التغيرات المناخية واضطرابات الطقس
اجتاحت نصف العالم الشمالي هذا الصيف موجة حر شديد مصحوبة بجفاف، أضرمت النار في غابات روسية وأوكرانية، وسجلت درجات الحرارة أرقاما غير مسبوقة هناك فتجاوزت 38 درجة مئوية بموسكو، وبلغت 40 بكييف.
كما انفصلت كتل جليدية بغرينلاند، وعمت الجزيرة العربية والخليج وشرق المتوسط وشمال أفريقية موجة حرارة مرتفعة.
وتعرضت مناطق الأعاصير الصيفية بالقارة الآسيوية لموجة فيضانات هائلة أصابت الصين والهند والفلبين وفيتنام، وكانت أخطر ما تكون بباكستان التي شهدت ربما أسوأ طوفان في تاريخها، فغطتها الكارثة فطالت الأضرار نحو 20 مليون مواطن، وتشرد الملايين وغرق آلاف الضحايا، ولا تبدو في الأفق نهاية للأمطار والفيضانات حتى اليوم.
في المقابل، يتعرض جنوب الأرض لموجة برودة غير معتادة خاصة بأميركا اللاتينية، وهبطت درجات الحرارة لمستويات غير مسبوقة بالقارة القطبية الجنوبية، تجاوزت الثمانين تحت الصفر.
كانت التوصيفات الأكثر تداولا هي "الطقس المتطرف"، و"الشذوذ الحراري" بحسب مختلف هيئات الأرصاد.
تتفاوت وجهات نظر خبراء البيئة والمناخ حول العلاقة (السببية أو العارضة) بين الشذوذ الحراري وتطرف الطقس وبين التغيرات المناخية الناجمة عن الاحترار الكوكبي الذي تسببه غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري ونشاطات البشر الصناعية والزراعية وإزالة الغابات.
فهناك من يقول إن الاحترار الكوكبي يشعل موجات الحر الشديد، أو إنه يزيد احتمالات تطرف الطقس. ويقولون إن تشبع الغلاف الجوي بالاحتباس يرجح توجه المناخ نحو طقس شاذ وشرس.
فالهواء الساخن يمكنه استيعاب رطوبة أكثر، وهذه تؤدي بدورها إلى هطل كثيف للأمطار والفيضانات. وفي كوكب أكثر احترارا، فإن الفيضان الذي كان يحدث مرة بالقرن سيتكرر حدوثه أكثر. وبرغم ذلك، يُرجح أن يصبح الجفاف أكثر حدة ببعض المناطق.
المناخ والطقس
لكن خبراء آخرين يؤكدون أن المناخ يتغير لأن ذلك ما يفعله دائما. فالنظام المناخي متقلب، والطقس السائد لفصل واحد أو سنوات لا يمثل سببا كافيا للهلع، وليست موجة الحر الشديد الراهنة دليلا على تغير مناخي خطير، كما أن عواصف الشتاء الماضي الثلجية ليست دليلا نافيا له.
ولا يُشك في أن الأنشطة البشرية المتصلة باستخدام الوقود الأحفوري وتغيرات استخدام الأراضي تؤثر في المناخ، لكن لا بد أن يأتي الدليل الحاسم من أنماط مناخية طويلة الأمد، لا من أحداث فردية.
ويقول علماء آخرون إن المناخ لا يسبب الطقس، بل يسببه توازن القوى وكتل (الهواء والرطوبة) ومصادر الطاقة بالغلاف الجوي.
كذلك يتفاعل الغلاف الجوي مع المحيطات وطبقات الجليد واليابسة والكائنات الحية والانفجارات الشمسية، كما حدث هذا الصيف.
لقد ارتفع متوسط درجة حرارة الكوكب بنحو 0.6 مئوية لكل عقد من العقود الخمسة الماضية، لكنه احترار غير منتظم، ويتفاوت مساحة وزمانا.
فهناك أماكن بردت وأخرى احترت، بمستويات أكثر من المتوقع. فالفيضانات والجفاف وانزلاقات الطين وانفصال كتل الجليد حدثت وستحدث دائما. وهناك أحوال طقس شاذة تفصل بينها مساحات وأزمان.
يذكر أن تقرير لجنة الحكومات للتغير المناخي (IPCC، 2007) قد تنبأ بزيادة فيضانات باكستان والصين خلال هذا القرن، وسجل أن هطل الأمطار في ازدياد.
ويتوقع خبراء أرصاد دوليون استمرار الموجات الحارة في السنوات القادمة، وكذلك ارتفاع متوسط درجات حرارة منطقة الخليج بحوالي درجتين إلى ثلاث مئوية كل ثلاثة عقود، وفقا لدراسة دولية رصدت مناخ المنطقة بالعقود الماضية.
ويُرَجّح تكرار بعض مظاهر تطرف الطقس في الأعوام القادمة، إن لم تتكرر بحذافيرها التي وقعت هذا العام بأصقاع العالم المختلفة.
مازن النجار
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد