«الاخوان المسلمون» المصريون: إسلامية في تأويل ذكوري

13-01-2008

«الاخوان المسلمون» المصريون: إسلامية في تأويل ذكوري

«الإخوان المسلمون» المصريون يزدادون تشدّدا ازاء مشاركة المرأة في السياسة. ومن إشارات ذلك، تمسّكهم بمنع السلطة العليا القضائية الحزبية الرئاسية عنها، وإفتقارهم الى هيئات تهتم بإنخراطهن الحزبي وتدرجهن التنظيمي.

لكنْ مؤخراً ظهرت صورة نشرتها مجلة «روز اليوسف» عن حسن البنا، المرشد الاول لـ»الإخوان»، مع حفيدته المراهقة التي لم تكن ترتدي الحجاب.

النساء المتعاطفات مع «الاخوان المسلمين»، او الملتزمات بعقيدتهم صرن يعبرن عن إستنكارهن واحتجاجهن على هذه السياسة التمييزية. وفي تحقيق اجرته الصحافية المصرية اميرة الطحاوي عنوانه «إخوان مصر... إسلامية ام ذكورية؟»، ترصد الصحافية الشابة رسالة الكترونية موجهة للمرشد الحالي مهدي عاكف؛ تطالبه بدور اكبر للنساء الملتزمات وبأحقيتهن في بلوغ مكتب الارشاد، واحقيتهن في الترقي والانضمام الى اللجان السياسية والاعلامية، والمشاركة في الانتخابات الداخلية واختيار مسؤولي الجماعة بمن فيهم المرشد نفسه. وفي الرسالة ايضاً تساؤلات حول الترشيحات والتمثيل النسائي في البرلمان، وحول «قسم الاخوات المسلمات»، اسوة بـ»أخوات» خمسينات القرن الماضي بقيادة زينب الغزالي: «أين هذا القسم اليوم؟ انه يكاد يكون منعدما».

وبقية التحقيق وصف لحالة إحتجاجية نسائية داخل الجماعة، او في الاوساط المتفرعة عنها، بدأت تظهر الى العلن. وعبر وجوه وأصوات شابة ومتعلمة، ذات ديناميكية اعلامية متميزة. فكان السؤال «إسلامية ام ذكورية؟» وما يبطنه من تساؤلات فرعية ناجمة عن اشارات ماضي «الاخوان المسلمين» الأقل تشددا.

اذاً تشدّد «الاخوان المسلمون» تجاه اشراك النساء نابعٌ عن إسلامية أم عن ذكورية؟

«إسلاميةً» اولا: يوجد في «العقيدة» الاخوانية نواة صلبة عابرة لجميع «الاخوانيات» في العالم، ولغالبية الجماعات المنتسبة الى الاسلامية السياسية نهجاً وهوية. فحيثما حلّت هذه الاسلامية، تجد عقدة اسمها المرأة. يتدبّرها اصحابها كيفما اتفق، او لا يتدبرون... وهذا رهن شطارتهم السياسية او سياقهم السياسي. لكن الاقرب الى الثبات ان للمرأة في الاسلامية السياسية نصيبا لا يساوي نصيب الرجل سياسياً... وثقافياً وجنسياً واجتماعياً ايضاً.

إرتباط مسألة المرأة بالعلاقة مع الغرب، بحسب هذه العقيدة، والحرب «الحضارية» الدائرة رحاها الآن بين غرب عدواني وجهادية اسلامية، «مقاومة» او «ممانعة»... يزيد من هذه النقطة إشتعالا. ما يُترجَم في الميدان تشدّدا.

والامر ينعكس على التوجهات الداخلية بحسب النوع، أي، هنا، الجنس. فقد باتَ من الواضح انه داخل «الاخوان»، وفي الأطر الاسلامية النظيرة، توجد توجهات «رجالية» يعتمدها الرجال من «الاخوان»؛ وتوجهات «نسائية» تجسدها نساء، او تؤازرها وجوه اسلامية نسائية بارزة.

اذكر ندوة نظمها «حزب الله» اللبناني حول كتاب عن نسائه القياديات، انقسم فيه الحضور بين حزبيين رجال يهاجمون الكتاب وحزبيات نساء يدافعن عنه.

إسلاميا... لكن ذكوريا ايضا. وهذا الجانب ليس من مسؤولية «الاخوان» المباشرة. وإن كان سببا ونتيجة لتشددهم. المجتمع كله، بعدما تأسلم، أو اثناء تأسلمه... صار ايضا ذكوريا. النساء يُقصَين تدريجيا عن السياسة، ليس فقط لدى «الاخوان»، ولكن في جميع الاحزاب والتجمعات غير الاسلامية؛ الموالية منها والمعارِضة. الموجة الثقافية الراهنة، الراجمة بأحجارها النارية الموجةَ النسوية السابقة عليها... نابعة من ثقافة تهميش النساء الآخذة بالازدهار. تهميش النساء واقعاً وصورةً. انتشار «الزوجة الثانية»، انتشار النماذج الحريمية في الفن والاعلام. لعبة التغطية والكشف الملعوب عليها بجسد النساء... كله مناخ مفعم بارهاصات ردّة، تشد النساء الى ما يُعتقد انه ماضٍ كان الذكور فيه ملوكاً.

المشكلة الآن ان الاشياء تغيرت. النساء لم يعدن كما كنّ. ولا يمكن ان يعدن كما كنّ. كل شيء تغير: نمط السكن، الزواج، الانتاج، اللهو، الخروج، الشاشة. والذكورية انتقلت الى النساء الراغبات بانتزاع مساحة ما في المجال العام. اي منافسة الرجل في موقع يضيق به اصلا.

ونمط العلاقة بين الجنسين تغير ايضا. لم يعد كما كان ايام «سي سيّد». الصراع على السلطة إنتقل الى العلاقة الحميمة ايضا. (انظر الى الدراما فحسب... الاكثر انتشارا من بين الانتاجات الفنية والثقافية)، فيما الجو العام، «الردّ الرجالي» اذا جاز التعبير، مزيد من التأجيج لهذا الصراع، عبر إنكار بديهيات واقعية مثل الميل العام، غير المعبَّر عنه باللسان... لإعادة النساء الى البيت؛ والنقاش الذي باتَ ينحصر الآن في تحجيب المزيد من البنات الصغيرات غير البالغات؛ وبين الحجاب او النقاب بعدما انتهى التفاضل بين السفور والحجاب...

التغيير القوي الذي حصل هو ان النساء، اذا لم يدخلن حلَبة السياسة والمشاركة السياسية، فإنهن دخلن حلبة الصراع على سلطة... وسط الحزب الديني المتشدد، كما وسط المحطة التلفزيوينة... او وسط الانتاج الفني او الثقافي. وكلٌ بحسب سلّمها او طاقتها، او مجالها؛ في الفن، في الاعلام، في الحزب، او الجماعة، بل في العلاقات الغرامية. الاساس هو: لمن اليد الطولى؟ هذا الرواج للمارسة الذكورية لم يعد مقتصرا على الرجال. بل امتد الى العلاقة بين الرجال والنساء، والعلاقة بين النساء والنساء. ماذا نريد اكثر لتشهد الذكورية ابهى عصورها؟

الآن: هل كان الوضع هكذا في خمسينات القرن الماضي؟ عندما كان حسن البنا لا يمانع في كشف رأس حفيدته المراهقة؟ هل كانت النساء طافحات بهذا القدر على سطح المخيلة العامة؟ بهذا القدر وهذه الطريقة وهذا المضمون...؟ هل كانت الذكورة مهدّدة بفاتنات او نجمات او شيخات اكتسبن مهارة صراعية جديدة، معطوفة على مهارة حريمية متأصّلة؟ هل كان الحجاب وقتها يعني تأكيد هوية ضد عدو مغتصب؟ هل كانت المرأة السافرة عدو الله؟

إسلامية ام ذكورية؟ الاثنان معاً. الاثنان تتغذيان من بعضهما. عصر الذكورية المجروحة العاجزة. وعصر اسلام يتغذّى من هذا الجرح، ثم يعود فيضخّ في هذه الذكورة نيران التأجّج والتشدّد والعنف.

دلال البزري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...