التحضيرات الإسرائيلية-الأمريكية للهجوم على حماس وحزب الله
الجمل: شهدت الأيام الثلاثة الماضية تطورات تعتبر الأكثر أهمية لجهة علاقتها الفائقة الحساسية بتطورات الأحداث والوقائع الجارية: فما هي هذه التطورات؟ وما هي أهميتها لجهة تفعيل التأثيرات المتبادلة بين الوضع الجزئي والوضع الكلي لصراع الشرق الأوسط؟
* توصيف التطورات الجارية: ماذا تقول المعلومات؟
تزايدت التحركات الدبلوماسية وارتفعت حدة التصريحات خلال الثلاثة الأيام الماضية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• شهد قصر الإليزيه لقاء الأسد- ساركوزي وتقول التقارير بأن اللقاء لم يعقبه مؤتمر صحفي.
• أعلنت الإدارة الأمريكية عن وقف ممارسة الضغوط على إسرائيل فيما يتعلق بملف توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
• عقدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لقاءً مع كبار المسؤولين الفلسطينيين وكبار المسؤولين الإسرائيليين –كل على حدة- وأخطرتهم بأن واشنطن وإن كانت قد أوقفت الضغوط على إسرائيل، فإنها سوف تستمر في الاهتمام بملفات عملية سلام الشرق الأوسط.
• صرح أمين عام محكمة لبنان الدولية الخاصة بأن قرار الاتهام الظني سوف يصدر قريباً.
• تحدث السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني رافضاً توجهات المحكمة الدولية وواصفاً أداءها بـ"المسيس".
• تحدث رئيس الأركان الإسرائيلي الحالي غابي أشكينازي قائلاً بأن القوات الإسرائيلية سوف تسعى لاحتواء قطاع غزة، وواصفاً العملية الإسرائيلية القادمة ضد القطاع بأنها سوف تحقق النجاح الباهر في القضاء على كافة أنواع المخاطر التي تهدد أمن إسرائيل.
إن كل واحدة من هذه النقاط تنطوي على قدر كبير من الملفات الفائقة الخطورة والحساسية لجهة ما يمكن أن يحدث خلال الأشهر القادمة، وفي هذا الخصوص إذا كانت التصريحات الإسرائيلية المعلنة تستهدف حركة حماس الفلسطينية فإن التصريحات الأمريكية المعلنة تستهدف حزب الله اللبناني.
* أهداف خارطة طريق القوات الإسرائيلية الجديدة: إشكالية البدائل والخيارات
سعت إسرائيل ومنذ فترة طويلة إلى ترسيم الملامح العامة لخارطة طريق العدوان الإسرائيلي الجديد، ونلاحظ أن ترتيب الأولويات الإسرائيلية قد خضع خلال الفترة الماضية إلى مبدأين:
- القاعدة الأولى: سعي تل أبيب إلى فرض السيطرة على التوازنات الخارجية في علاقات تل أبيب مع العديد من العواصم الهامة بالنسبة للإسرائيليين، وعلى وجه الخصوص: واشنطن، باريس ولندن.
- القاعدة الثانية: استخدام التعديلات الخارجية لجهة تحقيق التوازن الداخلي. وفي هذا الخصوص جاء قرار الامتناع الأمريكي عن ممارسة الضغوط على إسرائيل بما أدى إلى تأمين تماسك أطراف التحالف الإسرائيلي الحاكم عن طريق إبعاد احتمالات خلاف الليكود-إسرائيل بيتنا.
تحدثت تحليلات اللوبي الإسرائيلي البريطاني الوثيقة الصلة بالإسرائيليين بما يؤكد بأن الأوضاع في الضفة الغربية هادئة، أما الأوضاع في قطاع غزة فهي غير هادئة، وسوف تظل تمثل مصدر المخاطر المهددة لأمن إسرائيل، وهو تحليل يتطابق مع تصريحات الجنرال أشكينازي التي أشارت إلى عمل عسكري إسرائيلي جديد محتمل ضد قطاع غزة، ولكن، وعلى الجانب المقابل، فقد ظلت كل تحليلات مراكز اللوبي الإسرائيلي الأمريكية تتحدث عن حزب الله باعتباره يمثل مصدر الخطر المهدد لأمن إسرائيل. وتأسيساً على ذلك، نلاحظ أن المفارقة الإسرائيلية في معايرة ومفاضلة الأهداف يمكن أن يكون سببها:
• فجوة الثقة: انهزمت إسرائيل في حرب صيف 2006 بواسطة حزب الله اللبناني، وتوجد احتمالات كبيرة بأن إسرائيل سوف تواجه هزيمة جديدة إذا حاولت مرة أخرى. أما بالنسبة لقطاع غزة فقد انهزمت إسرائيل في حرب شتاء مطلع عام 2009، إضافة إلى تداعيات هزيمتها تضمنت خسارة إسرائيل لعلاقاتها مع تركيا ودخول إسرائيل في مواجهات مع منظمات المجتمع الدولي بفضل تداعيات تقرير غولدستون. والآن، وحتى إذا قررت إسرائيل شن حرب جديدة ضد قطاع غزة على أساس اعتبارات أن قوة حماس العسكرية يمكن احتواءها، فإن إسرائيل لن تستطيع أن تفلت هذه المرة بسهولة من مواجهة منظمات المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، الأمر الذي سوف يؤدي إلى إعلان معظم دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس.
• فجوة المهارات: يعتمد الجيش الإسرائيلي مذهبية الحرب الخاطفة التي تركز على الاستخدام المكثف للقوة الجوية والتكنولوجيا المتطورة. وقد ثبت أن هذه المذهبية لا تحقق النجاح والحسم المطلوب في مواجهة القوات ذات الطابع الذي يعتمد على أساليب المليشيا وحرب الأنصار، وحتى الآن لم تفلح إسرائيل في تزويد قواتها بالمهارات اللازمة لخوض مثل هذه الحروب، وبالتالي، مازال الجيش الإسرائيلي بلا مهارة في عمليات مكافحة الفصائل والميليشيات المسلحة.
• فجوة المهمات: وتتضح هذه الفجوة من خلال السؤال القائل: ما هي مهمة القوات الإسرائيلية في حرب جنوب لبنان المحتملة؟ وما هي مهمة القوات الإسرائيلية في حرب قطاع غزة المحتملة؟ وبالتالي مهما كانت النتيجة فإن الإجابة واحدة وهي أنه من غير الممكن تحقيق المهام التي تتضمن القضاء على مصدر الخطر وذلك طالما أن حزب الله يتمتع بدعم السكان المحليين في جنوب لبنان وحركة حماس تتمتع بدعم السكان المحليين في قطاع غزة.
• فجوة المعلومات: خلال الحرب الإسرائيلية الماضية ضد جنوب لبنان، بنت القيادة العسكرية خطة الحرب على أساس المعلومات التي تفيد لجهة أن القوات الإسرائيلية قادرة على الحسم خلال أسبوع واحد، ولكن، وبسبب خطأ المعلومات فقد امتدت الحرب لمدة خمسة أسابيع (أي خمسة أضعاف الفترة المحددة)، ولم تستطع القوات الإسرائيلية أن تحقق أهدافها، ونفس الشيء بالنسبة لحرب عملية الرصاص المسكوب ضد قطاع غزة. وعلى خلفية المهارات الإضافية التي حصلت عليها حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني في الحربين الماضيين، فإن فجوة المعلومات الإسرائيلية عن قدرات حزب الله وحركة حماس سوف تكون قد أصبحت بالضرورة أكبر فأكبر.
• فجوة الوقت: إذا توافرت للقوات الإسرائيلية قدرات الحسم العسكري، فكم من الوقت سوف تحتاج القوات الإسرائيلية لإكمال وإنجاز مهامها وتحقيق أهدافها، خاصة وأن حسابات الوقت تتطلب أن تتم عملية الحسم بأسرع ما يمكن، وخلال أقل من أسبوع واحد على الأكثر لأن الرأي العام العالمي سوف يؤدي غضبه إلى إلحاق الأضرار الهائلة بإسرائيل بما سوف يعوق هذه المرة ما سبق أن حدث في صيف عام 2006 ضد جنوب لبنان وحرب مطلع شتاء عام 2009 ضد قطاع غزة.
تقول التسريبات الأخيرة، بأن بنيامين نتنياهو قد وافق على تقديم التعويضات للضحايا الأتراك، ولكن بالنسبة لأمر الاعتذار فقد رفض نتنياهو كتابة الاعتذار، وطلب من وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال إيهود باراك كتابة هذا الاعتذار لأنه المسؤول المباشر عن القوات الخاصة الإسرائيلية التي نفذت عمليات قتل الناشطين الأتراك، وبالمقابل، فقد رفض باراك كتابة الاعتذار. وتشير التسريبات إلى أن رفض الجنرال باراك وإن كان من جهة معناه أن الجنرال باراك يرفض أداء الأدوار المهينة، فإنه من الجهة الأخرى معناه أن الاعتذار هذه المرة سوف يساعد في إصلاح العلاقات التركية-الإسرائيلية، ولكن هذه العلاقات سوف تتدهور مرة أخرى عندما تقوم القوات الإسرائيلية بتنفيذ حربها الجديدة، وبالتالي يفضل الجنرال باراك إرجاء الاعتذار وتقديمه مرة واحدة بعد الحرب القادمة!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد