«أيام»للتشكيل السوري اللوحة بنصف المليون وثمة من يشتري؟!
أقلعت في المزة «فيلات غربية» بدمشق مساء 11/11/2006 صالة عرض جديدة للفن التشكيلي حملت اسم «أيام» تديرها وتشرف عليها مؤسسة تحمل الاسم نفسه .
وتهدف (كما جاء في دليل معرضها الأول) الى دعم الفن السوري من خلال الترويج للفن والفنانين السوريين عالمياً، وتقديم منح دراسية للمتخرجين الجدد من كلية الفنون الجميلة في دمشق، ليتابعوا دراستهم في الخارج. كما أن مؤسسة «أيام» تقتني لوحات فنية عالمية، وتركّز على الفن في الشرق الأوسط.
ومن مشاريع هذه المؤسسة، استضافة مسابقة سنوية للفنانين الشباب الواعدين، يحصل فيها الفنان الأول والثاني على جوائز نقدية للدراسة في معاهد الفنون والتصميم الأجنبية اللامعة. كما تستضيف كل من مؤسسة وصالة «أيام» العديد من الفعاليات الثقافية واللقاءات وورشات العمل.
أقلعت صالة «أيام» بمعرض لخمسة فنانين هم: منذر كم نقش، عبد الله مراد، يوسف عبدلكي، صفوان داحول.. وفادي يازجي.
ضم المعرض 28 عملاً فنياً موزعاً على اللوحة الزيتية والمنفذة بتقانات لونية عديدة ومختلفة وبقلم الفحم، إضافة الى صحن خزفي عائد للفنان يازجي، قام بالرسم على سطوحه.
العارضون نحاتان هما: منذر كم نقش وفادي يازجي، لكنهما توجها لممارسة النحت والرسم والتصوير في آن معاً. وحفار هو يوسف عبدلكي الذي يمارس أيضاً الرسم الكاريكاتيري وإنتاج اللوحة المتعددة التقانات. ومصوران هما: عبد الله مراد وصفوان داحول.
غالبية أعمال المعرض من القياسات الكبيرة، وحملت أسعاراً مواكبة، إذ تتراوح أسعارها بين 5000 و14000 دولار، وقد بيعت مجموعة لا بأس بها من الأعمال، كما أشارت المشرفات على إدارة الصالة، وبعضها ذهب لأصحابها في اليوم التالي للافتتاح، وبُدلت بأخرى، للفنان نفسه.
شغلت صالة «أيام» شقتين كبيرتين، وهي كشكل تعدّ الأرقى والأحدث والأغلى بين صالات عرض العاصمة، كما رُصعت واجهتها بأربع نوافذ كبيرة تطلّ على الشارع، وتحتضن صوراً مطبوعة بإتقان، وبحجم النافذة، لأعمال الفنانين العارضين الذين (كما قيل لنا) تم التعاقد بينهم وبين مؤسسة «أيام» لتزويدها بعدد من الأعمال شهرياً، مقابل كتلة مالية ضخمة، يحصلون عليها بانتظام. بناء على هذا، فإن مردود بيع الأعمال يعود الى المؤسسة وليس الى الفنان!!.
هذه الظاهرة ليست جديدة على الفن التشكيلي السوري، فقد لجأت إليها (ولا تزال) إحدى صالات العرض في دمشق، ويعمل بها تاجر لوحات معروف أيضاً، وهي ظاهرة سائدة في غالبية دول العالم، إذ تقوم مؤسسات وشركات وتجار لوحات، بعقد صفقات مع الفنانين، للحصول على إنتاجهم، مقابل كتلة مالية محددة شهرياً أو سنوياً، ضمن شروط واتفاقيات، تحظر على الفنان البيع أو العرض إلا من خلال هذا التاجر أو المؤسسة.
المعرض الذي أقلعت به صالة «أيام» مهم ومتميز، إن لناحية ما ضم من أعمال فنية لافتة، أو لناحية الفنانين المشاركين الذين يُعتبرون من الأسماء الهامة والبارزة والمنتجة في الحياة التشكيلية السورية الحديثة، ولكل منهم شخصيته المتفردة شكلاً ومضموناً.
مؤسسة وصالة «أيام» بأهدافها المعلنة، تُعتبر إضافة مهمة جداً، لحركة التشكيل السوري، وبإمكانها إذا ما نفذت برنامجها كما أعلنته، دفع هذه الحركة قدماً الى أمام، لكن ما يلفت الانتباه، الصمت الإعلامي الذي رافق ولادتها، وتوجهها لعدد محدود من الفنانين، ولنوعية خاصة من الزبائن الذين قد يملكون قدرات مالية كبيرة، ولا يملكون ثقافة بصرية تعادلها، ما يحتّم تحوّل الفن (في حالة كهذه) الى شكل من أشكال البورصة المتعددة الأهداف والغايات.
من جانب آخر، فإن استثمار الفنان التشكيلي، وإغراءه بكيس النقود، قد يقود تجربته الى نوع من الخواء والآلية والتكرار السقيم البارد، وتالياً يفقدها أهم وأبرز قيم الفن المتمثلة في قدرة الفنان على البحث والتجريب والتجديد، بشكل حرّ وذاتي، بعيداً عن إغراءات كيس النقود، ورغبات الزبائن وميولهم، ومتطلبات أثاث بيوتهم ومكاتبهم، أو استثماراتهم في هذا الحقل الجديد والنظيف والجميل!!
الفنان التشكيلي في هذه الحالة، لابدّ من أن يتحول الى مجرد حرفي منفذ لطلبات السوق الذي ارتضى الارتهان له، وهذا حق مشروع للتاجر أو المؤسسة التي عقدت الصفقة معه، فهي تُشغّل كتلة مالية كبيرة، في بورصة الفن، ومن حقها الفوز بأكبر قدر ممكن من الربح، ما يدفعها للقيام بمراقبة دائمة ودقيقة لتوجهات السوق، وتالياً توجيه الفنان، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتلبية هذه التوجهات، توافقت مع بوصلة فنه أم لم تتوافق.
ارتباط الفنان الوثيق بكيس النقود، وحاجته الماسّة إليه، حالة قديمة ـ جديدة، تعدّدت أشكالها وصيغها، لكنها في جوهرها هي هي: مبدع وممول، مُنتج ومُستهلك: طرفا معادلة من دونها لا تستقيم العملية الإبداعية ولا تقوم لها قائمة، الإشكالية الحقيقية هي غاية وهدف هذا الممول، ونوعية وماهية هذا المستهلك!!
هذا كله، لا يمنع أن يتفرغ المبدع قليلاً لنفسه وإبداعه، بعيداً عن أي هاجس آخر، فيرفد نهر الإبداع بالجديد المتميز والمتفرد، لاسيما عندما تنتفي أو تضعف حاجته لكيس النقود ومن يحمله!!.
مبدعنا المحلي، بحاجة ماسة للدعم والرعاية، سواء من القطاع الخاص أو العام، ذلك لأن الإبداع لا ينمو ويتطور في حقول الفقر والجوع. ولأن هذا المبدع لا يتوفر له ما يتوفر للمبدع في الدول المتطورة، فهو مضطر للبحث والتنقيب عمن يمد له يد المساعدة والدعم، ولكونه غير قادر على فرض إبداعه، بالشكل الذي يريده على الطرف الآخر، كما هي الحال مع الفنانين الكبار، في مجتمعات تتوهج الثقافة في عقل وقلب مواطنيها، نتيجة تراكمات تاريخية متعاقبة، صحيحة وسليمة، سيبقى هذا المبدع المحلي، مضطراً للمجاملة في سلوكه وإبداعه، الى أن تصبح الثقافة حاجة أساسية لمواطنينا، مثلها مثل الحاجات الأخرى التي تدفعهم للحياة وحبّ الحياة!!
محمود شاهين
المصدر : تشرين
إضافة تعليق جديد