وضع المرأة العربية من جيد إلى سيئ ونافذة الربيع فرصة أم نقمة؟
تسقط أنظمة ويأتي غيرها، وتهب رياح ربيعية وتفرض معاييرها، وتتغير قواعد اللعبة ويتغير معها اللاعبون، لكن تبقى الأبجديات والأساسيات واحدة غير خاضعة للمحاصصة أو التجاهل أو المواربة. ويأبى كثر الاعتراف بقواعد الكون ومسلّماتها، ويهدرون أعواماً وعقوداً في محاولة إقناع الشعوب بإمكان تغيير تلك القواعد، تارة بالتهويل وتارة أخرى بالتزوير، لكن أصحاب الحقوق المسلوبة والمظالم المسكوت عنها لن يصمتوا طويلاً، خصوصاً إن كانوا بناتاً ونساء.
مر نحو عقدين على التوافق التاريخي الذي شهدته القاهرة متمثلاً في خطة عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي أقر الصحة والحقوق الإنجابية والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، التي تعدّ حجر الزاوية في دول العالم، والسبيل الوحيد للقضاء على الفقر وتحقيق الاستقرار.
لكن «المؤتمر الإقليمي للسكان والتنمية في الدول العربية» الذي أنهى أعماله في القاهرة أخيراً، ألقى نظرة إلى ما تم تحقيقه عربياً طوال العقدين الماضيين، فتوصّل إلى أن العالم العربي أبعد ما يكون عن رفع شعار «ليس في الإمكان أبدع مما كان»، بل أن أغلب المراجعات تشير إلى أن الأبدع لم يأت بعد! ويكفي أنه بعد 20 سنة من التأكيد والاتفاق على حق المرأة في حياة كريمة ذات حقوق إنجابية وصحة موفورة ومساواة مع الرجال وتمكين اقتصادي واجتماعي وسياسي، ما زال البعض لا يرى في هذه الأبجديات إلا حريات جنسية مفتوحة، وهدماً للأسرة، وتفكيكاً للمجتمع، ونيلاً من الدين، وخرقاً للثقافة، وتهديداً للعادات والتقاليد.
لكن المؤتمر الذي عقد تحت عنوان «تحديات التنمية والتحوّلات السكانية في عالم عربي متغير» وجد أن ما تعانيه الدول العربية بعد عقدين لا يمت بصلة إلى الحريات الجنسية المفتوحة أو زواج المثليين أو هدم الأسر، ولكنه وثيق الصلة بتأمين حقوق المرأة البديهية.
أعراف اجتماعية
فالأعراف الاجـــــتماعية السائــــدة والحوادث السياسية التي تمرّ بها المنطقة، تمثل تحديات إضافية أمام حصول النساء والفتيات العربيات على حقوقهن. المستشارة الإقليمية لشؤون النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان في صندوق الأمم المتحدة للسكان انشراح أحمد حددت نقاطاً رئيسة اعتبرتها فارقة في حقوق المرأة العربية. فعلى رغم التقدم العام المحرز في حصول المرأة والفتاة العربية على خدمات صحية وتعليمية، فإن هذا التقدم ما زال في حاجة إلى أن يترجم أفعالاً تنعكس على مشاركة المرأة في السياسة والاقتصاد. وعلى رغم الجهود المبذولة والأحاديث الكثيرة عن تمكين المرأة العربية اقتصادياً وسياسياً، فإن عدداً محدوداً فقط من الدول، هي لبنان والمغرب واليمن، تشكل النساء أكثر من 25 في المئة من قوة العمل فيها. وتظل نسبة النساء العربيات في سوق العمل أقل بكثير عن مثيلتها في بقية أرجاء العالم، الأمر الذي يعرقل من فرص أسرهن في تحقيق قدر أكبر من الرفاهة. وليس غريباً أن تتبوأ المرأة العربية موقع الصدارة باعتبارها أقل نساء العالم مشاركة في العمل السياسي.
وعلى رغم الإصلاحات القانونية في دول عربية كثيرة، فإن فجوة كبيرة تفصل بين القانون والتطبيق على أرض الواقع. فأرض الواقع تسير عليها أعراف اجتماعية يميل الكثير منها إلى صورة نمطية للنساء والرجال وتوزيع غير عادل للأدوار بينهما، داخل الأسرة خارجها، بالإضافة إلى قبول مجتمعي للتفرقة بينهما وممارسة العنف ضد الإناث.
ويبدو أن رياح الربيع أكثر تأثيراً في النساء. فالبيئة السياسية العربية وما يعتريها من صراعات وكوارث قد تعرقل حصولهن على حقوقهن. وعلى رغم أن بعض الجهود التي تبذل من أجل تمكين النساء العربيات من حقوقهن تتعرض للعرقلة بفعل الأوضاع السياسية الحالية، فإن نافذة فرص قد تكون مفتوحة في سياق التغييرات الجذرية الحاصلة، لتطل منها النساء ويتمكنّ من اقتناص الفرص والحقوق.
غير أن الدول التي تعتريها صراعات وعنف تمثل عائقاً واضحاً أمام النساء والبنات حتى في الحقوق البديهية.
حق الأم في الحياة
ومن أكثر الحقوق بداهة، حماية حياة الأم أثناء الولادة، خصوصاً حين يكون ذلك ممكناً وسهلاً. أستاذة الصحة العامة في جامعة صنعاء الدكتور بثينة عتال وخبيرة السكان في صندوق الأمم المتحدة للسكان مها عدوي تشيران إلى أنه فيما بلغت نسبة انخفاض وفيات الأمهات أثناء الولادة 33 في المئة عالمياً، تبلغ النسبة عربياً 27 في المئة فقط. لكن نسب وفيات الأمهات أثناء الولادة تختلف عربياً اختلافاً كبيراً من دولة إلى أخرى، فبينما نجحت كل دول الخليج في بلوغ المعدلات المنشودة في هذا الشأن، ما زالت دول المشرق والمغرب تمضي قدماً من أجل تحقيق الهدف، أما الدول العربية الأقل تقدماً فأمامها مشوار طويل.
فقر وخصوبة
مشوار طويل آخر يجب على عدد من الدول العربية أن تقطعه إذا أرادت حياة كريمة وأكثر صحة لنسائها وبناتها. الدراسة المقارنة التي أجراها كل من الدكتورة هدى رشاد والدكتور حسن زكي، من «مركز الأبحاث الاجتماعية» في الجامعة الأميركية في القاهرة، على معدلات الخصوبة في مصر وسورية والأردن تشير إلى أن نسبة كبيرة من الولادات في الدول الثلاث تحدث، فيما يطلق عليه «سياق غير صحي للتكاثر»!
في مصر، تبلغ نسبة الولادات التي يفصل بين الواحدة والأخرى أقل من 24 شهراً نحو 18 في المئة، وترتفع النسبة إلى 33 في المئة في الأردن و35 في المئة في سورية. كما أن 14 في المئة من المواليد في مصر وسورية و9 في المئة في الأردن هم لأمهات دون سن العشرين أو فوق الأربعين.
والمحصلة النهائية هي أن غالبية الأسر ذات العدد الأكبر من المواليد فقيرة، فالنسبة الأكبر من النساء لا يتمتعن بالقدرة على اتخاذ قرار تقليل عدد المواليد عبر وسائل منع الحمل، ما يعني أن برامج تنظيم الأسرة تهدر فرص تقليل نسب الخصوبة، ومن ثم المواليد، وهي البرامج التي ينبغي تفعيلها بقدر أكبر وأكثر نجاحاً بين الشباب.
والشباب كان مربط فرس المؤتمر الإقليمي، ليس فقط لـ «الانتفاخة» الشبابية العربية التي تميز المنطقة العربية الفتية بحكم غلبة الشباب على التركيبة السكانية، ولكن لدور الشبان والشابات أنفسهم في المؤتمر وما بعد المؤتمر. وبحكم أن الربيع العربي كان في هبوبه الأولي شبابياً بامتياز، فإن هذا الدور المباشر يعني ضرورة حتمية للتركيز على شباب الدول العربية، وذلك بالاستثمار فيهم. ووفق إحدى المشاركات في المؤتمر، فإن الطريق إلى المواطنة والمشاركة لا تمر إلا عبر الشباب. غير أن الشباب العربي هو الأكثر معاناة من البطالة وضعف الخدمات الصحية في المنطقة وعلى مستوى العالم.
الأسرة العربية
ويسأل الحضور: «وهل هناك ما هو أسوأ من أن يؤثر هذا التقصير الصارخ في حق الشباب في تركيبة الأسرة العربية التي هي نواة المجتمع؟ خصوصاً على صعيد زواج البنات دون سن الثامنة عشرة، والذي لا يزال شائعاً في كثير من الدول العربية حيث ما زالت المجتمعات تعتبر تزويج البنت سترة لها ولعائلتها، علماً أن متوسط سن زواج الفتاة في العالم العربي ارتفع عموماً. وعلى رغم أن الدول العربية كلها تمنح قيمة مجتمعية عالية للزواج والحياة الأسرية، فإن هذه الأعراف تتغير لأسباب داخلية وخارجية عدة. وتتبلور هـذه التغيـرات في نـتـائـج عـدة، منـها زيادة نسب الطلاق بسرعة، خصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي، وتنامي ظاهرة الأسر التي تعيلها امرأة، خصوصاً في مصر والسودان واليمن حيث هناك أكثر من واحدة بين كل 10 أسر تعولها امرأة.
ويبدو أنه لا يجوز ذكر المرأة من دون الإشارة إلى العنف الممارس ضدها. وتقول الباحثة في شؤون المرأة والعنف ماري أنجيلا بيزاري إن أشكال العنف القائم على أساس النوع ترتكب في المنطقة العربية في أوقات السلم والنزاع والكوارث الطبيعية على حد سواء. وعلى رغم ذلك، من الصعب حساب انتشار أو حدوث العنف ضد المرأة والبنت العربية في أي بيئة، خصوصاً في الظروف الإنسانية الصعبة حيث انتشار الشعور بالعار ومعضلة الإبلاغ ومحدودية الخدمات.
الصورة الوردية
وعلى رغم أن الصورة لا تبدو وردية، وأن الرياح العاتية الآخذة في الهبوب على المنطقة برمتها والتي تجد في النساء والفتيات لقمة سائغة، وعلى رغم التغييرات السياسية الجذرية وتبدل قائمة أولويات الأنظمة الحاكمة التي تُسقط المرأة والطفلة خارج القائمة أحياناً، فإن المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان الدكتور باباتوندي أوشوتيمن يرى أن حياة النساء والبنات وحقهن في نيل حياة كريمة حق مستمر، لا يتغير بتغير نظام ولا يتبدل بتبدل الأولويات، ولا يختفي باختفاء أشخاص وظهور آخرين.
وفي ضوء مراجعات أداء الدول العربية بعد عقدين من مؤتمر القاهرة، يؤكد أوشوتيمن أن لا مجال لوضع خطة عمل ناجحة للمستقبل من دون أن تكون المرأة والمراهقون والمراهقات في بؤرة الاهتمام، وتعزيز القدرات الفردية ودعم طاقات الابداع. وهناك حاجة ماسة للعمل على الحد من الفقر، والاستثمار في الصحة الإنجابية للمواطنين والمواطنات في الدول العربية، مع احترام حق الإنجاب، مع ضمان الحصول على المعلومات والخدمات الشاملة في مجال الصحة الإنجابية، في إطار حقوق الإنسان والمساواة.
الخطة الجديدة للمنطقة العربية ستضع المرأة والبنت وكرامتهما الإنسانية نصب عينيها، وعلى الأفراد والمؤسسات والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والهيئات الأممية والشبان والشابات التعاون من أجل تحقيق كرامة المرأة التي هي كرامة المجتمع، ومن ثم تنميته ورفعته، والعكس صحيح!
يذكر أن نتائج المؤتمر، الذي نظمه صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع جامعة الدول العربية ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، ستكون نواة لإعداد التقرير الدولي للسكان والتنمية للمنطقة العربية لما بعد عام 2014.
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد