بدانة الأطفال في مؤتمر عالمي
استضافت مدينة سيدني الاسترالية أخيراً، أعمال «المؤتمر العالمي العاشر حول البدانة»، الذي يعقد مرة كل اربع سنوات كان آخرها في مدينة «ساو باولو» في البرازيل عام 2002. وشارك في المؤتمر الاسترالي قرابة الفي مندوب من مختلف دول العالم. ورفع المؤتمر شعار «نحو مراجعة نقدية شاملة للسياسات الغذائية الغربية»، ما ترجم في تشديد المؤتمر على التعامل مع ظاهرة البدانة انطلاقاً من أثرها في صحة الانسان، وبالنظر الى تداخلها مع مجموعة من الامراض والازمات الجسدية والنفسية والاجتماعية. كما شدد المؤتمر على أهمية ارساء نظام غذائي صحي عالمياً.
وناقش المؤتمر أعمال ما يزيد على 370 خبيراً دولياً شددوا على عدم الاستهانة بمخاطر البدانة المفرطة، التي تحمل من المخاطر ما يزيد على اعتبارها مجرد وزن زائد او مظهر من مظاهر الرخاء الاجتماعي.
وذهب بعض الخبراء إلى حدّ وصف البدانة بمصطلحات قوية مثل «وباء العصر» و «الفيروس العابر للقارات» و «الايدز» و «انفلونزا الطيور» و»الاحتباس الحراري» وغيرها.
وفي كلمته الافتتاحية، أشار الاستاذ بول زيمت، من جامعة «موناش» الاسترالية والمسؤول عن تنظيم المؤتمر، إلى أن وباء البدانة ناجم اساساً عن سياسة غذائية خاطئة ومخادعة تهدد العالم راهناً اكثر من اي وقت مضى. ولفت إلى ان البلاد الغربية هي الأكثر تعرضاً لزيادة الوزن المُفرط: «ليس نتيجة لغناها ولا لرفاهية ابنائها، وانما بسبب سوء السياسات الغذائية الرسمية»، بحسب كلماته. وحذر من انتشار عدوى المفاهيم الخاطئة عن البدانة في البلدان النامية. وتضمن تقرير لـ «منظمة الصحة العالمية» مقارنة بالغة الدلالة مفادها ان عدد البدناء في العالم يصل الى نحو بليون شخص، ما يفوق عدد الذين يشكون من سوء التغذية (نحو 800 مليون)!
وأجمع الخبراء في المؤتمر على ان تنامي ظاهرة البدانة عالمياً يرجع أساساً الى النظام الغذائي السائد في معظم الدول الغربية. واشار البريطاني فيليب جايمس، رئيس «الفريق العالمي لمكافحة البدانة» والمستشار السابق لرئيس الحكومة البريطانية توني بلير، الى ضرورة تقويم نوعي وجريء للسياسات الغذائية الفاشلة السائدة راهناً.
وقال: «ينبغي ان نركز على دراسة كل العناصر التي تتألف منها الشبكة الغذائية راهناً، لانها باتت متخمة بكميات هائلة من الزيوت والشحوم والسكر تتسبب في ازمات صحية، ومن ضمنها ظاهرة البدانة العابرة للقارات». ونوه جيمس بمبادرات بعض الدول التي تكافح البدانة مثل الدنمارك التي منعت استعمال الدهنيات في الأطعمة الجاهزة واعتبرتها مسبباً رئيسياً لمجموعة من الأمراض. وكذلك أشار الى ان الولايات المتحدة الاميركية ارغمت هذا العام مؤسسات «ماكدونالدز»، احدى عمالقة الاطعمة السريعة «فاست فود»، على دفع غرامة مالية مقدارها 8 ملايين دولار عقاباً على عدم تقيدها بازالة النسبة الفائضة من الدهون السيئة في ما تنتجه من أطعمة. وفي رأي جايمس: «اننا لا نتعامل مع مشكلة علمية او طبية وحسب، وانما مع قضية اقتصادية هائلة ستخلف آثاراً سيئة في مجمل الانظمة الصحية في العالم.»
تشير احصاءات «منظمة الصحة العالمية» إلى ان اكثر من بليون شخص يشكون من الوزن الزائد، ويعاني 300 مليون منهم داء السمنة. كما تُشير الى العلاقة بين البدانة المُفرطة وعدد من الامراض المزمنة مثل السكري وتصلّب الشرايين وضيق التنفس وامراض القلب، فضلاً عما تخلفه من حالات نفسية واجتماعية قد تكون باعثاً للإحباط والانطواء والشدّة النفسية، وصولاً إلى الانتحار في حالات نادرة. والمعلوم ان الاعراض النفسية والاجتماعية للبدانة أكثر شيوعاً بين النساء. وفي هذا الصدد، أشارت دراسة من إحدى الجامعات الاسترالية، شملت 7800 امرأة، إلى ان البدانة لعبت دوراً في الحدّ من الطموحات المهنية لنسبة كبيرة من النساء، وأعاقتهن عن متابعة اعمالهن اليومية، وحالت دون ممارستهن علاقات اجتماعية وجنسية. وتناولت دراسة بريطانية جانباً أشد خطورة في هذه الظاهرة، وهو انتشار الوزن الزائد ومظاهر البدانة المفرطة بين الاطفال، ما يترافق مع عدد كبير من المخاطر الصحية التي تهددهم في طفولتهم كما في مراحل لاحقة من العمر. ولاحظ اندراو هيل، أحد واضعي الدراسة، ان الوزن الزائد لدى الاطفال، لا سيما البنات منهم، يشكل مأزقاً كبيراً في حياتهم، ويؤثر سلباً في نفوسهم ويعرضهم لمشكلات سيكولوجية عدّة. وشدّد هيل على أن الطفل يدرك في سن مبكرة أهمية جسمه، ويتحسس مواطن التشوه والجمال فيه.
ومن الاقتراحات التي ألحّ خبراء المؤتمر على ضرورة متابعتها: تشدد الحكومات في مراقبة الاعلانات التلفزيونية التي «تقصف» الاطفال بمعدل يتراوح بين 20 و 50 ساعة اسبوعياً وتستغل سذاجتهم وتعمد إلى اجتذابهم بشتى الاغراءات الدعائية؛ وفرض تدابير صارمة على مصانع أغذية الاطفال وتحذيرها من التلاعب بكميات السكر والزيوت المسموح بها طبياً ومضاعفة الغرامات بحق المخالفين واحالتهم على القضاء. كما شدد الخبراء على دور المدارس والاهل في ارشاد الأطفال والمراهقين إلى نظام غذائي وصحي متوازن، خصوصاً مع انتشار مظاهر الترفيه «السلبي» حركياً في تلك الأعمار، المُتمثّل في التلفزيون والانترنت وألعاب الفيديو؛ وبالتالي حض هؤلاء اليافعين على الحركة وممارسة التمارين الرياضية، إضافة الى مراقبة ما يقدم اليهم من أطعمة.
وتقدمت «المجلة الدولية لسمنة الاطفال» بورقة خاصة عن الشرق الاوسط. فحذرت أيضاً من تنامي ظاهرة البدانة في صفوف أطفال هذه المنطقة. كما توقعت تضاعف ظاهرة البدانة المفرطة في بعض بلدان تلك المنطقة بحلول عام 2010، وخصوصاً في مصر التي يشارف معدل السمنة فيها على الوصول الى ما هو سائد في الدول الغربية. كما نبهت الى انتشار البدانة المفرطة بين الاطفال في عدد من دول الخليج العربي حيث تصل نسبتها الى نحو 6.13 في المئة.
علي حويلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد