غسان الرفاعي

الكتاب الجديد الذي هبط بالمظلات على مكتبات في باريس, الأسبوع الماضي, سلعة فكرية خبيثة, من تأليف فيلسوف الصقور الجديد (روبرت كاغان), اسمه «الأقوياء والضعفاء: الولايات المتحدة وأوروبا في النظام العالمي الجديد». ‏

يصرّ أحد كبار كتاب هذا العصر «أندريه جيد» على أن «الاكتئاب» ليس حالة شعورية تقتحم الإنسان في فورات اليأس، والقهر، والفشل، وإنما هو «مهنة» لا تليق إلا بالمثقفين، ويبدو أن هذا القول «تشخيص سريري» لا يرفضه كبار المحللين النفسانيين الذين يجمعون على أن «المثقف كائن كئيب»

هذه التسمية الاستفزازية «الحريم السياسي» ليست لي، وإنما للكاتبة المغربية (فاطمة المرنيسي)، سمعتها منها، حينما التقيتها، منذ سنوات، ثم جعلت منها اسماً لكتاب جديد، لعله من أعمق كتبها، في البدء، أطلقت هذه التسمية على «واقع المرأة المسلمة»،

ما أحوجنا في هذه المناخات المدلهمة السوداء إلى صوت عاقل متزن كصوت المستشرق الفرنسي النزيه (جاك بيرك) ليذكرنا بأن الحضارة العربية قد حملت إلى العالم الكثير من الدسم والثراء، وأن التنكر لها هو (عقوق مجرم) لا يجوز التستر عليه. لقد مرت ذكرى هذا المفكر النزيه بصمت، ولكن بعض أصدقائه أفردوا له أمسية، أشعرتنا بأن الوفاء مازال قيمة إنسانية سامية. ‏

يبدو الحديث عن الشعر والشعراء، في هذه المناخات المدلهمة التي تستفزنا بلا رحمة، هذه الأيام، نوعاً من الترف البرجوازي أو التهرب الانتهازي، وقد يكون تسلية غير محمودة،

يحاول جيل من المثقفين (القراصنة، في الغرب، أن يسطو على الفضاءات والمنابر، وأن يمارس هواية الحفر في التضاريس التاريخية لاستخراج ما يمكن أن نسميه الأمة الغربية، بحجة أن إنقاذ الإنسانية يتوقف على انتصار الغرب أمام البربريات الشرقية التي تزحف من كل مكان حاملة معها الهوس الديني والجنون الاثني والإرهاب الحضاري.

-1- اكتشف جان زيغلر – الشاب – وهو يتوثب حيوية وبراءة، في جنيف، أثناء تحضيري للدكتوراه، وكان يطيب لي أن أجالسه مع المرحوم بديع الكسم،.

-1- كان «هنري ميللر» وقد تجاوز حدود العفة والاحتشام- يصف الكتابة بأنها «عملية اغتصاب» وقد بقيت كتبه، حتى فترة وجيزة، ترص في الرفوف الخلفية من المكتبات، على اعتبار أنها «تخدش الحياء»، إلى أن أسقط عنها التحريم،

زعم أن الفنانين هم، أولا وقبل كل شيء، أناس يعرفون كيف يفكرون بأيديهم، الخيال يتبدد بسرعة، وحركات الفكر والوجدان يخطفها الزوال، ولكن اليد هي وسيلة الفنان لاستيعاب تلك الأطياف الشاردة، وتزويدها بالصورة التي تضمن لها البقاء، فلماذا لا نفكر بأيدينا،

-1-يداهمني، وأنا أشارك في الندوات والحلقات، والطاولات المستديرة التي يعلن بأنها (تعالج الموضوعات الساخنة التي تستأثر باهتمام الرأي العام).