لماذا تخشى أميركا «استعماراً» صينياً لأفريقيا؟
حذّرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أفريقيا، من أن الصين لا تعطي أولوية لمصالح القارة حين تستثمر فيها أو تقدّم لها مساعدات، ونبّهت إلى «استعمار» صيني محتمل لبلدانها، في تصعيد للمنافسة الأميركية - الصينية على القارة التي تتزايد فيها الفرص الاقتصادية في شكل كبير.
وقالت أمام مؤتمر للأعمال في لوساكا، عاصمة زامبيا، إن واشنطن ترغب في «طريقة جديدة للقيام بالأعمال» تعزز النشاط التجاري بدلاً من المساعدات. واعتبرت أن المقاربة الأميركية الموعودة «تهدف في نهاية المطاف إلى مساعدة البلدان النامية في رسم مستقبلــها، كما تـــهدف، بصراحة، إلى إنهاء تام للحاجة إلى مساعدات». اجتذب المؤتمر مسؤولين حكوميين ورجال أعمال أميركيين، التقــــوا في لوساكا للبحث في سبل تعزيز التجارة مع أفريقيا والاستثمار فيها، في ظـــل اعــتراف واسع بأن الــشركات الأميركية تتخلف عن الصينية، وحــتى الهندية، في اغتنام الفرص الاقتصادية فيها. وحضر المؤتمر أكبر عدد من الوفود الأميركية شهده مؤتـــمر أفريقي في السنوات الأخيرة، وكان بين الحاضرين الممثل التجاري الأميركي رون كيرك.
وكانت كلينتون أول وزراء الخارجية الأميركيين الذين يزورون زامبيا في أكثر من 30 سنة، وتركز المؤتمر على «قانون النمو والفرص في أفريقيا» (أغوا)، وهو تشريع أميركي عمره 11 سنة، يؤمّن وصولاً تفضيلياً إلى السوق الأميركية لأكثر من 1800 منتج أفريقي، ويشمل 37 بلداً جنوبي الصحراء الكبرى، ويستثني بعض البلدان في المنطقة بسبب معاناتها انقلابات وحالات فساد.
وقال مشاركون كثيرون إن الولايات المتحدة تحتاج مقاربة جديدة تتعلق بالقارة التي يُتوقّع لها نمو أسرع من أي منطقة أخرى في العالم في خلال السنوات الخمس المقبلة. ورأوا أن المساعدات التجارية، إلى جانب المساعدات الإنسانية، لا تكفي لاغتنام الفرص في السوق الأفريقية التي تضم بليون مستهلك محتمل.
وتبقى الولايات المتحدة أبرز الجهات المانحة لأفريقيا، فهي وزعت 7.6 بليون دولار عام 2009، وفق تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أوردت مقتطفات منه صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قبل أيام. وليست الصين عضواً في المنظمة، كما لا تصدر بيانات مفصلة عن المساعدات والاستثمارات الصينية في الخارج.
لكن الصين أصبحت عام 2009 أكبر شريك تجاري لأفريقيا، وفي الشهور الـ 11 الأولى من العام الماضي، بلغت قيمة تجارة الصين مع أفريقيا 114.81 بليون دولار، وفقاً لـ «ورقة بيضاء» أعدتها الحكومة الصينية في هذا الشأن. وبلغت قيمة تجارة الولايات المتحدة مع أفريقيا في المقابل 103 بلايين دولار، وفقاً للمكتب الإحــصائي الأميــركي. وتربط الصين كثيراً من نشاطاتها التجارية مع أفريقيا ومساعداتها لها باتفاقات قروض تفضيلية، تستهدف غالباً ضمان إمدادات من النفط والغاز والمعادن. ويتردد مسؤولون صينيون بارزون على بلدان أفريقية في شكل مستمر لتمتين هذه الاتفاقات.
وعلى رغم أن «أغوا» عزز الصادرات الأفريقية إلى الولايات المتحدة بواقع 10 أمثالها ما بين صدوره عام 2000 وعام 2008، فشل عموماً في توسيع الشراكة التجارية في شكل بارز. وتساوي صادرات قطاع الطاقة من البلدان الأفريقية المعنية إلى الولايات المتحدة 90 في المئة من الإجمالي، وفقاً لدراسة لـ «مؤسسة بروكنغز» للبحوث في واشنطن.
وتُعتبر هذه العلاقة التجارية أضيق أكثر مما ينبغي في ما لو رغبت الولايات المتحدة في اغتنام الفرص المرتبطة بالنمو الاقتصادي المتسارع في أفريقيا، وكتلة المستهلكين المتوسعة لديها، فصندوق النقد الدولي يتوقع للبلدان جنوبي الصحراء الكبرى، وعددها 47، نمواً بواقع 5.5 في المئة هذه السنة، وستة في المئة السنة المقبلة، وأن يفوق متوسطه في السنوات الخمس المقبلة النموَّ في أي منطقة أخرى من العالم. وترجّح مجموعة بنك التنمية الأفريقي بروز طبقة مستهلكين جديدة في القارة تضم 300 مليون شخص.
ولا تزال القارة تعاني فساداً سياسياً وبنية تحتية ضعيفة، ما يرفع أسعار البضائع، خصوصاً في البلدان التي لا تخلو من منافذ بحرية، ويحل معظم بلدان القارة في أسفل سلم سهولة القيام بالأعمال الذي يصدره البنك الدولي.
لكن الشركات الصينية والهندية والبرازيلية لا تكترث عموماً بهذه الصعوبات، فـ «بهارتي أريتل»، أكبر شركة هندية للاتصالات، مثلاً، تعمل اليوم في 16 بلداً أفريقياً، ما يمثّل واحداً من الجوانب البارزة للتوسع الاستثماري الهندي في أفريقيا. وأعلنت الشركة قبل أيام عن اتفاق عقدته مع «هواوي تكنولوجيز» الصينية تساهم من خلاله الثانية في إدارة شبكة الأولى في أفريقيا وتحديثها.
ويشكو رجال أعمال أميركيون في زامبيا من شبه غياب للدعم الأميركي لمشاريعهم حين أسسوها، لكنهم يأملون في أن تكون الكلمات التي أطلقتها كلينتون في لوساكا تمهيداً لصحوة حكومية أميركية في شأن الاستثمارات الأميركية في أفريقيا، خصوصاً أن كلينتون حضت الإدارة الأميركية على الاستماع إلى مطالب رجال الأعمال العاملين في القارة.
ويرى مسؤولون أميركيون، أن على الشركات الأميركية عدم انتظار حكومة بلادها في السعي إلى اغتنام الفرص في أفريقيا. وتتخلف الاستثمارات الأميركية في بلدان أفريقية كثيرة عن المساعدات الأميركية، ففي زامبيا مثلاً، بلغ الاستثمار الأميركي المباشر 79 مليون دولار عام 2008، بزيادة 3.9 في المئة فقط عنه قبل سنة، وفقاً لمكتب الممثل التجاري الأميركي، فيما قدرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنها أنفقت 390 مليون دولار في البلد ذاته العام الماضي، مقارنة بـ 300 مليون قبل سنة.
أما الصين، فتستثمر أكثر من بليون دولار في منطقة تشامبيشي الغنية بالنحاس في زامبيا، وتستقطب المنطقة 14 شركة صينية تعمل في التعدين والتجهيز. ولم تخلُ الاستثمارات الصينية في زامبيا من متاعب، ففي آذار (مارس)، أضرب نحو 600 عامل محلي عن العمل، مطالبين بزيادة في الأجور تبلغ 50 في المئة، ما مثّل أحدث حلقة في مسلسل من احتجاجات العمال المحليين في شركات صينية.
وتتهم المعارضة في زامبيا الصينيين بحرمان عمال البلد من وظائف، وبإخضاع زامبيا لاستعمار من نوع جديد. كذلك تواجه الاستثمارات الصينية تحدياً يتمثّل في تراجع اعتماد اقتصاد زامبيا على التعدين، فقطاع العقارات التجارية فيها يشهد تفوقاً في الطلب على العرض، على رغم سرعة نمو المباني التجارية ومراكز التسوق.
عبد الرحمن أياس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد