قرار خاطئ يخسّر شركة الأسمدة نصف مليار ليرة شهرياً
بعد أن احتلت الشركة العامة للأسمدة لسنوات طويلة مكانة مرموقة بين الشركات التابعة للمؤسسة الكيميائية من حيث الإنتاجية والربحية والمساهمة في زيادة الإنتاج الصناعي وتحقيق الاستقرار لسوق الأسمدة وتوفيرها للقطاع الزراعي إلا أنها عادت لتشكل عبئا ثقيلا على كاهل القطاع الصناعي العام من الناحية الإنتاجية والتسويقية نتيجة ظروف تتعلق بمعطيات السوق وتقلباتها وظروف أخرى تتعلق بإدارات الشركة المتعاقبة وتفاوت مقدرتها على قيادة الشركة وخاصة أنها من اكبر الشركات الصناعية استقطابا للعمالة والإنتاجية والأهم من ذلك اختلاف نظرتهم لموضوع الفائدة الشخصية التي من شأنها ترك أثار سلبية على العملية الإنتاجية والتسويقية وما يحدث الآن في الشركة من أحداث ومخالفات وتجاوزات تشكل صورة طبق الأصل لهذا الواقع وهذا الأمر يظهر بوضوح تام من خلال المؤشرات التسويقية ومعاناة الشركة وتخبط إدارتها وعدم قدرتها على تصريف المخازين التي لم تتسع لها حتى الساحات الخارجية للشركة وتوقف المعامل عن العمل وذلك خلافا للتصريحات الرنانة التي تطلقها الإدارة بين الحين والأخر ويمكن إثبات ذلك من خلال الوثائق المتوافرة ليس لدينا فحسب وإنما المتوافرة لدى وزارة الصناعة والمؤسسة على السواء دون أن تحرك الوزارة ساكنا تجاه مايحدث ويرتكب من أخطاء في الشركة:
عسل 2009..؟
ولكن قبل الدخول في كارثة المخازين والخطورة التي تشكلها على الواقع البيئي والاقتصادي لابد من الإشارة إلى فترة العسل التي شهدتها الشركة خلال العام 2009 بعد انجاز العمرة المطلوبة للمعامل وبأيدي خبرات الشركة وفنييها حيث تؤكد الوثائق المتوافرة لدينا دخول الشركة مرحلة الإنتاج بالطاقة التصميمية لأول مرة منذ إحداثها وبنسبة تنفيذ 114% لمعمل الكالنترو من الخطة المقررة وسماد اليوريا بنسبة 103% بينما معمل السماد الفوسفاتي كان متعثرا في الإنتاج منذ خمسة عشرة عاما ويعمل اقل من نصف طاقته إضافة للهدر الكبير في مادة حمض الكبريت وحمض الفوسفور والذي تقدر فيه قيمة الهدر بمئات الملايين من الليرات شهريا وبعد العمرة المذكورة ارتفعت قيمة الإنتاج إلى الطاقات التصميمية وانعدام الهدر إلى الصفر في ظل الإدارة السابقة حيث أعجب وزير الصناعة بهذه النتائج المتحققة وقيم الهدر والخسارات التي تم إيقاف نزيفها ولكن بدلا من مكافأة عمال الصيانة وفنيي الشركة وإدارتها أصدر السيد وزير الصناعة قرارا بعزل مدير الشركة مكافأة له بتحقيق الطاقات التصميمية وتخفيض المخازين وتوفير مئات الملايين (بمعرفة الوزارة والمؤسسة) وتقليل نسب الهدر إلى الحدود الدنيا وتعيين مدير جديد للشركة في عهده توالت الكوارث على الشركة بدأ من توقف المعامل الثلاثة وزيادة المخازين وكل ذلك أيضا بمعرفة الوزارة والوضع مازال مستمراً حتى تاريخه..؟
قرار بنصف مليار ليرة فقط..!
الشركة بمعرض عملية البحث عن تصريف الإنتاج الذي سبب عملية اختناق كبيرة فيها فإن مساعي الإدارة الحالية لا تبحث بالفعل عن التصريف وإنما تبحث عن الفائدة الشخصية (حسب المعلومات والوثائق المتوافرة من الشركة..!) وتوقف خطوط الإنتاج وترك مصلحة الشركة لتجاذبات ورهانات تؤدي لخسارات كبيرة بدليل الاجتماع الذي عقد بتاريخ 7/6/2010 ضم أعضاء اللجنة الإدارية ومدير معمل السماد السوبر فوسفات لمناقشة الحلول لتصريف الإنتاج وتصريف مادة حمض الكبريت على اعتبار أن الخزانات ارتفع فيها المخزون إلى الحدود المسموح بها وارتفاعه أكثر يؤدي لتوقف المعمل نهائياً وبخسارة مالية تقدر بخمسة ملايين ليرة ثمن المازوت والفيول اللازمة لإعادة الإقلاع من جديد.
وتفاديا لهذه الخسائر تم الاتصال مع الشركة المتحدة للصناعات الكيميائية (أعلاف) لبيعها 10 آلاف طن من حمض الكبريت وبسعر 7500 ليرة للطن الواحد من قبل مدير معمل ت- س ب والحديث مع المدير العام المهندس اليان زمار وطلب الأخير من الشركة المذكورة بيعها الكمية بسعر 7800 ليرة للطن الواحد علما انه لدى الشركة تعليمات بالبيع بأقل من التكلفة تفاديا من زيادة المخازين وتوقف خطوط الإنتاج مع العلم أن سعر التكلفة لطن حمض الكبريت حسب دراسة الشركة تقدر بمبلغ 6878 ليرة وبسعر البيع المذكور سابقا تكون الشركة حققت ربحا بالطن الواحد يقدر بنحو 622 ليرة (أي حوالى 6.5مليون ليرة بالكمية) إلا أن الشركة المتحدة رفضت عرض مدير عام الشركة وبالتالي فوت الأخير فرصة الربح على الشركة وتوقف خطوط الإنتاج عن العمل وزيادة حلقات التخزين.
إلا أن الشركة عاودت الاتصال بالمتحدة لبيعها الكمية المذكورة بفاكسها 2186 تاريخ 13/6/2010 وبسعر 7500 ليرة ولكن الشركة رفضت الاستجرار بحجة أنها تعاقدت مع شركة أجنبية لشراء حاجتها إضافة لسوء تصرف مدير شركة الأسمدة معها مع العلم أن المؤسسة على علم بموضوع الاتفاق المذكور بموجب الكتاب رقم 2234 تاريخ 16/6/2010 وانعكاساته الايجابية والسلبية في كلا الحالتين وبالتالي المؤسسة بكتابها رقم 50/3839 طلبت من الأسمدة بيع حمض الكبريت ضمن حدود التكلفة وبما يضمن استمرار عمل معامل الشركة وتمت المراسلة مرة أخرى مع المتحدة لبيعها كمية 7 آلاف طن وبسعر 6887 ليرة للطن الواحد أي بسعر التكلفة بعد أن قدم ربحا مقداره 622 ليرة للطن في العرض الأول إلا أن المتحدة قدمت عرضها بسعر 6300 ليرة وبالسعر نفسه الذي اشترت به من الشركة الأجنبية الأمر الذي أدى لفقدان الشركة 1200 ليرة في كل طن مع رفض المتحدة للعرض الثاني وهناك الكثير من التساؤلات والاستفسارات وحده مدير عام الشركة المهندس اليان يستطيع الإجابة عليها..؟.
لماذا لم ينفذ العقد؟
والأمر الآخر الذي يثير الكثير من التساؤلات أيضا عدم تنفيذ العقد المبرم مع الشركة اللبنانية لاسكو لبيع الأسمدة الفوسفاتية واليوريا وبأسعار اقل من التكلفة الفعلية مع العلم أن توجيهات المؤسسة البيع بحدود التكلفة فقط وعلى الرغم من ذلك فإن الشركة لم تستجر أية كمية من مضمون العقد مما زاد في حجم المخازين وزيادة سلسلة الخسارات نتيجة توقف المعامل عن الإنتاج.وبالتالي تفيد مصادر الشركة أن معامل الشركة متوقفة عن الإنتاج لأكثر من شهر ومازال الأمر على حاله حتى هذا التاريخ وقدرت الخسارة الناجمة عن توقيف خطوط الإنتاج وقسم حمض الكبريت بأكثر من 500 مليون ليرة إضافة للخسائر المذكورة سابقاً.
المؤسسة خارج المسؤولية
المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية باعتبارها جهة وصائية على الشركة فقد أوصت في مذكرتها للشركة بضرورة الالتزام بإجراءات المؤسسة لمعالجة المخازين المتراكمة والتي ساهمت في صدور العديد من التوصيات عن اللجنة الاقتصادية والمقترنة بموافقة رئيس مجلس الوزراء وخاصة التوصية رقم 28- 3–8 / 2009 ورقم 29 تاريخ 10/8/2009 وتوصية رقم 26- تاريخ 7/6/2010 حيث تضمنت هذه التوصيات إعطاء الصلاحيات للجان الإدارية في الشركات ببيع منتجاتها القديمة والجارية بالأسعار التي تراها مناسبة وعلى مسؤوليتها وبيع الأسمدة في جميع المحافظات والسماح لها بالتصدير والموافقة على موزع حصري لتوزيع الأسمدة. وبالرغم من ذلك في رأي المؤسسة أن الشركة إجراءاتها لم تكن بالمستوى المطلوب لتصريف المخازين وتحميل فشلها لجهات أخرى لذلك فان المسؤولية تنحصر في إدارة الشركة وعليها اتخاذ كافة الإجراءات المطلوبة لتصريف المخازين وتنشيط عمليات التسويق بما ينسجم مع التوصيات المذكورة وبما يحقق استمرار العمليات الإنتاجية.
في رسم وزير الصناعة
ثمة قضايا كثيرة تثير الكثير من التساؤلات حول أمور تتعلق بعمل الشركة وإدارتها وكيفية اتخاذ القرارات في معالجة المخازين وحالات الاختناق التي تشهدها في خطوطها الإنتاجية في مقدمتها:
- ما مبررات عزل الإدارة السابقة بعد أن شغلت الشركة بطاقاتها التصميمية لأول مرة منذ إحداثها والوصول بالهدر إلى مستويات الصفر بعد أن كانت تقدر قيمتها بمئات الملايين سنويا إضافة إلى التخلص من المخازين وتصريف المنتج المباشر..؟
- ما مبررات استيراد الأسمدة الأحادية وإغراق السوق المحلية منها مع العلم أنها مخالفة للمواصفات وسيئة للتربة وانخفاض المردودية الزراعية لها..؟
- قيام الشركة بنشر إعلانات ببيع الأسمدة بسعر التكلفة للمواطنين وانتهاء المدة المحددة لدراسة الطلبات ما أدى إلى عدم بيع أي مواطن..؟
- ما مبررات حصر تصريف الإنتاج بتاجر واحد وتنصل الأخير من تصريف منتجات الشركة الأمر الذي ساهم في زيادة المخازين وتوقف الشركة وترك التاجر دون أي حساب يذكر من إدارة الشركة الحالية..؟
- ما مبررات مدير الشركة المهندس اليان زمار في تفشيل عقد شركة المتحدة الذي يحقق أرباحاً للشركة وبيعها المنتجات في الوقت الذي يسعى فيه للبيع بأقل من التكلفة..؟
- لماذا تقوم الشركة باستجرار كميات كبيرة من الكبريت علما أن الشركة متوقفة عن الإنتاج وتعاني أزمة تسويق ومخازين والاهم من ذلك قيام الإدارة بتكليف المتعهد بربع أعمال العقد علما ان كميات الكبريت فائضة عن الحاجة وأن مدير الحسابات (أمين مستودع المواد الكيميائية) بين في مذكرته أن رصيد الكبريت أرض الشركة 150 ألف طن عند التكليف في حين أن المسموح عند إعادة التكليف لمادة الكبريت هو 100 ألف طن إضافة لوجود 24 ألف طن من الكبريت المخالف وطلبت شركة الأسمدة من المصافي عدم توريدها للمادة المذكورة وبالتالي ما هي مبررات هذا التكليف..؟
- والسؤال الأكثر أهمية لماذا تم تفشيل الإعلان عن استبدال وتغيير نظام أجهزة وتعبئة الأسمدة في أكياس النايلون وبالمواصفات التي يحددها التاجر والتي كانت حكرا عليه (كواحد أحد..!) يتحكم بالشركة بالصورة التي يراها مناسبة مع أعوانه فيها في الوقت الذي يحقق فيه النظام الجديد مئات الملايين من الليرات شهريا كانت تذهب لقلة قليلة على حساب الشركة والوطن..؟
- ما أسباب لجوء الإدارة الحالية لتعيين موظفين مبعدين تفتيشياً وعدم تسليمهم أي مناصب إدارية في الشركة..؟
كل هذه الأسئلة بل هناك الكثير منها حول مصير الشركة والطريقة التي تدار بها العملية الإنتاجية والتسويقية نضعها في اهتمام السيد وزير الصناعة للبحث فيها والبت في أمورها من أجل حل المشكلات وتفادي خسائر متجددة وبالتالي فإذا كانت على علم بما يحدث في الشركة حسب المعلومات المتوافرة لدينا فهي مصيبة كبيرة وإن لم تدري فهي المصيبة الأكبر..!
سامي عيسى
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد