التطرف الإسلامي والنظام العلماني في سوريا
الدستور السوري كما النظام الداخلي لحزب البعث الحاكم يقران بأن سوريا دولة علمانية، عدا عن ذلك يجب الاعتراف أن للمجتمع تركيبة اجتماعية متنوعة من الناحية الدينية والمذهبية والإثنية كذلك.
وقد شكلت هذه التعددية على مدار التاريخ مصدر إثراء وغنى للمشهد السياسي والثقافي والفكري، ولم تكن يوما عامل تفرقة، أما ما حصل في مطلع الثمانينات حيث دارت مواجهات دامية بين جماعة الأخوان المسلمين من جهة والسلطات والحزب الحاكم من جهة ثانية، فلم ينطلق من خلفيات طائفية. كانت هناك تناقضات سياسية وقرار "أخواني" بقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة وتم الرد على ذلك باستخدام العنف أيضاً.
غير أن كل هذا الغنى والتنوع وحال التسامح والتآخي الديني، يبدو أنه اليوم أصبح مهددا بالضياع بسبب التنامي الكبير للنزعات الدينية المتشددة والمتطرفة عند البعض بفعل متغيرات دولية واقليمية لا يمكن للسوريين أن يكونوا بمنأى عنها. فما حصل في العراق وما زال، ترك آثاره الكبيرة ، كذلك هي الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة و"القاعدة".. الحرب على الارهاب بلغة الأولى، والحرب "ضد الاسلام والمسلمين" بلغة تنظيم "القاعدة" وأشباهه ومؤيديه من الظاهرين و"النائمين". فهنا ثمة صدى لهذا الصراع عند جماعات الاسلام التقليدي والمعتدل في سوريا، حيث يؤمنون أن دينهم بات مستهدفاً من قبل الدولة العظمى وإدارة الرئيس جورج بوش.
حتى الخطاب الرسمي لم يكن بعيداً عن شارعه. فدمشق وقفت في الجبهة المعارضة للحرب الأميركية على العراق وأيضا في وجه "المشاريع المعدة للمنطقة بذريعة الحرب على الإرهاب". كذلك ترك المسؤولون السوريون هامشا عريضا للاسلاميين والمتدينين للتعبير عن أنفسهم وقناعاتهم من خلال المساجد، وفي سياق ذلك استضافت دمشق ورعت العديد من المؤتمرات للاحزاب القومية والاسلامية كما حصل ربيع العام الجاري.
لكن ذلك لم يعنِ تساهلاً، ففي الوقت الذي كانت السلطات تسمح فيه للاسلام السياسي بالتعبير عن نفسه ومعارضته للمشاريع الأميركية والغربية خطابياً، وفي الوقت نفسه الذي سمحت له بالتعبير عن غضبه إزاء الإساءة التي تعرض له المسلمون بسبب لوحات كاريكاتيرية (التظاهرات وحرق السفارة الدنماركية في دمشق)، نقول رغم ذلك لم يكن مسموحاً أبداً بإسلام سياسي متشدد وتكفيري مسلح له أجندة داخلية تستهدف ضرب المصالح الغربية في سوريا او تنفيذ عمليات "ارهابية" في الداخل. وقد تم الاعلان عن إحباط نحو 11 عملية إرهابية شملت مختلف المحافظات السورية منذ أكثر من عام ونصف العام.
لكن في سياق ذلك يجب أن نعترف أن السلطات تعاملت بشدة أيضا مع كل معارضيها، ومن بينهم العلمانيين من المثقفين السوريين حيث تعرض بعضهم للسجن والمساءلة على خلفية اجتماعات معينة ونشاطات سياسية وأحيانا على خلفية توقيع بيان ما، كما حصل مع الكاتب ميشال كيلو والمحامي أنور البني وآخرين.
صحيح أنه يحق للسلطات السورية التوجس بفعل الضغوطات التي تعرض لها النظام من قبل الولايات المتحدة، وأهمها ما أعلن سابقا عن نية "بإسقاط النظام" وفيما بعد "تغيير سلوكه"، إلا أن هذه الحيطة كان مبالغاً بها، فلقد كان ثمة "أصدقاء" على المدى البعيد والاستراتيجي للنظام، نقصد علمانيي سوريا المعارضين.
نقول ذلك لأنه لم تمض سوى ايام قليلة على الهجوم الذي كانت تنوي تنفيذه مجموعة متطرفة ضد السفارة الأميركية في دمشق، وخلال عام ونصف تقريباً، كما أسلفنا، شهدت المحافظات السورية العديد من هذه الحوادث.
إن ذلك يعني أن ناقوس خطر يدق ليس على النظام فحسب بل على المجتمع السوري. حيث اتضح أن الخطر المقبل سيأتي من "التطرف الاسلامي" وليس من العلمانيين والمثقفين رغم أن بعضهم انتقد النظام بطريقة "متطرفة".
إن المنطقة تعيش مرحلة مفصلية، وسوريا جزء أساسي فيها، لعل أهم تعبيراتها الصعود الكبير للجماعات الدينية المتطرفة، وكم حري بأصحاب القرار في بلدنا أن يفكروا بطريقة يستفيدون فيها من "العلمانيين" و"المثقفين" بحيث يسمح لهم بالنشاط والتحرك. طبعا كل ذلك على قاعدة ولأجل الحفاظ على سوريا متسامحة، آمنة، متنوعة، ولمواجهة التطرف الذي بات يهدد بشكل مباشر جميع دول المنطقة وشعوبها، قبل الولايات المتحدة ومصالحها.
إن الخطر الآتي لن يقتصر على أمن واستقرار النظام والدولة السورية، بل سيصل الى الشوارع والأحياء والناس التي عاشت بسلام وتآخي وتسامح لعقود طويلة من الزمن.
شعبان عبود
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد