نتائج الانتخابات الأمريكية ودلالات سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب
الجمل: تحدثت الكثير من التقارير والقليل من التحليلات السياسية الشرق أوسطية عن نتائج انتخابات الكونغرس الأمريكي النصفية الأخيرة التي جرت يوم أمس الأول الثلاثاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010م على أساس اعتبارات أنها انتخابات أسفرت عن صعود الجمهوريين وسيطرتهم على الكونغرس الأمريكي في ظل وجود إدارة أمريكية ديمقراطية، ولكن ما هو مهم يتمثل في العديد من التساؤلات الحرجة الفائقة الأهمية: ما هو تأثير نتيجة هذه الانتخابات على مستقبل السياسة الأمريكية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي الأمريكي والوضع السياسي الخارجي الأمريكي وبالذات إزاء منطقة الشرق الأوسط؟
* العملية السياسية الأمريكية: كيف وإلى أين؟
ذهب الأمريكيون في الساعات الباكرة من صباح أمس الأول الثلاثاء إلى صناديق الاقتراع في ظل الحملات السياسية وعمليات التسويق الإعلامي والاستخدام المتزايد للمال السياسي، وبحلول مساء الأمس، برزت نتائج الانتخابات والتي أسفرت عن تغيير التوازنات داخل مؤسسات السلطة التشريعية (الكونغرس) وفقاً للآتي:
• مجلس الشيوخ الأمريكي: يمثل مجلس الشيوخ الغرفة التشريعية العليا المسؤولة في الكونغرس عن الرقابة على أداء الإدارة الأمريكية، ويتكون من 100 عضو (سيناتور)، وبعد انتخابات أمس الأول أصبح تكوين المجلس 52 ديمقراطي (الأغلبية) في مواجهة 46 جمهوري (الأقلية) مع وجود 2 مستقلين، وبالتالي احتفظ الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، مع ملاحظة أن الأغلبية التصويتية داخل المجلس هي 50 صوتاً زائد صوت الرئيس.
• مجلس النواب الأمريكي: يمثل مجلس النواب الغرفة التشريعية الدنيا المسؤولة في الكونغرس عن إصدار التشريعات والقوانين التي تحكم عمل الإدارة الأمريكية، ويتكون من 435 عضواً وبعد انتخابات الأمس أصبح تكوين المجلس 240 جمهوري (الأغلبية) مقابل 185 ديمقراطي (الأقلية)، مع ملاحظة أن الأغلبية التصويتية المطلوبة داخل المجلس هي 218 صوتاً.
نلاحظ أن أبرز نتائج انتخابات أمس الأول لجهة التأثير على الكونغرس الأمريكي سوف تتمثل في الآتي:
- احتفظ الزعيم الديمقراطي السيناتور هاري ريد بمنصب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي.
- صعود الزعيم الجمهوري ماكونيل إلى منصب زعيم الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي بدلاً عن الزعيمة الديمقراطية نانسي بيلوزي.
بكلمات أخرى، فقد أصبح الجمهوريون يسيطرون على مجلس النواب، وتحديداً عملية صنع واتخاذ القرار المتعلق بإصدار القوانين والتشريعات التي تحكم أداء العلمية السياسية في السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، أما الديمقراطيون فقد أصبحوا يسيطرون على مجلس الشيوخ الأمريكي، وتحديداً على عملية صنع واتخاذ القرار المتعلق بالمتابعة والرقابة على أداء الإدارة الأمريكية.
* الاصطفاف الجمهوري-الديمقراطي: من خيار التعاون إلى خيار الصراع.
تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن العملية السياسية الأمريكية قد شهدت العديد من الحالات المشابهة ، فقد حدث نفس الشيء خلال إدارة كارتر ونفس الشيء أيضاً خلال إدارة كلينتون الثانية، ولكن، ما هو جدير بالملاحظة تمثل في تزايد الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين بما أدى بالمقابل إلى تزايد الصفقات السياسية بين الطرفين.
تحدثت العديد من التقارير والتحليلات السياسية الأمريكية الصادرة مساء أمس وصباح اليوم عن محاور الاصطفاف الجمهوري-الديمقراطي في الساحة السياسية الأمريكية، بما تضمن النقاط الآتية على مستوى مجلس النواب الأمريكي:
• أجندة السياسة الداخلية: بالنسبة لأجندة السياسة الداخلية فمن الواضح أن الجمهوريين سوف يستخدمون مجلس النواب الأمريكي لجهة تقويض مشروع الضمان الصحي، مشروعات الراعية الاجتماعية ومشروعات فرض الضرائب على الشركات الكبرى إضافةً إلى مشروع إصلاح البيئة، ومشروع إصلاح الأسواق المالية، وبالمقابل سوف يجد الديمقراطيون أنفسهم في موقع الدفاع عن هذه المشروعات.
• أجندة السياسة الخارجية: بالنسبة لأجندة السياسة الخارجية، برغم أن مشروع إعلاء النفوذ الأمريكي على العالم هو نفسه بالنسبة للطرفين، فإن الجمهوريين سوف يسعون إلى رفع وتائر ومعدلات استخدام القوة «الخشنة» بما يتضمن فرض العقوبات المتشددة، ودعم عملية شن الحروب وإشعال المناطق الساخنة والمتوترة، أما الديمقراطيون فسوف يسعون إلى رفض ذلك، والمطالبة برفع وتائر ومعدلات استخدام القوة «الناعمة» بما يتضمن فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المتدرجة، مع ضرورة الجمع بين أسلوب إغلاق الباب مع جعل نافذة الحوار والتفاهم مفتوحة.
أما بالنسبة للاصطفاف الديمقراطي-الجمهوري على مستوى مجلس الشيوخ الأمريكي، فمن الواضح أنه سوف يتضمن الآتي:
- أجندة السياسة الداخلية: سوف يسعى الديمقراطيون إلى حماية أداء إدارة أوباما بما يتعلق بالتشريعات التي سبق وأن تم إصدارها بواسطة مجلس النواب السابق، وأصبحت ملزمة وذلك في مواجهة الجمهوريين الذين سوف يسعدون لاستقلال وتوظيف الثغرات الموجودة في هذه التشريعات.
- أجندة السياسة الخارجية: سوف يسعى الديمقراطيون إلى مسايرة توجهات الجمهوريين ولكن مع التحفظ الشديد لإبقاء توترات السياسة الخارجية الأمريكية ضمن المستويات المنخفضة الشدة.
توجد المزيد من المؤشرات الدالة على إمكانية حدوث صفقات جمهورية-ديمقراطية لجهة تمرير مشروعات الإصلاحات الاقتصادية الأمريكية الداخلية، ولكن بالنسبة للسياسة الخارجية، فسوف تكون الأكثر خطورة، خاصةً وأن الجمهوريين ظلوا يسعون من أجل صفقة جمهورية-ديمقراطية كبرى إستراتيجية تتضمن في استمرار توسيع مشروع الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب مقابل الموافقة على تمرير مشروعات الإصلاحات الاقتصادية الداخلية، وبكلمات أخرى، فإن إدارة أوباما سوف تجد نفسها مضطرةً لجهة تمديد الوجود الأمريكي في العراق وتصعيد حرب أفغانستان والسعي للتدخل العسكري-الأمني في اليمن، والقيام بالمزيد من دعم إسرائيل إضافةً إلى المزيد من استهداف إيران وسوريا، بما في ذلك تحريك مفاعيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتدخل في شؤون السودان، وإلا فإن إدارة أوباما لن تستطيع تمرير مشروع الرعاية الصحية وغيره من المشروعات الإصلاحية الاقتصادية.
تقول المعلومات والتسريبات، بأن الأغلبية الجمهورية الجديدة لن تكون وحدها المعادية للإدارة الديمقراطية الأمريكية، وإنما سوف يكون إلى جانب هذه الأغلبية عدد لا بأس به من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين المشهورين بالارتباط باللوبي الإسرائيلي، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن الجمهوريين ومعهم دوائر اللوبي الإسرائيلي وجماعات المسيحية الصهيونية قد سعوا في حملاتهم الانتخابية لجهة استهداف المرشحين الديمقراطيين ذوي الاتجاهات المتحفظة إزاء دعم إسرائيل ، وفي نفس الوقت خففوا الضغوط على المرشحين الديمقراطيين المرتبطين بإسرائيل وجماعات اللوبي الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى فوز العدد الأكبر من أصدقاء وحلفاء إسرائيل الديمقراطيين، وقد كان في مقدمة الديمقراطيين الفائزين باربارا بوكسر صاحبة الصوت الأعلى في الكونغرس السابق دعماً لإسرائيل، والتي توقيعها البارز يأخذ مكانه في صدر كل العرائض التي سبق وتم تقديمها دعماً لإسرائيل، أما زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي، الجمهوري ماكونيل فقد ظل طوال العامين الماضيين الأكثر اتهاماً للرئيس أوباما بأنه العدو الأمريكي الأول لإسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد