أكراد سوريا بين نارين: مواجهة مسلحي المعارضة وإدارة مناطقهم ذاتيا
من جديد، تتجه الأنظار إلى شمال سوريا، وتحديداً إلى المناطق الكردية، حيث يتزايد الحديث بشكل جدي عن مشروع للإدارة الذاتية لهذه المناطق. ولكن هل تشبه الحالة الكردية في سوريا نظيرتها العراقية؟ وما هو موقف المعارضة المسلحة و"جبهة النصرة" في ظل اعتبار جزء من الشارع المعارض أن الأمر بداية لتقسيم سوريا، بين دولة كردية وأخرى تابعة إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو ما يسعى أصحاب مشروع الإدارة الذاتية إلى طمأنة الجميع، بان الانفصال لن يحدث مهما كانت الظروف.
يؤكد أصحاب المشروع، أي "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي، أن الأمر جاء لتلبية احتياجات الناس المقيمين في هذه المناطق، بعد معاناة كبيرة السنة الماضية لجهة توفير الخدمات وإدارة المدن والبلدات التي لم يتردد "الجيش الحر" في التقدم نحوها، وخاصة "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر في الحزب الكردي ان الأمر ليس وليد اللحظة. ويقول إن "الحديث عن الإدارة الذاتية ليس بالأمر الجديد، فهذا المشروع دخل حيز التنفيذ منذ حوالى السنة، وطبق على أرض الواقع في العديد من المناطق الكردية. فمشروع الإدارة الذاتية يأخذ من مبدأ أخوة الشعوب أساساً له، بهدف "دمقرطة" المجتمع والوصول به إلى الاصطفاف السياسي والأخلاقي لأساليب الإدارة".
ويضيف المصدر: "نحن نعتقد أن الشرعية السياسية والجماهيرية ليست بالأمر الكافي لبناء العلاقة الصحيحة بين مؤسسات الإدارة والمجتمع، وعليه يجري الاتحاد الديموقراطي العديد من المباحثات والمشاورات مع الأحزاب الكردية والتنظيمات والقوى الوطنية الأخرى لإيجاد الهيكل القانوني الديموقراطي لنظام العلاقة من خلال تشكيل إدارة منتخبة من صلب المجتمع تتمثل فيها كل مكونات المنطقة من أكراد وعرب وسريان وأشور وتركمان وأرمن".
وعن الخطوات المقبلة، يشير المصدر إلى "أنه وبسبب الأوضاع المعيشية المأساوية والحرب والفوضى المدمرة، يجهد حزب الاتحاد الديموقراطي الآن لعرض مشروع الإدارة الموقتة على سائر القوى السياسية والاجتماعية والمنظمات الأهلية، والمدنية لتشكيل جسم إداري ديموقراطي قادر على إدارة شؤون المواطنين وحفظ السلم والأمان الأهليين في المناطق الكردية، حيث يتم البحث في المشروع والنقاش حوله من قبل العديد من الأطراف السياسية. وفي حال تمت الموافقة، وتم التوقيع عليه من قبل جميع الأطراف، سيعلن عن الاتفاق في مؤتمر صحافي، وسيتم تشكيل لجنة ممثلة لكل القوى السياسية والمجتمعية، بجميع أطيافها. وستكون مهمة هذه اللجنة صياغة دستور لإدارة محلية، ينظم قانونا لانتخابات تشريعية ديموقراطية، تجري خلال ستة أشهر من تاريخ الإعلان، ليتشكل بعدها مجلس يقاد من قبل الغالبية المنتخبة أو بالتوافق، ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي سلمي يضمن الانتقال الديموقراطي للسلطة في سوريا".
وتنص مسودة "العقد الاجتماعي"، التي أعدتها مجموعة خبراء مقربة من "مجلس شعب غرب كردستان"، على أن "سوريا دولة موحدة ذات سيادة، عاصمتها دمشق، بنظام برلماني تعددي واتحادي. أما غرب كردستان فهو جزء لا يتجزأ من سوريا جغرافيا وإداريا، عاصمته مدينة القامشلي، لتكون اللغة العربية والكردية لغتين رسميتين في المناطق ذات الإدارة الذاتية، وتشكل وحدات باسم وحدات حماية الشعب لحماية الحدود الدولية السورية ومكافحة (الإرهاب) ضمن مناطقها، وتخضع بدورها لإدارة مدنية، حيث يعتبر البرلمان أعلى سلطة في هذه المناطق، ومهمته منح الثقة للحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية، ومهمتها تنسيق العمل بين الإدارات الذاتية، حيث تضم 20 وزارة للداخلية والدفاع والمالية... الخ".
وبدا لافتا غياب وزارة الخارجية، وذلك وفقاً لمسودة أنجزها خبراء مقربون من "مجلس غرب كردستان" (المناطق الكردية في سوريا).
لا تنظر المعارضة المسلحة، بمختلف فصائلها المعتدلة والمتشددة، بعين الرضا إلى ما يجري في المناطق الكردية، حيث تتحدث الأنباء الواردة من هناك عن تقدم مقاتلي وحدات "الحماية الشعبية الكردية" وطرد مسلحي "جبهة النصرة" وتوقيف أمير "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على يد "لواء جبهة الأكراد" الذي رفض مبايعة أمير "الدولة الإسلامية"، وهو ما نفته مصادر المسلحين التي تقول إن مقاتلي "حزب الاتحاد الديموقراطي" انسحبوا من السويدية والرميلان ذات المواقع النفطية، ويتمركزون حالياً في رأس العين.
وأعلنت كتائب "الجيش الحر"، التي أطلقت النفير العام لمقاتليها، "معركة بركان الشرق" لتحرير محافظة الحسكة من سيطرة القوات السورية والقوى الكردية، ووضع حد لتجاوزات "الاتحاد الديموقراطي"، حيث يسيطر النظام على قلب مدينة الحسكة والقامشلي ومطارها، بالإضافة للفوج 154 والفوج 121 مدفعية، فيما يسيطر الأكراد على باقي المواقع.
وتحدثت مصادر في تل ابيض عند الحدود التركية عن اتفاق تم بين "الدولة الإسلامية" والمسلحين الأكراد، أطلق بموجبه سراح "أمير الدولة الإسلامية" أبي مصعب مقابل الإفراج عن مئات المدنيين المعتقلين لدى التنظيم الإسلامي، من دون أن يعني هذا الأمر موافقة باقي "الكتائب المسلحة" على الاتفاق، فهي تعتبر أن الأمر لن ينتهي من دون إنهاء المشروع الانفصالي للحزب، على حد تعبير "الكتائب المسلحة"، التي تواصل إرسال تعزيزات إلى الحسكة، فيما تصل بدورها تعزيزات من المقاتلين الأكراد، لمنع تمدد "الجيش الحر" إلى مواقعهم، ما يعني فتح جبهة جديدة، ربما تكون الأعنف هذه المرة.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد