«العشق الدمشقي» «اقتراح» وثائقي لسيرة نزار قباني
ما الذي يمكن أن يقوله وثائقي «العشق الدمشقي» عن الشاعر الراحل نزار قباني في خمس وعشرين دقيقة، لعلّها المغامرة بعينها، فالرجل أكبر من أن يُختصر بسيرة، وسيرته أكبر من ان تختصر بوثائقي.. ولعلّ البحث عن أجوبة للسؤال السالف كان أكثر ما يؤرق معدّي الوثائقي، الذي عرضته «الجزيرة الوثائقية» مساء أمس الأول الخميس ضمن سلسلتها «بصمات» التي تُعنى بتقديم سير أشخاص كانت لحضورهم بصمات حقيقية في حياتنا..
ومع تتالي دقائق الوثائقي سرعان ما بدا أن معدّيه اختاروا في النهاية الابتعاد من روي تقليدي ومتسلسل لسيرة الشاعر السوري الراحل، مقتربين في المقابل أكثر من روح الحالة النزارية، إن صحّ التعبير، وتجليات الرجل في ذاكرة محبيه... فجاء الوثائقي ببساطة وغنى المعنى اللذين انطوت عليهما لغة نزار، حين التقط حوادث بعينها من سيرة الشاعر الراحل، ولا سيما لجهة علاقته بدمشق والمرأة.. وشرّح قصيدته وترك المجال لتقدّم نفسها بنفسها عبر توليفة متنوّعة من شعر نزار بصوته، وفضلاً عن عدد من قصائده الأخرى المغناة.. وانطلاقاً من مشهد جنازته في دمشق، يختار الوثائقي محطات مهمة في حياة قباني، فينتقل عبر قصائده التي تغنّى بها بمدينة دمشق ليروي سيرة الطفل نزار وعائلته الدمشقية، وسريعا يقدّم مشاهد تمثيلية لحكاية لموت أخته المفجوعة بقصة حبّ لم تكتمل، وهي الحادثة التي ستؤثّر لاحقاً بمسارات نزار الحياتية ولا سيما لجهة قناعاته تجاه الحب والمرأة.. تالياً يلاحق الوثائقي تفاصيل حياتية لنزار عبر شهادات سريعة لعدد من مجايليه ودارسي قصيدته من باحثين ونقاد فنيين، ويتوقّف هؤلاء عند تكوين القصيدة النزارية وما حملته من استشراف المستقبل في المعنى والشكل.. لينتهي الوثائقي بإطلالة للكاميرا على مدينة دمشق بامتداد عمارتها بعد وقفة مؤثرة مع الأيام الأخيرة التي سبقت موت الشاعر.
وبالإضافة إلى اعتماده بشكل كبير على الأرشيف المصوّر لقصائد نزار بصوته وتلك المغناة، اجتهد وثائقي «العشق الدمشقي» في تقديم صورة تعادل المضمون، فقدّم مشاهد تمثيلية لحادثة موت أخته، وتجوّلت كاميراته في مدينة دمشق القديمة، في وقت بدا واضحاً تركيزه على تنقيط ماء من «صنبور» سبيل ماء دمشقي قديم، ومزاوجة هذا المشهد مع مشاهد لنقاط «السيروم» الطبي تندفع في أنبوب شفاف إضافة إلى ارتفاع وانخفاض «مضخة أوكسيجين» في رؤية رمزية للحظات الأخيرة التي سبقت رحيل نزار.
وما يؤخذ على الوثائقي، وربما يبدو غريباً، هو غياب أفراد عائلة نزار قباني بالكامل عنه، فما من شهادة ظهرت لأيّ منهم وسط كم الشهادات الكثير نسبياً (شهادات لست شخصيات)، إذا ما قيس الأمر بدقائق الفيلم الخمس والعشرين.. ولعلّ في كثرة عدد أصحاب الشهادات ما يشي بمحاولة معدّي الفيلم تعويض غياب أفراد العائلة.. واستبعاد احتمال تغييبهم.
ويمكن اعتبار وثائقي «العشق الدمشقي» مجرد اقتراح لشكل تلفزيوني تُقدّم عبره شخصية نزار، لا النموذج الأمثل والكامل لتقديم شخصيته.. ونكاد نجزم أنّ في حياة الرجل من محطات مهمة أغفلها الوثائقي وهي أكبر من ان تحصر في وثائقيات عديدة عن نزار.
يذكر أنّ الوثائقي أعده الزميل علي الكردي، وأخرجه الزميل مهند ماهر، ونفّذته لصالح «الجزيرة الوثائقية» شركة «الليث للإنتاج الفني» السورية.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد