رسالة إلى السفير الأميركي في دمشق .. إنه دم ابنتي
السيد روبرت فورد المحترم:
بعيداً عن الدبلوماسية والبروتوكولات وما تقتضيه علاقات الدول السياسية، فأنا أمثل برسالتي كائن بشري أعتقد أن له الحرية ليعبر عما اختلجه من مشاعر وهو يقف أمام ابنته التي غطت الدماء جسدها نتيجة طلق ناري أصاب رأسها، وهذا الطلق خرج من بندقية من صناعة بلدك واستخدمها مأجور لكم، فحق لي ان أخاطبكم على اعتباركم إنكم السبب والمسبب، وصدركم رحب لقراءة مشاعر أب لا يملك أمام هذا الموقف سوى مشاعر إنسانية وفكر وورقه وقلم يعبر من خلالهما عما يجول بخاطره، محترماً الديمقراطية التي تسعون لنشرها عن طريق القتل.
ما أصابني أصاب معظم السوريين، فالجميع إخواني وأهلي وأحبائي، وما يؤلمهم يؤلمني، وما شعروا به وتعايشوا معه عشته حين حاول أحد حثالتكم أن يقتل ابنتي ببندقية وطلقة من صنع بلدكم.
سيد فورد:
سأتخلى عن أخلاقياتي وإنسانيتي للحظات ريثما أكتب لك ولإدارتك ما يختلج بداخلي. فمخاطبة من يبذلون الجهود ويدفعون الأموال لتذكية نار الفتنه والقتل يستدعي مني ككائن بشري يعتز بإنسانيته أن يتخلى عن الأخلاق الإنسانية ليصبح في مستوى من يخاطب.
فالقاتل كائن لا أخلاقي ولا يمت للإنسانية بصلة، وينسحب ذلك على من يستغله ويتبناه ليدفع حامليه للقيام بعملية القتل، فالقاتل ومن يقف وراءه أعتبرهم كائنات لا أخلاقية.
لقد حاول أحد مأجوريكم قتل ابنتي التي أصيبت برأسها وأسعفتها والدتها إلى المشفى، أطلب منك يا سيد روبرت أن تخبر زوجتك عن هذا الموقف، وهل تملك الإمكانية لتسعف ابنتها فيما إذا أصابها ما أصاب ابنتي؟، وتسألها ما هو موقفها من الدولة التي صنعت أداة القتل التي استخدمت محاولة قتل ابنتها؟.
سيد فورد:
ابنتي طالبة جامعية تدرس الطب في سنتها الخامسة، وهذا يكفي ليؤكد لك ولإدارتك على مدى إنسانيتها لاختيارها مهنة نذرت نفسها من خلالها لخدمة الإنسانية التي تفتقرون الشعور بها على اعتبار أنكم كائنات نشأت على القتل ودعم القتل، وهذا ما يؤكد لنا أنكم لا تتعدوا كونكم كائنات لا تمت للبشرية بصلة.
يا سيد فورد:
عندما وضعت يدي على رأس ابنتي وشعرت بدفء الدماء التي تتدفق من رأسها وقد غطت وجهها، حينها تذكرت تاريخكم الحافل بالمجازر، بدأ بصبرا وشاتيلا مروراً بأطفال غزة وقانا وانتهاء بمجازركم في العراق.
هذه الدماء نقلتني إلى حوار فكري مقارن بين فكركم وأخلاقياتكم وفكر وأخلاقيات ابنتي.
يا سيد فورد:
ابنتي تؤمن بأن العلم يسترعري العقل، وأنتم تؤمنون أن العلم وسيلة لتعرية العقل الداعي إلى القتل واستخدامه في صناعة أدوات القتل.
بينما ابنتي تستخدم عقلها لخدمة الإنسانية واختيارها لمهنة الطب يثبت ذلك. بينما اختياركم لقاتل مأجور يعمل على استئصال الإنسانية يثبت عري العقل لديكم.
ابنتي تفكر ببلدها على أنه يزرع القمح ليطعم البشرية، وأنتم تفكرون في بلادكم عن الكيفية والآلية التي تصنعون بها السلاح وترسمون السياسات لقتل البشرية.
ابنتي تفكر في غزة، وكيف تزرع الورود التي تصدرها لمعظم دول العالم، بينما أنتم تصدرون أدوات القتل لشعب يملك تاريخ عريق في بناء الإنسان والإنسانية.
يا سيد فورد:
دماء ابنتي التي مولتم و أعطيتم الموافقة لهدرها، استخدمته من خلال آلامها لتكتب لك ولي ولإدارتكم كلمات عميقة علكم تفهمونها، قالت لي لا تحزن يا والدي لعل هذه الدماء التي أنزفها تحقق الأمن والآمان لبلدي، وتكون درساً لمن يصنع الفتن ويسوق الديمقراطية القائمة على القتل ليعتبر منها.
وأرجوك أن تخبر السفير الأميركي أن من يحاول دخول كنائسنا عليه أولاً أن يعترف أننا بشر، حتى يملك الأخلاقيات الإنسانية التي تسمح له بدخول هيكل الله.
للأسف يا سيد فورد هكذا جعلتم من جيل سورية المتعلم ينظر إليكم، فقبل أن تقنعونا بديمقراطيتكم عليكم إقناعنا بأنكم بشر يتعاملون مع البشر بإطار ما تفرضه الأخلاقيات الإنسانية.
يا سيد فورد سأخبرك ما قالته لي ابنتي عندما دار حوار بيني وبينها يتناول تقييم احتلالكم للعراق من خلال مقارنة بين فتح العرب للأندلس واحتلالكم للعراق.
قالت لي: الأمريكان نهبوا العراق بينما العرب في الأندلس أنشؤا صناعة الزجاج والأصبغه وزرعوا الحدائق، الأمريكان دمروا البيوت والأوابد الأثرية في العراق، بينما العرب بنوا القصور وعلموا الأندلسيين فن العمارة، ولا تزال قصورهم التاريخية تشهد لهم.
الأمريكان نشروا المرض وعلموا الناس القتل في العراق، بينما العرب علموا الأندلسيين الطب والهندسة والرياضيات والفيزياء وما تتضمنه مكتبات الأندلس شاهد على ذلك.
وأيضا فجامعات بلادكم تعتمد في تعليم مواطنيكم على نظريات العرب وقوانينهم العلمية التي أنتجها فكرهم فوصلتم إلى الحضارة التي تتغنون بها، بينما أنتم الأمريكان لم تستفيد من فكركم مجتمعاتنا العربية سوى القتل والإبادة.
أقول لك يا سيد فورد أنني أحملك أنت وإدارتك مسؤولية ما أصاب ابنتي من جرح عميق سبب لها الألم النفسي والجسدي فكل قطرة دم نزفتها إنما تستصرخ فيكم ضمائركم وحسكم الإنساني.
وسؤالي كيف ستهتز الضمائر والأحاسيس في كائنات تستخدم القتل في فرض إرادتها على الشعوب؟، فهل حقيقة أنكم تملكونها؟، فأمام مشهد ابنتي وهي تنزف وتتألم لا أعتقد أنكم تملكون تلك الأحاسيس التي شعرت بها أمام هذا الموقف ففاقد الشيء لايعطية . وما يؤكد لي ذلك هو أنكم إلى الآن لم تمتلكون الجرأة لتعترفوا بأن الإنسان كائن بشري وذلك استنادا لأفعالكم وسياساتكم وتاريخكم الدموي في منطقتنا. أنني وأمام مشهد ابنتي لا أستطيع إن أصفكم بأكثر من كائنات خلقها الله لتتمكن البشرية من التمييز والمقارنة بين الإنسان وبين الكائن الذي لم يرتقي بعد لمستوى امتلاكه للأخلاق الإنسانية.
أعود لأقول لك ولإدارتك يا سيد فورد أنكم المسؤولين عما أصاب ابنتي وما أصاب الكثيرين من أهلي وأخواني في سورية، وأسألك لو أنك مكاني تمسك برأس ابنتك وهي تعالج من طلق ناري صنعته بلادك، فماذا سيكون شكل وأسلوب كتابتك لتقريرك الذي سترسله إلى إدارتك؟. وهل ستكتب لهم أن الأسلوب المتبع في نشر ديمقراطيتكم يشير إلى افتقاركم كونكم بشراً؟.
عامر الياس شهدا
المصدر: شوكو ماكو
إضافة تعليق جديد