ما هي خيارات نظام مبارك خلال الأيام القادمة
الجمل: سوف يشهد مسرح الأزمة السياسية المصرية اليوم تطوراً حرجاً ينطوي على المزيد من العوامل الجديدة المرتفعة الخطورة: فما هي هذه التطورات الجديدة؟ وما هي تأثيراتها على مفاعيل الأزمة السياسية المصرية على المستويين الداخلي والخارجي؟
* المسرج السياسي المصري: توصيف المعلومات الجارية
بعد انقضاء سبعة أيام على اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية الحاشدة ضد نظام حسني مبارك تحدثت التقارير عن انتقال الصراع السياسي المصري-المصري إلى مرحلة جديدة أبرز ما فيها يتمثل في التطورات الآتية:
• البعد النفسي-الاجتماعي: تزايد مخزونات الغضب الشعبي بما أدى إلى تحريك عمليات التعبئة السلبية الفاعلة وعمليات حشد مليونية في العاصمة القاهرة ومدن الإسكندرية، السويس، الإسماعيلية وأسيوط وغيرها.
• البعد الأجنبي-المخابراتي: تزايد اهتمام واشنطن وتل أبيب بضرورة السيطرة على الوضع السياسي القائم في مصر ضمن حدود معينة تحفظ استمرارية مفاعيل اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية وأمن إسرائيل وأمن المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الخصوص أعلن الإسرائيليون صراحةً بأن الحفاظ على نظام حسني مبارك أهم من تطبيق الديمقراطية في مصر، وتقول المعلومات بأن السفير الأمريكي السابق في مصر وايزنر سوف يقوم اليوم بزيارة للقاهرة من أجل التفاهم مع أطراف الصراع المصري-المصري.
• البعد المؤسساتي-السياسي: أصبحت معظم مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية خارج نطاق السيطرة، وبالنسبة للمؤسسة الأمنية-العسكرية المصرية فقد أصبح الأمر ينطوي على قدر كبير من الغموض والإبهام الذي يعكس قدراً متزايداً من الخلافات: قوات الجيش على مستوى القمة والقيادة ما تزال تقف –على الأقل من الناحية المعلنة- مع النظام، وفي نفس الوقت تقف قاعدة الجيش من الناحية غير المعلنة -وإن كانت أصبحت شبه معلنة- إلى جانب الشعب، أما بالنسبة لقوات الأمن والشرطة فقد أصبح الأمر ينطوي على قدر أكبر من الغموض، ولكن ما هو واضح تمثل في انسحاب الأغلبية العظمى من عناصر الشرطة والأمن واختيارهم البقاء بعيداً إلى حين تتضح الأمور.
على خلفية هذه المكونات الثلاثة برزت الضغوط الانفعالية الإعلامية-النفسية كعامل فاعل في تعزيز وتكثيف الضغوط المتصاعدة في كل ا لاتجاهات.
* بؤرة الأزمة السياسية المصرية: نظام حسني مبارك والانفجار الكبير
تراكمت كل مكونات الأزمة وضغوطها الزاحفة بما عبر عن نفسه وبكل وضوح في المؤشرات الآتية:
- مؤشر ارتفاع درجة اللامبالاة في أوساط الأطراف المواجهة، فالنظام المصري ورئيسه حسني مبارك لم يعد يبالي بالمخاطر والحشود الجماهيرية تتصرف وكأنما لا توجد أي سلطة أو حكومة قوية.
- مؤشر ارتفاع درجة انفصام العلاقات وتتضارب المصالح بحيث لم يعد يوجد أي تواصل يتسم بالمصداقية، فكل ما يقوله نظام حسني مبارك لا يجد أذناً صاغية من حشود الشعب، وبالتالي، لم يعد وجود النظام يحقق أي مصلحة للشعب المصري، وفي نفس الوقت لم يعد الشعب المصري يشكل أي مصلحة لنظام حسني مبارك الذي يحاول جاهداً الاستعانة بالأطراف الخارجية من أجل التغلب على ضغوط الأزمة السياسية الشعبية.
على مدى الأسبوع الماضي ظلت الأزمة السياسية المصرية تكتسب عمقاً أكثر في جانبين رئيسيين هما:
• تزايد ضغوط التهديدات الخطيرة ليس لمصالح نظام الرئيس حسني مبارك في البقاء وحسب، وإنما لمصالح حلفائه وخصوصاً أمريكا وإسرائيل، وكأنما اختار نظام الرئيس مبارك أن يربط بقاءه ببقاء المصالح الأمريكية-الإسرائيلية وفناءه بفناء هذه المصالح.
• تزايد ضغوط عامل الوقت، الذي انتهى بالفعل، فقد تجاوزت تطورات الأحداث والوقائع الهامش الزمني المتاح ولم يعد من سبيل أو جدوى لتطبيق أي أساليب وقائية أو علاجية لاحتواء الأزمة.
تقول المعلومات والتقارير والتحليلات بأن معركة اليوم سوف تشكل الحدث الفاصل والمواجهة النهائية مع ضغوط الأزمة، بحيث يتحدد شكل وسيناريو المواجهة القادمة ضمن أحد الخيارات الآتية:
- خيار سقوط النظام وانهياره النهائي، ويتوقف هذا الخيار على مدى وقوف قوات الجيش المصري إلى جانب الجماهير الشعبية بما يتضمن قيام قوات الجيش باعتقال رموز النظام وإعلان الأحكام العرفية إضافة إلى التنسيق لجهة تكوين حكومة عسكرية-مدنية أو إقامة مجلس عسكري انتقالي يشرف على إدارة الدولة لفترة تنتهي بإجراء انتخابات عامة.
- خيار الصفقة، ويتوقف هذا الخيار على عقد اتفاق بين قوى المعارضة السياسية المصرية والنظام المصري الحاكم، وتشير المعطيات إلى أن فرص نجاح هذا الخيار أصبحت ضئيلة للغاية، ولكن من الممكن أن تتزايد هذه الفرص إذا لم تفلح التصعيدات الجماهيرية الجارية في إسقاط النظام، وأيضاً إذا أصدرت القوات المسلحة المصرية قرار الوقوف إلى جانب الحياد السلبي.
- خيار العنف السياسي، ويتوقف هذا الخيار على حدوث الانقسام في أوساط القوات المسلحة المصرية، بحيث يقف جزء إلى جانب النظام وجزء آخر إلى جانب الحشود بما يؤدي إلى اندلاع المواجهات الدامية التي يمكن أن تقود إلى الصراع الأهلي الداخلي الدامي المصري المرتفع الشدة.
- خيار الانكسار والتراجع، ويتوقف هذا الخيار على قيام القوات المسلحة المصرية وأجهزة الأمن والشرطة المصرية بالوقوف بحزم إلى جانب نظام الرئيس مبارك بما يؤدي إلى إرهاق طاقة الغضب الجماهيري وإفراغ الكتل الجماهيرية من طاقة المعارضة السياسية بما يؤدي إلى تفشي الإحباط وتزايد عدم الرغبة في المعارضة والذي يقود إلى نشوء ظاهرة انكماش وتراجع المعارضة.
على أساس اعتبارات العوامل الخارجية، فقد أصبحت الأزمة المصرية على أول عتبات انفتاح بوابات التدخل الخارجي، فإسرائيل تريد بقاء نظام حسني مبارك، وأمريكا تريد بدرجة كبيرة الحفاظ على القاهرة كحليف شرق أوسطي رئيسي سواء في حالة بقاء أو عدم بقاء نظام الرئيس حسني مبارك، أما أوربا فتريد الحفاظ على مصالحها المتمثلة في استمرار تدفق الملاحة عبر قناة السويس.
أما على أساس اعتبارات العوامل الخارجية، فقد أصبحت الأزمة المصرية على أولى عتبات انفتاح بوابات العنف السياسي المرتفع الشدة وما سوف تسفر عنه مواجهات الجماهير المليونية الجارية اليوم سوف يحدد متى وكيفية انفتاح هذه البوابات.
بكلمات أخرى، إذا نجحت الانتفاضة وأطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك، فإن الأمور سوف تهدأ، ولكن إذا فشلت الانتفاضة في الإطاحة بنظام مبارك فسوف تجد الجماعات المسلحة المصرية مثل تنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة وغيرها المجال واسعاً لجهة شن المزيد من العمليات المسلحة، وبالأمس نقلت شاشات الفضائيات مناظر عشرات الشبان المصريين يرتدون الأكفان ويقولون بأنهم قد لبسوا هذه الأكفان استعداداً للموت لأنهم قرروا إما أن يموت نظام الرئيس مبارك لكي يستمروا في الحياة أو يموتوا و يستمر نظام مبارك في الحياة!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد