التجسس على الجواسيس

10-04-2012

التجسس على الجواسيس

أدين العالم اللامع "ستيوارت نوزيت"، الذي كان لعمله دور فعّال في تطوير البرنامج الفضائي الأميركي، بجرم محاولة التعامل لحساب إسرائيل العام الماضي، أما هذا الشهر فقد حكم عليه بالسجن 13 عاماً وبدفع غرامة مالية كبيرة. وخلال التحقيق في طلبه مبالغ مرتفعة جداً من الدولة لقاء خدمات متنوّعة من خدماته التى لا تتوخّى الربح، وجدت بحوزة "نوزيت" وثائق مصنّفة. وفي سياق جمع المعلومات وجد عملاء مكتب التحقيق الفدرالي (أف.بي.آي) أنّه كان قد كتب إيميلاً يهدّد فيه بتسليم الإسرائيليين معلومات مصنّفة إذا ما استمرّت الحكومة في موقفها المخادع.وقد عمد القضاة في قرارهم الإتهامي إلى تبرئة الحكومة الإسرائيلة من أي خطأ، ذلك أن العملاء قد اصطادوا فريستهم في عمليّة غادرة. وقد تقرّب أحد عملاء المكتب الفدرالي من "نوزيت" زاعماً أنّه عميل لدى الموساد، ومن ثمّ طلب منه تسليمه الوثائق المصنّفة لقاء مبلغ من المال. وكما جاء في القرار الإتّهامي الصادر عن القضاة، فإنه: "لا يدّعي على الحكومة الإسرائيلية أو على أي من العاملين لحسابها لارتكابهم أي جرم تحت غطاء القوانين الأميركية في هذه القضيّة".
وبالمقابل، فإن "نوزيت" وبين عامي 1989 و 2009، أي الفترة التي كان يحمل فيها تصريحاً أمنيّاً من فئة "كيو"، كان قد عمل كمستشار لشركة "الصناعات الفضائية الإسرائيلية"، وهي شركة مموّلة من الحكومة الإسرائيلية وترتبط بعلاقات وثيقة مع المخابرات الإسرائيلية الأمر الذي سمح له بالوصول إلى أسرارنا الأكثر حظراً. وتجدر الإشارة إلى أنّه عندما عرض عميل (أف.بي.آي) المتظاهر بأنّه عميل استخبارات إسرائيلية على "نوزيت" العمل لحساب الموساد، أجاب عالم الفضاء الماكر قائلاً: "أظنّ أنني كنت أعمل لديكم أصلاً". وأضاف أنّه قد سلّم الإسرائيليين في الماضي ملفّات استخباراتيّة حسّاسة.وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن فكرة تجسّس الإسرائيليين في الولايات المتّحدة ليست مستساغة لتتحدّث عنها الحكومة ووسائل الإعلام، ولكن قد صدر عن مكتب الإدارة العامة أنّ "الإسرائيليين يديرون العملية التجسسية الأكثر عدائية ضدّ الولايات المتحدة قياساً بالحلفاء الأميركيين الآخرين"، وأنّ "الأهداف الأهم بالنسبة لوكالات الإستخبارات في الولايات المتحدة هي تلك المتعلّقة بالمعلومات العسكرية المصنّفة وبالتكنولوجيا العسكرية الحسّاسة".
وفي الإطار نفسه، نشرت مجلّة "وايرد" مؤخراً تقريراً جاء فيه أن الشركات الإسرائيلية تشكّل رابطاً ذا أهمية ضمن أكبر الأجهزة التجسسية السريّة ذات التقنية المتطورة الأمر الذي يبعث على الدهشة، وتجدر الإشارة إلى أنّ اسمها الرمزي هو "ستيلار ويند". وفي سياق متّصل، يوضح الخبير في الشؤون الإستخباراتية "جايمس بامفورد" التالي:"بالإضافة إلى إنشاء مركز "ستيلار ويند"، ومن ثم البدء بإدارة العمليات، تمّ استخدام عدد من المتعاقدين السرّيين المشكوك بماضيهم مع قليل من الرقابة لتنفيذ عمليّات التنصّت على شبكة الإتصالات الأميركية بأكملها. وبحسب موظف سابق في شركة إتصالات "فيريزون" ومطّلع على البرنامج، فإن شركة "فيرينت" التي تملكها شركة "كومفيرس تكنولوجي" تتنصت على خطوط الإتصالات في شركة "فيريزون"، وقد ذكرت ذلك بادئ الأمر في كتابي "مصنع الظّلّ" الصادر عام 2008. وعلى إثر ذلك لم تجر شركة "فيرينت" أي اتصال تعلّق فيه على الموضوع، أما شركة "فيريزون" فقالت إنها لا تعلّق أصلاً على أمور كهذه".
وأضاف "بامفورد" قائلاً:"أما في شركة "آت أند تي"، فإن شركة "ناروس" هي التي تشغّل غرف التنصّت على المكالمات الهاتفية وتجهّزها بالبرامج والمعدّات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشركة الأخيرة هي من أملاك شركة "بوينغ". أما الفضل في اكتشاف هذه المعلومة عام 2004 فيعود إلى "مارك كلاين" المبلّغ عن المخالفات. ولم تعلّق شركة "ناروس" على تلك الرواية. وممّا يدعو للقلق حيال هاتين الشركتين هو أنهما كانتا تتميّزان بعلاقات واسعة النطاق مع إسرائيل بالإضافة إلى علاقات مع أجهزة الإستخبارات هناك، في ذلك البلد المعروف بتاريخه العدائي الطويل في التجسس على الولايات المتحدة".
أهو جنون العظمة؟ أم متلازمة الخبل المناهض لإسرائيل؟ على أيّ حال، تبقى إسرائيل أحد أقرب حلفائنا الأربعة، أليس كذلك؟ فلم يتوجّب علينا الحذر عند الإستعانة بمصادر خارجية لجمع المعلومات الإستخباراتية لهم؟ إلا أنّ الأمر، وبحسب تفسير "بامفورد"، ليس جنون عظمة أبداً، فهو يقول:"في الحقيقة، وبحسب المسؤول السابق في وكالة الأمن الوطني "بيل بيني"، فإن البرنامج التحليلي المتطور لاستخراج البيانات الذي طوّرته الوكالة نفسها لعمليّات التنصّت عالميّاً ودوليّاً قد تم تمريره سرّيّاً إلى إسرائيل عبر موظّف متوسط الرتبة، وعلى ما يبدو فإن لهذا الموظف ارتباطات وثيقة مع إسرائيل. ويقول "بيني" عن هذا الموظّف الذي يعمل مديراً تقنيّاً في مديرية العمليّات، إنّه "كان مؤيّداً ثابتاً لإسرائيل، وقد سلّم البرنامج الذي كان بحوزتنا للإسرائيليين سريعاً ومن دون إعطائنا أي خبر حول ذلك".ولم تتمّ مقاضاة هذا الموظف أو حتى الإعلان عن الحادثة: فلماذا يحدث ذلك؟ وإذا قام أي موظّف رفيع في وكالة الأمن الوطني بتسليم برامج تكنولوجية دقيقة إلى حكومة أجنبية، ألا يعدّ ذلك جرماً؟ أو حتى يذاع خبره؟ ولكن الحادثة تعدّ الأولى من نوعها.وبحسب "بامفورد"، فإن "بيني" يشتبه بأنّ "أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية قد سلّمت بدورها تلك التكنولوجيا إلى الشركات الإسرائيلية العاملة في مختلف دول العالم ومنها في الولايات المتحدة. وبالمقابل، تصبح هذه الشركات امتداداً لأجهزة الإستخبارات الإسرائيلية فتسلّمها بالتالي معلومات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية ذات أهميّة كبرى". ويضيف "بيني" قائلاً: "وبعد خمس سنوات، ثمّ بعد أربع أو خمس سنوات أخر، سترون جهاز "ناروس". أعتقد أنّه ثمّة من رابط، ولكننا لسنا متأكدين".أليس كذلك؟ كلّ شيء مباح في الحب والحرب والتجسس، إلّا أن ذلك ليس إلا حرباً سريّةً.
وعندما نفرّغ الصناديق الموجودة في عدد من الصناديق الأخرى الآتية من الشركات الإسرائيلية الرائدة، نجد جنوداً من وحدة المشاة في الجيش الإسرائيلي السري داخل حصان طروادة إلكتروني. وقد كان لدى شركة "ناروس" الإسرائيلية التي تتباهى بقدراتها التجسسية التي لا يعلى عليها، علاقات عمل مع أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، وذلك بحسب مؤسسها ورئيسها السابق "أوري كوهين". وقد عمل أحد المؤسسين الآخرين في الشركة نفسها، وهو رئيس القسم التكنولوجي فيها واسمه "ستانيسلاف كيرمان"، لصالح شركة الصناعات الفضائية الإسرائيلية التي يعتقد "نوزيت" أنها كانت جبهة للموساد.أما "فيرينت"، الذي كان سابقاً "كومفيرس إنفوسيس"، فهو اسم مألوف للقرّاء المتابعين لهذه المقالات. وبالعودة إلى العام 2001، نجد أن "كارل كاميرون" من قناة "فوكس نيوز" الإخبارية قد نقل أن عدداً من العملاء الإسرائيليين في الولايات المتحدة كانوا يطاردون محمّد عطا وفريقه الإرهابي قبل هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وربّما قد أعلموا بالحدث قبل وقوعه. وفي أحد الأجزاء التي تمّ تجاهلها عمداً ضمن السلسلة المؤلفة من أربعة أجزاء، تتّضح بالتفصيل العلاقات الحميمة بين الحكومة الإسرائيلية وبين الشركة التي حصلت على الحق الحصري في العمل على الجوانب التقنية من عملياتنا التجسسية، والشركة هي "كومفيرس إمفوسيس" المعروفة حالياً باسم "فيرينت".
وتصنّع شركة "فيرينت" أجهزة كومبيوتر متخصصة وبرامج مصمّمة لمقاطعة الدوائر والمفاتيح التي تشكّل نظام الهواتف الأميركي بهدف الإستيلاء على المحادثات المخترقة وحفظها وتسجيلها، ومن ثم إرسالها تلقائياً إلى عملاء الدولة. وبالمقابل، فإن المشكلة هي أن منتجي هذه الأداة القيّمة يكونون على اطّلاع دائم على أجهزة الكومبيوتر والمعلومات التي تحتويها بذريعة "الصيانة". ويعود ذلك إلى ما يعتبره الكثيرون "باباً خلفيّاً" مفتوحاً على مصراعيه من الناحية القانونية. والمقصود فعلياً هو أن النظام بأكمله قد تمّ اختراقه، وذلك بحسب ما أكّدته رسالة من 15 مسؤولاً عن تطبيق القانون إلى المدّعي العام آنذاك "جون آشكروفت". وقد ختم "كاميرون" تقريره بالتالي:"إن أكثر ما يربك المحقّقين في تحقيقاتهم حول الهجمة الإرهابية على مركز التجارة العالمي، وخصوصاً في نيويورك، هو أن المشتبه بهم الذين بحثوا عنهم في عدد من القضايا للتجسس عليهم ولإحصائهم قد غيّروا وسائل إتصالاتهم السلكية واللاسلكية مباشرةً. وقد تغيّرت تصرّفاتهم تماماً بعد أن بدأت عمليات التنصّت السرية المزعومة".ولم تتراجع قناة "فوكس نيوز" عن هذه الرواية التي بثّتها في النصف الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2001. وبالرغم من أن الدخان في سماء "مانهاتن" كان بالكاد ينقشع، إلّا أنّ القيّمين على موقع "فوكس نيوز" على الإنترنت قد سحبوا التقرير بعد ثلاثة أيام على نشره. أما بعض الصحافيين الصادقين فقد تتبّعوا القصّة، إلا أنها سرعان ما تلاشت على موقع "ميموري هول" ولم يتكلّم أحد عنها منذ ذلك الحين. وحتى الآن، عندما ترتفع إحدى مجسّات الأخطبوط إلى سطح الماء تعود لتغرق في حمّى المستنقع بسبب عدم اكتراث وسائل الإعلام بشكل أساسي، فضلاً عن التواطؤ الرسمي.
وتجدر الإشارة إلى أن تداعيات هذه القصّة تعدّ مواضيع ساخنة جدّاً وبالتالي فإن وسائل الإعلام الرئيسية تتلافى التعامل معها، ومن هذه التداعيات تفشّي إختراقات أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية لشبكات الإتصالات الأميركية الآمنة، كما ويمكن ربط ذلك أيضاً بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية. وفعليّاً، فإن نقل الأخبار حول مواضيع كمحاكمة "نوزيت" نادرة إلى درجة أنها غير موجودة: فنحن لم نسمع عن عالم الفضاء المنافق إلا خلال مناسبتين وهما عند إعتقاله وعند إصدار الحكم بحقّه.وعطفاً على معظم هذه القصص، اختلف القضاة حول تورّط الحكومة الإسرائيلية في ذلك. فارتباط "نوزيت" الطويل العهد بإحدى "الشركات"، وهي الشركة الإسرائيلية للصناعات الفضائية، ومن معظم الجوانب العملية التي تشكّل مساعدة للحكومة الإسرائيلية، لم يكن ذا أهميّة بخصوص هذا الإدعاء كما هي الحال بالنسبة لمفاجأة "نوزيت" كونه قد تمّ تجنيده من قبل الموساد بشكل مزدوج. ويتضح ذلك في قوله: "أظنّ أنني كنت أعمل لحسابكم في الأصل"!لماذا لا تقوم الحكومة بمقاضاة جميع الذين سلّموا الإسرائيليين برامج خاصّة بوكالة الأمن الوطني؟ ولماذا ترفض واشنطن جميع الأسئلة المتعلّقة بالعمليات الإسرائيلية السرية الواسعة النطاق في الولايات المتحدة، وتتحاشاها أيضاً؟وعندما أصبح الأمر في دائرة الضوء، أصدر مكتب التحقيق الفدرالي مذكّرة توجيه للمكاتب المحليّة تقضي بمراقبة موقع (Antiwar.com) وموظّفيه. فقد كانت قضية ارتباط إسرائيل بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر السبب الذي جعلنا تحت أنظارهم وتسبّب بغضبهم الشديد. وفي حين لا زلنا مستمرّين في الإجراءات القانونية المطوّلة والمعقّدة فقط لاكتشاف المدى الذي وصلت إليه تلك المراقبة، فإن ما اتّضح كان الحساسية الغريبة التي تصاب بها السلطة كلّما أثير الموضوع مجدداً. فيصبح الأمر وكأن أحداً قد حفر الجرح القديم، أو عرّضهم لصدمة كهربائية: وبالتالي يكون ردّ الفعل تلقائياً وتوكيدياً.
فلماذا هم خائفون إلى هذا الحد؟لا، إنها ليست قوة تبجّح اللوبي الإسرائيلي، أو على الأقل، لن تكون السبب الوحيد. وبالرغم من ذلك، فإن ما نتحدّث عنه هو "باب خلفي" إسرائيلي يؤدي إلى معلوماتنا الحكومية الأكثر خطورة، واختراق كامل يضع أمن البلاد في خطر مميت، كما ويهدّد الخصوصية والحريات المدنية. وفي بريطانيا، يتم العمل على اقتراح قانون يسمح بالتطفّل على جميع وسائل الإتصالات لحظة بلحظة، الأمر الذي يصل الحكومة بجميع المحادثات الهاتفية لجميع الأفراد، بالإضافة إلى حساباتهم في البريد الإلكتروني، وعادات تصفّحهم شبكة الإنترنت. ونحن نمتلك الوسائل التكنولوجية للقيام بذلك، ولا شكّ أننا في سياق تنفيذه فعليّاً: فهذا يلخّص عملية مركز "ستيلار ويند" بمجملها.فإذا كان الإسرائيليون قد اخترقوا نظام المراقبة الشاملة هذا عبر "باب خلفي" إلكتروني، فإن ذلك يعني أن الإسرائيليين قد مرروا معلومات شخصية واستخدموها لتشويه سمعة أعدائهم البارزين في الولايات المتحدة. فهل سيكون الخوف من الإبتزاز هو الجزء الكبير في ترجمة مسألة جواز المرور المجاني الممنوح للأنشطة الإسرائيلية السريّة؟حسناً، ألست خصماً ثرثاراً يناهض السياسة الإسرائيلية في فلسطين؟ إسمع يا صديقي، لدينا ملفّ دسم عنك! فمن الأفضل أن تخرس... ماذا ستقول زوجتك إذا رأت ذلك الإيميل الذي أرسلته الليلة الماضية مرفقاً بهذا الملف المثير؟إن الوظيفة المزعومة للحكومة هي حمايتنا من أولئك الغزاة الأجانب، أولئك الأشرار الغرباء الذين يريدون إيذاءنا. وفي هذا السياق، فإن الحكومة لم تفشل فقط، وإنما نراها تتملّص من تأدية يمينها الدستوري. ربّما ستكون هذه القصّة الأضخم منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، فهي تحاكي سبب صمت الإعلام التقليدي ومثيله الإلكتروني. فالمجد لمجلّة "وايرد" لنشرها جانباً من أحداث القصة المستمرّة. فهل سيمرّ الكثير من الوقت قبل أن يصدر بحقّهم الإتهام الغامض بأنهم ينشرون "نظريات المؤامرة" الخبيثة؟ سجّلوا رهاناتكم في خانة التعليقات.

كتب: جاستين رايموندو4 نيسان 2012- المقالة نشرت أساساً على موقع  Antiwar.com

ترجمة: زينب عبدالله- موقع المنار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...