شعر «العدو»

12-05-2012

شعر «العدو»

«ليس من حق العدو أن يكتب الشعر». هكذا تبدو القضية التي تثير هذه الأيام بعض الأوساط الثقافية البريطانية، بعد اعتراض أحد قادة الجيش الانكليزي شارك في الحرب على أفغانستان على دار نشر بريطانية تريد أن تصدر كتابا يضم قصائد لأفغان يتحدثون فيها عن الحرب، من وجهة نظرهم هُم، لا من وجهة نظر الانكليز.
القضية التي يُشير إليها بيير أسولين على مدونته الالكترونية، تبدو قضية جديدة بالنسبة إلى عالم النشر هناك، إذ لم يسبق أن طالب «الجيش» أو أي عسكري، بمنع كتاب من قبل، وبخاصة إذا كان كتابا شعريا يُعرف باسم «شعر الحرب».
فلو عدنا إلى تاريخ الشعر البريطاني، لوجدنا أن هناك بابا أدبيا حقيقيا لهذا النوع من الشعر. فبلاد شكسبير، لا تزال لغاية اليوم، تصدر دواوين تتعلق بهذا النوع الشعري، وما من «حرب» شاركت فيها قوات أصحاب الجلالة (المتعاقبين)، منذ العصور الماضية ولغاية اليوم، إلا وجدت صداها في الكلمة الشعرية، التي لا تزال تفتن القراء عندهم. هكذا مثلا نجد قصائد عن العراق، عن الحرب مع ايرلندا، عن حرب الفوكلاند، من دون أن ننسى بالطبع عما كتب عن الحربين العالميتين وما سبق من حروب هي جزء من تاريخ بريطانيا (أصلا أليست العديد من مسرحيات شكسبير الشعرية هي كتابات عن الحروب التاريخية الماضية؟)...أي ما من مناسبة «عسكرية»، إلا ولها انعكاسها الشعري في الواقع، بمعنى كتابة الشعر.
بيد أن القائد ريتشارد كمب، لم يعجبه أن تُقدم دار «هيرست» على نشر كتاب «شعر من طالبان» وعلى ما كتب الناشر على الغلاف من أن قصائدهم «تظهر لنا إنهم بشر مثلنا» (لسنا بحاجة فعلا لأن نشير إلى هذه العنصرية الطافحة في هذه الجملة)، ليتوجه بالقول إلى الناشر «إنكم تعطون حق الكلام للإرهابيين كي ينشروا دعايتهم، للفاشيين الذين يقتلون جنودنا ويغتالون من يخالفهم بالرأي. لماذا نقوم بالدعاية للعدو؟».
جدل بدأ يأخذ منحى سياسيا، لم يكن موجود أصلا. إذ كان من المفترض أن يأتي الديوان ككتاب شعري، ينقل عبارات جنود طالبان، وبعيدا عن أي مفهوم إيديولوجي، ليتحول إلى نقاش اشترك فيه العديد من قادة الجيش، ولا بدّ من أن ينتقل إلى الحكومة ومجلس الشيوخ...
عينة واضحة، لا تحتاج إلى نقاش، حول «الديموقراطية» الغربية وبعيدا عن خلافنا الفكري الذي يبعدنا عن طالبان: ليس فقط تأتي الجيوش لتحتل بلادا، وليس فقط تسرق ثروتها، بل أيضا، يبدو أنه من «الممنوع» عليها حتى أن تكتب الشعر. ولنبقَ في الشعر: هل فعلا يعرف القادة هناك «إرهاب» الشعر الأفغاني وشعر الباشتون؟
يكفي أن نتذكر هذه القصائد الصغيرة (اللاندي) التي تنتمي إلى شعر نساء الباشتون لنعرف... لنعرف حقا كم من السنين علينا إدراكها لنصل إلى جمالية الشعر الأفغاني.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...