«طاعون وكوليرا».. السياسة خلف الأحلام

06-11-2012

«طاعون وكوليرا».. السياسة خلف الأحلام

منذ نهاية الصيف، ومع بداية الموسم الأدبي الراهن، كان يبدو أن رواية «طاعون وكوليرا» لباتريك دوفيل، لن تمرّ مرور الكرام، وأنها ستتوج بإحدى جوائز الخريف الأدبية (في العاصمة الفرنسية)، على الأقل لوجودها على غالبية قوائم الترشيح، بالرغم من حصولها على جائزة «الفناك» منذ شهرين على الأكثر. لم تخب الظنون، إذ حازت الرواية أمس، جائزة «فمينا» للرواية الفرنسية، مع بداية «الأسبوع المجنون» وهو الأسبوع الذي تعلن فيه كلّ الجوائز الأدبية الفرنسية الكبيرة.
كانت البداية إذاً مع الكاتب الذي أجمع غالبية النقاد على أنه يستحقها، وإن كان ذلك سيمنعه، عملياً، من الحصول على «غونكور» التي وصل إلى مرحلتها النهائية، إذ من الصعب أن تتوج الرواية بجائزتين من هذا العيار في الوقت عينه. بهذا المعنى، تبدو الجائزة هذه وكأنها قطعت الطريق عن دوفيل، طريق التكريس الأكبر، إلا إذ كانت مفاجأة الأربعاء من العيار الثقيل وتم اختياره لجائزة ثانية، بالرغم من استبعاد احتمال ذلك.دوفيل في بيروت، منذ أيام
ولد باتريك دوفيل (الذي يعمل حالياً مدير «منزل الكتاب الأجانب والمترجمين» في مدينة سان نازير) العام 1957، وبعد دراسته للأدب والفلسفة، عاش في ثمانينيات القرن الماضي في الشرق الأوسط، وتحديداً سلطنة عُمان، ومن ثم في نيجيريا والجزائر. أما في التسعينيات فتنقل بين كوبا والأوروغواي وأميركا الوسطى حيث أصبح صديقاً للساندينيين وحركتهم. أولى رواياته كانت العام 1987، بعنوان «كوردون ـ بلو» عن منشورات مينوي التي نشر عندها عدداً من الروايات قبل أن ينتقل في منتصف التسعينيات إلى منــشورات «لوســـوي»، حــيث بدأ كتابة مشروع، يتــنقل فـــيه بين القارات ليكتب أدباً، فيه فكـــرة سياسـية تشكل خلفــية الرواية.
حول هذا المشروع الروائي، قال دوفيل في حواره مع «السفير» (23 تشرين الأول الماضي): «أعتقد أن كلّ التنويعات الماضية على الكتابة الروائية كان بمثابة حلم ما، أو رغبة في أن أصل إلى ما وصلت إليه حالياً: أن استعمل وأستفيد من كلّ الأنواع الأدبية في الوقت عينه: السيرة الذاتية، والسيرة بشكل عام، السرد التاريخي، فن الرسائل، اليوميات، أدب الرحلات، حتى الحوار الصحافي الخ.. في العمق، كنت أرغب في أن أشعر بالمتعة المطلقة في أن ألعب بين هذه العوالم كلّها».
تأتي رواية «طاعون وكوليرا» أشبه بملحمة حول حياة ومصير العالم السويسري، ذي الجنسية الفرنسية ألكسندر يرسين، الذي عمل مساعداً لإيميل رو ولوي باستور، والذي اكتشف جرثومة الطاعون في آسيا، التي ذهب إليها (فيتنام) حيث قضى عمره هناك ومات فيها في قرية «نا ترانغ»، التي كانت تشكل جزءاً من الهند ـ الصينية، الواقعة تحت السيطرة الفرنسية.
كان يرسين، يعمل في باريس على مرضيّ «السلّ» والدفتيريا»، وهو يشكل جزءاً من هؤلاء العلماء الشبان الذين كانوا يحيطون بباستور «العجوز». وبعد اكتشافه «سم» الدفتيريا، قرر الرحيل إلى الشرق الأقصى، حيث عمل بحاراً، ومكتشفاً للغابات، وبائعاً للخيول والفيلة. عاد لفترة ألى باريس، ليعد بعدها إلى هونغ كونغ، العام 1894، ليتعرف إلى مرض الطاعون الذي كان يفتك بكلّ شيء. ونجح حين استطاع شفاء أول مصاب بهذا المرض.
انطلاقاً مـــن هذه السيرة، يرســـم دوفيل في روايته صورة، ليس للعـــالم فقط، بل أيضاً ليبرز التقاطعات السياسية والاجتماعية التي كانت مسيطرة في تلك الفترة، لكن بعــــيداً عن أي فخ ايديولوجي مباشر، إذ إن فكرته الحقيقية تكمن في أن يظـــهر كيف أن الأحلام والطـــوباويات العائدة للتقدم والازدهـــار والسياسة والعلم، لا تختلف في كلّ أمـــكنة العالم، بمعنى أنها مرتبطة بالفعل السياسي.
من ناحية أخرى، ذهبت «فمينا» للرواية المترجمة إلى الفرنسية إلى الروائية الأميركية جولي أوتسوكا عن روايتها «البعض لم يروا البحر أبداً»، وهي رواية عن منفى هؤلاء الألوف من الشبان اليابانيين الذين هاجروا إلى أمـيركا في بداية القرن التاسع عشر.

 

إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...