً عليهم في ظل اصرار القيادة على شن المعركة الكبرى ضد الفساد والفاسدين، الذين ركبوا موجات الأزمات، وأستغلوا انشغال وطنهم في دفاعه عن ثوابته القومية والوطنية في زمن القحط العربي.
ان سوريا، ومع صمودها أمام عواصف التحولات والضغوط الدولية، لم تتعرض لاساءات مباشرة وهجمات كبرى قدر ماتعرضت له في جبهتها الداخلية من" سفالات " تمت على الفاسدين، ومن اساءات مباشرة للغالبية الواسعة من شعبها على يد حفنة اللصوص والمحتالين الذين يتناولوا طعامهم مغمساً بدم الشعب السوري. فكل الحذر منهم، ولتهب القيادة نحو الحملة الكبرى لاجتثاثهم، واعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة ومرافقها. ولنعيد لشعب سوريا صورته الحقيقية التي لطخها " أرذال " الفساد. ومن هنا أهمية اقالة كل من يخدم أربع سنوات متتالية في الموقع الواحد، وتحويله الى مكان أخر حماية للوطن والمواطن، والحد من استشراء البعض، الذين تحول الواحد منهم الى أخطبوط في الفساد وشبكات المصالح بعد أن أمضى ومازال سنوات طويلة في موقعه.
هدى حوتري
إضافة تعليق جديد