بيان المثقفين العرب للدفاع عن غونتر غراس

كان غونتر غراس يتوقع كل أشكال التعاطف معه في مواجهة الحملة العنيفة التي يتعرّض لها في ألمانيا. أما أن يهبّ المثقفون العرب للدفاع عنه، والوقوف الى جانبه، فهذا ما لم يكن يخطر في بال صاحب “طبل الصفيح” على الأرجح. هؤلاء الشعراء والكتاب العرب الذين وقّعوا بياناً تضامنياً مع “زميلهم المضطهد” بسبب اعتراف متأخر بانتمائه العابر الى الحرس النازي، إلى ماذا يستندون في مخاطبة الديموقراطيات الغربية ومثقفيها، هم الذين يشهدون كل يوم على حملات قمع فعلية، من قبل أنظمة ديكتاتورية فاسدة، لكل أشكال الحريات، ولأبـــسط محاولات التغيير؟ قد تبدو هذه الاطلالة المباغتة على الساحة العالميّة مضحكة بعض الشيء، لولا أن البــــيان يحمل تواقــــيع مرموقة من حسن حنفي الى محمود أمين العالم، ومن جابر عصفور الى محمد براده، ومن قاسم حداد الى مــــحمد بنيس, ومن يوسف القعيد الى ليلى العثمان!
لا شك في أن الاهتمام العربي بقضيّة غونتر غراس التي كانت “الأخبار” أوّل جريدة عربية تناولـــــتها بالـــتــــــفصيل (16 آب 2006 )، بــــادرة ايجابية بحد ذاتها.
يركّز الـــبيان على بشاعة النازية، فهل يمكن القول إننا “اكتشفنا المحرقة” أخيراً؟ وإننا طوينا صفحة الاحتفاء العربي المخجل، بروجيه غارودي الذي قلل من أهمية الهولوكوست بحجة فضح الصهيونية؟ لكن النقاش على الساحة الأوروبية له اعتباراته وخلفياته التاريخية الدقيقة. ولغة الاطلاق والـــــــتعميم التي تميّز أدبياتنا وبيـــــاناتنا ونقاشاتنا، قد لا تخدمنا أبداً في المقــــلب الآخر من المتوسّط. لنتخيل رد فعل مثقف ألماني حين يقرأ أن الحملة التي يتعرض لها غراس «تدبير سياسي غير أخلاقي هدفه تحويل الأنظار عن جرائم الاسرائيليين في فلسطين ولبنان».
متى يــــفهم المثقـــــفون العرب أن الوعي الالماني الشقي ما زال راعــــفاً في كل مــا يتعلّق بالنازية وجـرائـــمها؟ وأن القضية الــــتي أثارها غراس، مهما كانت الحملة ظـــالمة بــحقــــّه، تــتعلّق بـــفحص ضمير متجدد حول مرحلة حساسة من التاريخ الأوروبي، ينبغي أن نفهمها ونحسن التعامل معها، إذا شــــئنا دخول النقاش هناك، خصوصاً حين ندافع عن قضيتنا العادلة في مواجهة «النازيين الجدد» كما يســـمّيهم البيان، بحق هذه المرّة!

بيار أبي صعب

المصدر: الأخبار