أبطال حائطي الافتراضي
الجمل ـ تغريد عيسى قاسم:
- يؤلمني ماأقرأ على صفحات الفيس بوك وخصوصا"مايصدرعن البعض في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها بلدي..كتبت هدى تلك العبارة على حائطها الافتراضي في ساعة متأخرة من الليل وماهي إلا ثواني حتى يعلق أحد الأصدقاء على حالتها
- الواضح ياعزيزتي انك لاتسمعين سوى صوتك ولاتقرأين سوى أفكارك .
ترد هدى على نجيب
- أما كان الأحرى بإفكارك الملتهبة أن تستجيب لنجابتك وتهاجر دلالتك على الآخرين بأنهم مغلقون على أنفسهم ياصديقي النجيب ..هذا الاسم الذي أتمنى أن ترتبط به حقا"
كان ردّها قاسيا" على صديقها نجيب دلة لكن آلمها ماقرأت فهي طالما أقتنعت أن العقلانية أولوية للشعوب العربية ،لكنها في هذه الظروف العصيبة ،تحاول التسلح بالصبر والمحبة،الحاجة الأساسية لمجتمع يتعرض لجرح كبير تتمنى أن يُشفى بأقرب وقت ..لقد حاصرتها صورالشهداء والجرحى على التلفاز وتألمت للدماء التي سقطت.
من كان يصدق أن الرياح البعيدة الباردة سوف تهب على بلدها وبأن رياح السموم الصحراوية يمكن أن تشوش الرؤية فيه أدركت هدى أن هناك من يرغب بإستباحة بلدها المطمئن الذي رفض الخضوع لإرادات خارجية ،لكن مهما حصل ، فالضربة التي لاتكسرالظهر تقوّيه..هذا ماكان يقوله الآباء المؤسسون لهذا الوطن الرائع أمثال يوسف العظمة و الشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وآخرون ممن حُفرت اسمائهم في ذاكرتنا ،نعم ستقوى بلدها على تلك الظروف المؤلمة وستعود سوريا أقوى وأجمل ..هذه ثقة هدى ، لذا تصر من خلال مشاركاتها على الفيس بوك في مواجهة الأكاذيب والشائعات والفيديوهات المفبركة التي ينشرها البعض على صفحات الفيس بوك بهدف نشر التوتر والقلق ،لقد بدا واضحا"لهدى وجود مكاتب افتراضية متخصصة بنشر هذا التوتر وهذا ماأستنتجته من خلال صديقها نبيل الذي حطم الموقع الافتراضي للقطلبي الذي يدعّي أنه شخص سوري ،وأعجبتها قدرة صديقها نبيل على امساك وادارة الحوار وكشف القطلبي على حقيقته واجباره على الأنسحاب من صفحة الفيس بوك.
تسترخي هدى لآمانيها بأن تزول السحابة السوداء عن بلدها
فتكتب على حائطها الافتراضي:
-لا للفتنة الطائفية ..الشعب السوري أقوى من كل المؤامرات .
وماهي الا لحظات حتى يعلق مهتز بصري على حالتها فيكتب :
- ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا"
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فتجيب هدى صديقها مهتز بصري :
- ستبدي لك الأيام من كان جاهلا"
لايروق للسيد مهتز هذا الجواب فيتهمها بالسطحية ويصفها بالبسيطة التي يسهل استغباؤها واقناعها بنظرية المؤامرة .
- شكرا" على استغبائك لي أما نحن البسطاء نعرف كيف نحمي بلادنا ..نحن البسطاء نعرف كيف نئد الفتنة وكيف نحافظ على وحدتنا الوطنية وسلمنا الأهلي ،لقد تركنا لك الذكاء الذي يؤهلك لدور بطولة في هيوليود ،هكذا ردت هدى على اتهام صديقها مهتز
تشتعل نيران السيد مهتز بصري فيكتب :
- أصبحت الآن متأكدا" انك من مناصري السلطة لذلك تدافعين من أجل بقائها
تتألم هدى للغة الحوار التي اعتمدها صديقها مهتز بصري لأنها تؤمن أنه في هذه الظروف الحرجة لامجال لأن يقف الانسان مع أو ضد ، فنزيف الدم في الشارع والخطر الخارجي يحدق بنا جميعا"، فتجيبه
-علينا جميعا" الوقوف الى جانب الوطن وسلامته ..نريد لأولادنا أن يعيشوا في بلد آمن ومستقر ..نريد للمجتمع أن يكون حرا" لاأن يرتهن لمجموعة صغيرة تجعل من الهذيان والهيجان مسارا" لحراكها ومن الدماء سبيلا" لأهدافها ..
تأكدت هدى أن هناك حراكا" اعلاميا" عربيا" وعالميا" واسعا" ضد بلدها ، تميز بالانتقائية وبعدم المصداقية بهدف التحريض والإثارة ، أقتنعت بهذه الحقيقة لأن أصدقائها يتوزعون في جميع المحافظات السورية وهي تتصل بهم عبر الهاتف بشكل دائم وتطمئن على أخبارهم والجميع يؤكد حجم المبالغة والافتراء الذي تبثه الفضائيات الخارجية عن محافظاتهم ، لذا تصرهدى في مشاركتها على الفيس بوك في مقاومة هذه الحملات الاعلامية المغرضة .
فتكتب :
-الشعب السوري انتصر على الفتنة الطائفية ،ولأني علمانية بالمطلق أحيّي رجال الدين من كل الطوائف لنشرهم الطمأنينة في قلوب السوريين ،وأحيّي ردهم الحكيم على الذين أطلقوا فتاوى القتل تحت اسم الجهاد والثورة المزعومة .
يعجب بحالتها كلا" من مهند وسلاف ورحاب وكذلك كوركين وتيريزوعبير وزاردشت ويعلق جورج:
- شكرا"لرجال الدين العقلاء الذين أثلجوا صدورنا وطمأنوا قلوبنا .
تستأذن هدى من أصدقائها على الفيس بوك وتغلق صفحتها، رغبة منها في النوم لكن النوم فارقها فكيف لها أن تنام وهي تسمع في عقلها صراخ الذين فقدوا أحبتهم ،أطفال يبكون آباءهم..ونساء يبكين أزواجهن ..وأمهات تبكي أولادها ..نزيف الدم في الشارع تحت اسم التظاهر السلمي ..تحت اسم الجهاد وربيع الثورات العربية..تحت أخطاء اللحظة والخوف الذي تسلل الى القلوب ، مظاهرات..اصلاحات..ديمقراطية..سلاح وأموال..جهاديون متطرفون..فتاوى دينية وتحريض..فوضى وتخريب..بنادق ورشاشات..ذبح وتمثيل..سكاكين وسواطير..ديناميت وصواعق..قنابل مولوتوف..قتل وتدمير..وربي يسر.. شيخ يفتي بقتلي وأخي يجاهد ضدي والفتنة نائمة وهناك من يريد ايقاظها.. تشظي العقول والأهداف ..تشظي البلدان والأخلاق..ألا يكفي أن تكون أخلاقيا" حتى تقترب من الله ،نعم يكفي أن نكون أخلاقيين حتى نقترب من الله ولن نسمح لهؤلاء المتطرفين أن يغتصبوا عقولنا ، تحدث هدىنفسها بصوت عالٍ..وقد استسلمت لبكائها بآه وآخ استدعت استيقاظ ابنتها الصغيرة متسائلة !
- ماما ليش عم تبكي ؟
- رأسي يؤلمني قليلا" أجابت هدى ابنتها بعد أن ضمتها وبدأت تروي حكاية سندباد لعل النوم يعود لقلب الطلفة الصغيرة .
سندباد.. بساط الريح..حكاية الثعلب مع الذئب وابن آدم..علي بن بكار مع شمس النهار
علاء الدين والأربعون حرامي ..قمرالزمان بن الملك شهرمان ..حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع..الملك شهريار ..الصياد مع العفريت..التاجر مع العفريت..تاريخ ألف ليلة وليلة تغتصبه اسطورة الرجل الخارق والرجل الوطواط ..حضارة غرب تستبيح جدار الشمس ونظرية المليار الذهبي تشق طريقها بسواطير الجهاديين المتخلفين تحت مظلة الثورة والتغيير..الماضي يغتصب الحاضر والبربرية تخصي المدنية ارتكاسهم الى الخلف والتخلف يقصي العقول الحرة ويفني المدنية ويجهض التشاركية.
هكذا تتفوق الفوضى على البناء والتخريب على الاصلاح والدم على الحوار..الشعب يريد والوطن يريد والسماء تريد والأرض تحتضن ابنائها والأمهات تبكي ،وصباح
هدى ينبلج على تلك الهواجس،ودون أن تشعربالوقت تدرك أن طفليها تآخرا عن المدرسة، فتسرع لتقوم بواجبها وقدأصابتها موجة عصبية لم يسلم منها طفليها،واجب يومي ودوري يستلزم ساعة محددة تفلت منها هذه الأيام ..انه التوتر والقلق الذي غيّرسلاسة حياتنا اليومية تحت اسم الحرية .
تودع هدى طفليها وهي نادمة على عصبيتها وقد قررت عدم الذهاب الى العمل فطلبت اجازة ادارية لمدة يوميين من خلال اتصالها عبرالهاتف بالمدير الاداري في المؤسسة التي تعمل بها ..وسوف تستعين بطليقها ابراهيم السرياني ليرعى الطفلين خلال هذين اليومين ،ربما تستعيد توازنها النفسي وتخلد للنوم ،ربطت ساعة المنبه على الساعة الواحدة والنصف ظهرا" فهي لن تتخلف عن سماع موجز الأخبار.
تحدث مذيع التلفزيون السوري عن استشهاد مائة وثلاثة وعشرون من عناصر الأمن والشرطة في جسر الشغور بنيران العصابات المخربة التي تمردت بشكل مسلح ومنظم ضد الدولة ومؤسساتها كما أكدت الأنباء سقوط عدد من المسلحين في مواجهة بين الطرفين .
تغلق هدى التلفاز وهي تحدث نفسها:
مواجهة بين الطرفين.. من هما الطرفان ؟
هل يعقل أن نصل الى مثل هذه الحالة في بلدي هذا مافرضه منطق السلاح لهذه الأحتجاجات فكانت النتيجة دم سوري يراق على التراب السوري
المسلحون والمتطرفون أمتهنوا قتل عناصرالأمن والشرطة والتمثيل باجسادهم وقتلوا كل من لايتناغم معهم في نسيجهم الارتكاسي المتخلف وعقليتهم الدينية المتطرفة.
ضحاياعسكرية ومدنية..تمثيل بالجثث وتنكيل .. خوف وترهيب .. حرق وتخريب دموع وآهات..أرامل ويتامى ..مطالب..حرية.. مظاهرات..
اصلاحات..فوضى..شائعات..تحريض اعلامي وديني..الى متى ستظل الأمور تسير بهذا التوتروالخوف ؟
ابتعدنا عن أطفالنا وعن عملنا وأصدقائنا.. باتت الشائعات بطلة يومنا وشيوخ الفتنة عفاريت حياتنا..أصبحت الصورة أقوى من المنطق ،لامكان للمنطق في حياة الآخرين وحدها الصورة تحركهم وتحدد أهدافهم .
أتضامن معكم ياأخوتي في طلب الحرية والاصلاح وفي مكافحة الفساد ، ولكن لاأتفق معكم في سلوك الشارع ونزيف الدماء .
لذا كان لابد لهدى بأن تطرح هواجسها وأفكارها على الفيس بوك فتكتب :
- أصبحت الصورة أقوى من المنطق .
يعلق على كلامها حسام :
-لأن الصورة وسيلة أساسية في نقل الحقيقة وتعرية الواقع ياصديقتي
تجيب هدى :
- الصورة أساس في نقل الحقيقة عندما تكون واقعية وحقيقية وليس عندما يتم تصنيعها لأهداف غير سليمة تتمثل بنشر التوتر والقلق والهيجان غير المبرر
يرد حسام :
- أصبح كل شخص من خلال جواله صحفيا"
- يعني بفهم من كلامك ،أنو الجوال هوالذي يمنح شهادات في الاعلام والشرف الاعلامي وهل باتت صوره مع شهود العيان المجهولين أداة لتغييرالبلدان والأوطان والأنظمة والتاريخ والهوية هل هذا معقول ؟ تجيب هدى
لايعجب حسام جواب هدى ،فيرسل لها رسالة يكتب فيها :
- أعتقد ياعزيزتي كلينا متطرف في رأيه ولامجال لمتابعة الحوار في هذا الموضوع .
تحترم هدى هذا الخيار وتخرج من حوارها المشترك مع حسام،لتتابع نشاطها على الفيس بوك
فتكتب على حائطها الافتراضي :
- نريد يوم الجمعة يوم أمان وسلام وليس يوما"للفتنة والهذيان.
وماهي إلا لحظات حتى تتوالى الاشعارت على حالتها
فيعلق حائر حبيب :
- نحن المحتجون نريد الكرامة والحرية ولو كان الثمن غالٍ ولن تهزمنا نظرية الأمان .
تجيب هدى حائر :
- ننام على آلام بطوننا ولكن لانستطيع النوم على الخوف والقلق الذي يصيب أطفالنا
فالأمان هو الأساس لممارسة الحرية والشعور بالكرامة وتحقيق الاصلاح المطلوب
يرد حائر حبيب :
-هكذا أنتم البسطاء دوما"تسقط حريتكم وكرامتكم أمام سيناريوهات الأمان والكرامة.
تجيبه هدى :
- مبروك عليك الحرية والديمقراطية الدموية التي يقودها شيوخ الفتنة وينفذها مجرمون جهاديون يتباهون بأعترافاتهم على التلفاز بذبح عناصر الجيش السوري والتمثيل بأجسادهم .
الدم السوري يؤلمنا ويؤلمنا كذلك مواقف أمثالك من المثقفين المتضامنين مع هؤلاء المتطرفين ..ألم تلاحظ ياحائر دجل شهود العيان وكذب الفضائيات الخارجية ألم تتألم على الشباب الصغار المغرر بهم تحت شعارات دينية والدين ممن غرر بهم براء
هل تبنى الأوطان بالارتكاس الديني المتطرف المتخلف وبشهود العيان المجهولين الذين ثبت كذبهم وكذب الفضائيات التي تتبناهم ،ان مايحدث في الشارع يهدف لتدميرمفهوم الوطن والقيم والهوية.
تنتظر هدى جواب صديقها حائر،لكن لاجواب.. فتنقر بالماوس على قائمة الأصدقاء لتفتح صفحتة ولكنها تكتشف بأن السيد حائرحبيب قام بحظرها وحذفها
يحزنها هذا الفعل من صديقها حائر، فتكتب هدى على الصفحة الرئيسية للفيس بوك
- رسالتي الى الذين حذفوني من خريطتهم الديمقراطية الافتراضية لأني أختلفت معهم بالرأي أقول..ان كنتم عاجزين عن ممارسة الحرية وقبول الرأي الآخر في هذا العالم الافتراضي فعار عليكم أن تطلبوها في الواقع .
يعجب بحالتها كلا"من غزوان ومحمود وجاد وعائشة وجورج وأحمد وعلي وخضر .
ويؤكد كلامها محمد العراقي بتعليقه :
- أخت هدى إن ماتشيرين إليه بحظر بعض الأصدقاء لك على الفيس بوك بسبب الأختلاف بالرأي يشير الى وجود مشكلة خطيرة يعاني منها البعض في هذا المجتمع، تتلخص بغياب ثقافة قبول الآخر وقبول الاختلاف
تؤكد هدى اعجابها برأي محمد العراقي وتكتب :
- من الضروري وجود الأختلاف وهذا يؤكد شرعية وجود معارضة تختلف مع السلطة في مشاريعها ولكن على هذه المعارضة منافسة السلطة في مصلحة الوطن لتكون النتيجة ايجابية على الوطن واصلاحية للسلطة فثقافة الاختلاف ضرورة ملحة ،أما أن يكون بعضهم على هذا الحائط الافتراضي عاجز عن ممارسة هذا الاختلاف فهنا تكمن المشكلة ياصديقي .
كنت أتمنى أن يكون هذا الحائط الافتراضي سوق عكاظ لنشر الثقافة والتنافس الجميل وليس حائطا"احتجاجيا" يقوم على الهذيان والهيجان غير المبرر ومصدرا"لنقل التوتر والقلق .
يعلق على كلامها جاد الشواف :
- لقد أبتعدنا ياصديقي عن الكتاب بسبب وسائل الاعلام المرئية وهانحن نبتعد عن الأصدقاء والحياة الأجتماعية بسبب هذا العالم الافتراضي المسمى الفيس بوك .
تؤكد هدى أعجابها برأي جاد فتكتب :
- صنع لنا هذا الحائط الاحتجاجي ياصديقي عداوات افتراضية ودخلنا في كهوف ودهاليز ومتاهات غير مبررة واصبحنا جزءا"من معركة افتراضية فيها انتصارات وأبطال.. وهزائم ومهزومون..بعضهم يظن نفسه بطلا"فيسبوكيا"وهو ليس أكثر من خفاش يطير في هذا الكهف الافتراضي المظلم ،هناك من جعل من نفسه قناصا"افتراضيا" يطرح كل يوم اسما"اعلاميا"أوثقافيا"أوسياسيا"يطلب جمع مليون توقيع لإدانته ،تحول الناشطون على هذا الحائط الافتراضي الى احتجاجيين يوجهون اتهاماتهم الى كل من لايشبههم ويعملون على حظرهم والغائهم كيف سنرسم ياصديقي لوحتنا ونحن نقصي كل من يخالفنا ؟
يعجب محمد العراقي بما كتبت كذلك منال ونانسي ورفاء من لبنان وهاجرويوسف من الجزائر وهيفين وسارة ورجاءوفيصل وأروى وفواز وغيرهم من أصدقائهاعلى الفيس بوك ، تشعرهدى بالتعب وترغب بالراحة قليلا"لكن اشعارا" في أعلى صفحتها رغبت في معرفة محتواه تفتحه لتقرأ تعليق كمال زلاوي :
- أي لوحة سترسمين ياهدى وأنت لاتملكين سوى ريشة الأسود والأبيض ؟
- بالألوان الفاتحة سأرسم مستقبل مشرقا"بقبول اختلاف الشرفاء المخلصين أجابته باختصار
- لوحتك مظلمة مادمت تفصلين بين الناس المحتجين في الشارع . رد كمال زلاوي على هدى
تجيبه هدى :
- أي لون يستحق هؤلاء الاحتجاجيون الذين يحرقون ويخربون ويهتفون بشعارات طائفية مخزية ،أنا أقبل الاختلاف مع الذين يحتجون لمصلحة الوطن وليس لتدميره تحت شعارات التدخل الخارجي والاقتتال الطائفي بهدف الفوضى والتخريب والتشظي والتقسيم..أجابته هدى وهي تشعر بالاستياء من شاعر يفترض به أن يكون أكثر حساسية .
لايروق لكمال زلاوي جواب هدى فيعمل على حذفها وحظرها من خريطته الفيسبوكية
لاتستغرب هدى ذلك ..وتستأنف نشاطها وقد أرهقها السهرفتخرج من صفختها على الفيس بوك وتسترخي في فراشها لتستسلم لنوم عميق .
ترن الساعة الخشبية القديمة التي حرص يوما"ما ابراهيم السرياني على تعليقها على الحائط الشرقي في غرفة النوم معلنة برنة نواسها الثانية عشرة ظهرا".
أحب ابراهيم السرياني تلك الساعة الخشبية القديمة وحرص على وجودها في جهة الشرق لأنه يعلم تماما" أنها سترن في لحظة الظهيرة فهو طالما آمن بكلمات الشاعر السوري أحمد اسكندر سليمان
الآن
لاأرى غير الثلوج
تشعل في عينيّ وهج الظهيرة العادلة
الآن
بعد كل هذا الهدوء
يمكن أن أكون
أعمى بلا ندم
تتذكر هدى محبته لهذا الشعر الذي يؤكد عدالة الظهيرة التي يتساوى في لحظتها ظل الانسان مع جسده وينطبقا لحظة العدالة التي تتكرر في كل يوم صيفي في هذاالشرق . كم نحن بحاجة لان تتحقق هذه العدالة في لحظة تشبه لحظة الظهيرة العادلة التي أشاراليها الشاعر في قصيدته
لويغتسل البشر في كل يوم لحظة عادلة يتساوون فيها كما يتساوى الظل مع جسده في وهج الظهيرة العادلة..لضمنت بقاء النوع البشري وعدم فنائه ..تحدث هدى نفسها بعد أن استيقظت على رنين الساعة الخشبية التي تذكرها بابراهيم السرياني
تشرب القهوة مع لفافة التبغ في المطبخ ،لقد دأبت هذه العادة التي يمتعض منها طفليها ولكنها تعترف بعجزها عن تغييرهذه العادة ولاسيما طقس تواجدها في المطبخ
تقررالذهاب الى الطريق البحري هذا اليوم بعد انتهائها من أعمال البيت ،تبدأ بتنظيف البيت وهي تستمع للأخبار..تجمعات..مطالب..تظاهرات..سلاح وأموال..اصلاحات ومكافحة فساد..فوضى وتخريب..قتل واحراق،لماذا يختار البعض المتاهة والمجهول؟ تقول هدى بصوت عالٍ يزيد من توترها وقلقها..لقد أنتهت من أعمال البيت وحان موعد الذهاب الى الشاطئ البحري ، لكن قبل أن تغادر البيت تفتح بريدها الالكتروني للاطلاع على الرسائل الواردة تستوقفها رسالة من طليقها ابراهيم السرياني كتب فيها -عزيزتي هدى..حدثتني ابنتك عن تغيير معاملتك معها ومع أخيها أنا لاأستغرب ذلك فالأحداث الأخيرة غيرت نمط حياتنا وآلمتنا فالأزمة التي تصيب بلدنا جعلتنا أكثر توتراً وعصبية ،لكن المطلوب ياعزيزتي أن نكون أكثرصبرا"وعقلانية وأن نعزز محبتنا لأطفالنا لننزع الخوف من قلوبهم، فأطفالنا يستحقون العيش في أحضان مطمئنة ليشعروا أن بلادهم آمنة ،أرجو أن تنتبهي لنفسك ولصحتك فطفلينا بحاجة لصبرنا وهدوءنا .
تتألم هدى للشعور الذي أصاب طفليها وتدرك أن توترها وعصبيتها هذه الأيام أثر سلبا"على طفليها، لكنها تشعرباستعادة هدوءها بعدما مالمسته من رسالة ابراهيم السرياني وأهتمامه،فتردعلى ر سالته ممازحة تكاد تجعلني أشعر بالخطأعلى طلاقي منك بعد الذي لمسته من ردود فعلك النبيلة تجاهي في هذه الظروف الصعبة .
لايجيب ابراهيم السرياني على رسالتها بعد انتظارها جوابا"على أسفها، تغلق بريدها الالكتروني وتستعد للذهاب الى الطريق البحري رغبة منها بملئ رئتيها بالهواء البحري المشبع باليود..على شاطئ البحرتلتقط الحصى المختلفة وتضرب الرمال بقدميهاوبعصا ألتقطتها ترسم أشكالا"عشوائية على الرمال وبخط كبيرتكتب على الشاطئ :
- ربيع عربي مزعوم ..لماذا لم تخرج تلك المظاهرات والاحتجاجات في سوريا من الساحات وليس من الجوامع ؟ كما يقول أدونيس..هذا الشاعر الذي طالما تفاعلت مع تساؤلاته..ماذا لولم يحمل المحتجون السلاح ولم يحرض بعض الشيوخ على القتل تحت شعار الجهاد..ماذا لو أصدر المعارضون بيانا"استنكروا فيه أعمال التخريب والحرق والقتل التي صدرت عن بعض المحتجين ..ماذا عن نداء الحليب الذي خص محافظة درعا المعروفة بغناها بهذه المادة منذ القدم..ماذاعن بيان السينمائيين الذي اقترن فيه توقيع بعض السينمائيين السوريين بتوقيع سينمائي اسرائيل والغرب تحت اسم التضامن مع الشعب السوري..لماذا يهاجم أحد السينمائيين المقترنين بتوقيع سينمائي اسرائيل من فرنسا بيان الرد من سينمائيي الداخل ويصفه بالتقرير الأمني ..ماذا وماذا وماذا بعد.. على رأي عمر ناصيف..نفسٌ عميق تملأ به رئتيها لكنه مشبع بالألم والقلق على مستقبل أطفالها تستكمل خطواتها على الشاطئ دون الاهتمام بتبلل بنطالها بمياه البحر المرتطمة بصخورالشاطئ ورماله..
أربك سكون لحظتها صوت الدراجات النارية ،ألتفتت نحومصدرالصوت فاذا براكبوا الدراجات يحملون لافتات تطالب بالحرية مقرونة بشعارات متطرفة بالقرب من الشاطئ على الطريق البحري العام ،تركض هدى هربا"مما شاهدت ولكنها لم تستطع اجتياز الطريق البحري العام بعد أن بدأ اطلاق الرصاص من بعض راكبي الدراجات النارية بشكل عشوائي على المارة،ثم فروا مسرعين...تسمرت هدى بالقرب من الطريق البحري العام عندما رأت جسد شاب في العقد الثالث من عمره يتخبط على الأرض منتفضا" لايرغب في مفارقة الحياة لكن لاجدوى من تخبطه لقد قرر الطلق الناري الذي أطلقه سائق الدراجة النارية مغادرة الروح لجسد الشاب ،لقدغادر الهواء البحري رئيتيها واختفت الرمال والحصى وانحسرت الأمواج التي كانت تلطم رجليها وكبرت مساحة الرسوم العشوائية وتوسعت المتاهة والدهاليز ولازم الصراخ الهيستيري حالتها ، بين هلوسة وأنهيار نفسي استوجب بقائها في المشفى عدة أيام خرجت من المشفى وهي تحمل في ذهنها صورة الشاب المقتول على الطريق البحري
استقلت هدى سيارة اجرة لتوصلها الى البيت وفي طريقها قرأت عبارات ..بلادنا حلوة لاتخربوها ..حرية ..اصلاحات ..مكافحة الفساد ..يدا بيد نبني بلادنا ..لاللتخريب لا للفوضى.. وصلت هدى البيت وشعرت انها بحاجة للإغتسال من تلك الصور والهواجس رمت بنفسها في حوض الاستحمام.. حملتها مياهه ساعة وهي تهذي.. شاب مقتول.. شاطئ رملي..طريق بحري..دراجات نارية..احتجاجيون..جهاديون متطرفون..متظاهرون..مطالب واصلاحات..ديمقراطية وحرية..ثورة وتغيير..عقلانية وصبر..هذيان وتوتر..آراء واقتراحات..بيانات ونداءات..اختلاف واعجاب..نفي واقصاء..فضائيات تحريض..عفاريت فتنة..أكاذيب واشاعات..استعمار قضائي..عقوبات اقتصادية وقضائية..دماء عسكرية ومدنية ..شهداء وجرحى..قرابين..أمان واستقرار..حرية وكرامة..مازوت وكهرباء..رواتب وعلاوات..مكافحة الفساد..قانون الاعلام..قانون أحزاب..حزب قائد..نسيج اجتماعي متعدد..وحدة وطنية..محبة وعقوداجتماعية..أبطال وخفافيش على الفيس بوك..حائط احتجاج وندب..سوق عكاظ..شعر وثقافة..حمل ثقيل..عزلة تتعزز وحنين لطفلين أبعدتهما الأحداث عنها مؤخرا"وبرغبة بالحديث مع طفليها على الهاتف خرجت من هذيانها ، وبعد أن اغتسلت وهدأت روحها توجهت الى الهاتف لتطلب الرقم الخاص بابراهيم السرياني .. يرد على اتصالها مهنئا" بالسلامة وينقل لها أخبار الطفلين الذين أدخلاه في دوامة الأسئلة عنها وفي حديث مطول معه عما حصل لها في الأيام السابقة تقول هدى:
- وحدهم الأطفال بأسئلتهم وضحكاتهم يبعثون الحياة في قلوبنا ..وحدهم من يخرجنا من الآلام..وأعتقد ياابراهيم أني أخطأت في ممارسة بطولتي وحريتي الافتراضية بطلاقي منك ،ان الحقيقة تقول بأني خسرتك في لحظة أخلصت فيها لحائط احتجاجي افتراضي يدعى الفيس بوك ..
يغلق ابراهيم السرياني سماعة الهاتف بعد سؤاله هدى..
هل أصبحت الحرية التي طالبت بها في عالمك الافتراضي عبئا"ثقيلا".. ؟
إضافة تعليق جديد