آشوريو الحسكة يستغيثون: داعش يستخدمنا ورقة ضغط
يتراجع الاهتمام الدولي بقضية آشوريي الحسكة مع تراكم الملفات الاقليمية الساخنة وتصدّر الأزمة اليمنية الشاشات والصفحات الأولى، ما جعل أخبار أقليّات سوريا مواد تمر مرور الكرام ولا تجد في الكثير من الأحيان منبرا لها، بالرغم من استمرار تنظيم "داعش" المتطرف باختطاف حوالي 200 آشوري منذ شهر شباط الماضي وتفريغ سكان القرى الآشورية في الحسكة من سكانها.
ويُتابع سليمان يوسف الباحث السوري بقضايا الاقليات، وضع الآشوريين السوريين عن كثب، وهو يُذكّر بأن الآشوريين (سرياناً وكلدناً) وُجِدوا قبل المسيح بسبعة آلاف سنة، وهم سكان بلاد ما بين النهرين الأوائل حيث بنوا حضارة عريقة وكونوا إمبراطورية يمتد تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد. ويشير يوسف الى أنّهم ايضا من أهم ومن أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية ابتداءً من القرن الأول الميلادي. ويقول:"هم ينتمون إلى كنائس مسيحية سريانية متعددة ككنيسة السريان الأرثوذكس والكاثوليك والكلدان وكنيسة المشرق الآشورية، لغتهم الأم هي السريانية تعدادهم في سوريا يقدر بنحو 700 ألف، يتمركزون بشكل اساسي في منطقة الجزيرة".
ويشير يوسف الى أن مأساة آشوريي الحسكة بدأت فعليا فجر يوم 23 شباط الماضي حين اجتاحت عصابات "داعش" جميع القرى الآشورية في سهل الخابور والبالغة 34 قرية ، فقتل العديد من السكان وخطف التنظيم نحو 230 آشوري نصفهم من النساء والأطفال، كما أحرق العديد من الكنائس وتسبب في تهجير ونزوح أكثر من 1500 عائلة آشورية من قراهم ولجوئهم الى مدينتي الحسكة والقامشلي، حتى أنّه اعدم اثنين من الاشوريين بتهمة التعامل مع الاكراد في قرية الاغيبش. وأوضح يوسف أنّه "تم نهب وسرقة جميع الاليات والمعدات الزراعية والصناعية والتجارية من القرى والبلدات الآشورية، حتى الكنائس لم تسلم من عمليات السطو والنهب التي قام بها عناصر داعش".
الا أن كل ما اقترفته يدا التنظيم لا يُقارن بما كان يُعد له صبيحة عيد الفصح يوم الأحد 5 نيسان حين فجّر كنيسة "السيدة العذراء مريم" في قرية تل نصري الآشورية. ويشير يوسف الى ان "التنظيم الارهابي الاجرامي كان يحضر لمذبحة كبيرة بحق الآشوريين المسيحيين يوم عيد الفصح فيما لو عاد الأهالي الى القرى واقاموا الصلاة وقداديس العيد في هذه الكنيسة، وهي من أجمل وأكبر الكنائس الآشورية في قرى سهل الخابور، فكما هو معلوم فان قرية تل نصري وجميع القرى الآشورية خالية من سكانها الذين نزحوا منها بعد اجتياح عصابات داعش".
ولا يزال مصير المختطفين مجهولا بحسب ما يؤكد وكيل رئيس الطائفة الآشورية في لبنان الأسقف يترون كوليانا، لافتا الى ان كل المعلومات التي يمتلكها تشير الى أنّهم لا زالوا على قيد الحياة. ويتابع يترون عن كثب ما يتردد عن نقلهم الى الرقة او العراق، لافتا الى ان الارجحية هي أنّهم محتجزون في منطقة الشدادة في الحسكة.
ويشير يترون الى ان المختطفين يُستخدمون حاليا كـ"ورقة ضغط على قوات الحماية الكردية والنظام السوري"، معتبرا أنّه وفي حال كان تنظيم "داعش" يطبّق الشريعة الاسلامية فعليا، فالمطلوب منه امّا اشتراط الأسلمة للبقاء، أو دفع جزية أو التهجير، وقال: "نحن مستعدون للاحتمالين الاخيرين شرط الافراج عنهم".
من جهته، يعتبر يوسف أن عدم اعلان التنظيم عن أي شروط سياسية أو مطالبته بدفع فدية لقاء الافراج عن المخطوفين يثير "قلقا كبيرا نظرا لسوابق التنظيم الخطيرة في تصفية وقتل وذبح الأسرى لديه خاصة إذا كانوا مسيحيين ومن غير المسلمين".
ويعتبر يوسف أنّه لا يمكن فصل هجوم داعش على القرى الاشورية المسيحية في الحسكة السورية، عن الغارات العسكرية الجوية التي يشنها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ اشهر على مواقع داعش" في كل من سوريا والعراق، لافتا الى ان التنظيم المتطرف يريد أن يجعل من الآشوريين السوريين ورقة ضغط على التحالف الدولي، بمعنى أن داعش بدأ يلعب بالورقة الآشورية المسيحية للضغط على المجتمع الدولي الذي أبدى قلقه على مصير المسيحيين والأقليات في المنطقة.
وفي سياق متصل، يوضح يترون أن القرى الآشورية الـ34 في الحسكة باتت فارغة تماما من سكانها ففيما نزحت حوالي 800 عائلة الى مدينة الحسكة، و250 اخرى الى مدينة القامشلي، وصل ما يزيد عن 300 عائلة الى لبنان ممن امتلكوا الامكانيات أو الاقارب في بيروت. ويضيف: "المسيحي الغربي، وطبعا هنا لا نقصد الشعوب، هو الذي يتحمل مسؤولية المأساة الحالية التي يعيشها المسيحي الشرقي، باعتبار ان الغرب هو من يمد المتشددين والمتطرفين بالاسلحة والمال لتهجير الأراضي من اصحابها الأصليين".
ويقول يوسف: "من هنا تأتي المسؤولية الأخلاقية والقانونية للمجتمع الدولي تجاه حماية آشوريي الحسكة السورية الذين دخلوا دائرة الخطر الوجودي مع اجتياح قراهم وبلداتهم من قبل التنظيم المتطرف". ويرى يوسف أنّه "وإزاء هذا الوضع المأساوي تبدو الحاجة ملحة لتوفير منطقة آمنة وملاذ آمن"، بحماية دولية لآشوريي الحسكة السورية، خاصة أنّهم قد تركوا وحدهم في مواجهة خطر داعش من دون حماية وطنية سورية ومن دون سند أو حليف محلي او اقليمي أو دولي، وعجزهم، بإمكانياتهم البشرية والعسكرية المحدودة، عن توفير الحماية الذاتية لأنفسهم ".
بالمحصلة، يُدرك الآشوريون كما معظم مسيحيي سوريا أنّهم أقحموا في الصراع المذهبي الحاصل في بلادهم بالرغم من كل مساعيهم لتحييد انفسهم، لكونهم ورقة اساسية قد يحقق الممسك بها انجازا كبيرا يرجّح كفته على الطرف الآخر، الا أن اكثر ما يخشونه أن يكون مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ينفذه "داعش" بادارة اقليمية ودولية، لا مكان لهم فيه،ومن هنا يتم الدفع بهم الى الهجرة.
بولا اسطيح: النشرة اللبنانية
إضافة تعليق جديد