غرس الأسنان حلم أصبح حقيقة
قلما يمر يوم دون أن يسأل الطبيب عن غرس الأسنان، ومدى نجاحه... حيث تعرّض هذا العلم الجديد كغيره من العلوم الحديثة الى تيارات مؤيدة، وأخرى معارضة ، كما تعرّض الى نقد ظالم وغير موضوعي... وتراوحت آراء بعض الأطباء بين التفاؤل المفرط الى العداء المجحف.
وتعزى هذه الانتقادات وهذا الرفض الى بعض الممارسات الخاطئة التي طالت عملية غرس الأسنان من قبل بعض الأطباء، وخاصة في مرحلة البدايات، وهذا ما سبب النقد والتشكيك والرفض لغرس الأسنان.
ولحسن الحظ فإن التطور الذي طرأ على تصاميم الغرسات، والأجهزة الطبية المستعملة، والفهم العلمي للنسج الحاملة للغرسات، وتنامي الخبرة عند الأطباء، ساعد كثيراً في عودة الثقة الكاملة لغرس الأسنان.
وبذلك أصبح غرس الأسنان حقيقة واقعية، واكتسب الشرعية الطبية الكاملة كمبدأ علاجي وتجميلي، ووصل الى شاطئ الأمان، بعيداً عن النقد والتشكيك، بعد الدراسات العلمية، والأبحاث المخبرية، والتطبيقات العملية..
في لقائنا اليوم نلقي الضوء على كل ما يتعلق بغرس الأسنان من مهده الى مستقبله، عبر استضافة أطباء اختصاصيين، ليضعونا في صورة هذا العلم الجديد، والضيف العزيز، الذي دخل ساحاتنا الطبية.. وأعاد الابتسامة المشرقة والجميلة للجميع.
تاريخ غرس الأسنان
الاستاذ الدكتور صفوح البني نقيب أطباء الأسنان في سورية والأستاذ في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق والقلمون.. قال عن بداية وتاريخ غرس الأسنان: تناول غرس الأسنان حضارات البابليين والفراعنة والصينيين وغيرهم، وتحدثت أيضاً عنه الحضارة العربية.. ولعل من أشهر الأطباء العرب الذين كتبوا عن هذا الموضوع أبو القاسم الزهراوي، حيث قال:«الأسنان التي خلعت لصدمة إذا ما ثبتت في سنخها ستلتحم»، وتعرّض لموضوع غرس الأسنان فقال: «الفراغات المتراكمة بين الأسنان المقتلعة يمكن إملاؤها بأسنان اصطناعية مصنوعة من عظم البقر».
أما في الوقت الحاضر فقد حدثت تغيرات جذرية وثورية بالمواد وبتصاميم الأجهزة المستعملة في حقل غرس الأسنان، مع حدوث فهم علمي أفضل للنسج اللثوية.
ففي عام 1950 شهد هذا العلم إيجاد الغرسة تحت السمحاق، وفي عام 1967 تم اختراع الصفيحة المعدنية.... وشهد غرس الأسنان من منتصف السبعينيات تطوراً سريعاً وملموساً، بسبب البحوث العلمية المكثفة، وكان لنجاح عمليات غرس الأسنان أثر مهم في انتشارها المتزايد يوماً بعد يوم، وأصبحت الفرحة لاتوصف بسبب التوصل الى اكتشاف الأسرار الدفينة بفضل العالم السويدي (برنمارك) الذي أثبت إمكانية التحام البرغي المصنوع من معدن التيتانيوم مع العظام بشكل صحي، وذلك عام 1970م.
وهكذا بات حقل غرس الأسنان يوحي للطب العام بابتكارات في عالم الزرع كان ينشدها، فاقتدى بما حققه طب الأسنان من نجاحات باهرة.
وقد يجهل البعض أن عملية زرع الأسنان كانت أسبق من عمليات زراعة القلب والكلى، ويمكن أن نعزو هذا الجهل الى أن زراعة الأسنان أقل إثارة بالنسبة للناس من زراعة القلب، وذلك لأن أهمية الأسنان بالنسبة للحياة الإنسانية لا ترقى الى أهمية القلب والكلى... إلا أن الأسنان تحظى باهتمام خاص من قبل أطباء الأسنان لأهميتها من الناحية الصحية، ومن قبل الناس لأهميتها الجمالية.
المشكلات التي حلّها غرس الأسنان
وعن المشكلات التي قام غرس الأسنان بحلها التقينا الأستاذ الدكتور صفوان جابر رئيس الجمعية السورية لغرس الأسنان والاختصاصي بجراحة الفم والوجه والفكين الذي قال: يطبق غرس الأسنان في حالات عدة، حيث يستعمل للتعويض عن فقدان سن واحدة أو أكثر، كما ويفيد الغرس في التعويض عن فقدان عدد من الأسنان الخلفية، ما يغني عن تركيب جهاز سني متحرك، والذي كان الحل الوحيد في السابق، وأخيراً يمكن لغرس الأسنان أن يعوض عن فقدان كامل أسنان أحد الفكين أو كليهما، وهذا يغني عن تركيب أطقم الأسنان العادية، ويتم ذلك بإحدى الطريقتين:
- جسر ثابت لتعويض كامل أسنان الفك غير قابل للنزع.
- جسر ثابت قابل للنزع، يستند على النسج اللثوية، ويعتمد في ثباته واستقراره على عدد من الزرعات.
وعبر ما سبق يحصل الإنسان على تعويضات ثابتة وجميلة كأسنانه الطبيعية، ويستعيد ثقته بنفسه، كما يستعيد قدرته على مضغ الطعام والكلام براحة ودون قلق، وممارسة الحياة الاجتماعية بشكل طبيعي.
ففي كثير من الأحيان تلعب الناحية النفسية دوراً مهماً في حياة الفرد، فالشخص الذي قلعت أسنانه وعوّض عنها بطقم تقليدي عادي ينزعه من فمه ويعيده يشعر بنقص شديد، ويصنف نفسه في عداد الشيوخ، وإن كان لا يزال في ريعان الشباب، وتبدو على وجهه دائماً مسحة من اليأس والشيخوخة، ناهيك عن الانزعاجات التي يسببها طقم الأسنان لصاحبه، وقد يجعل من عيادة طبيب الأسنان طريقاً لنزهة غير جميلة لحك بعض أجزاء الطقم ومرةأخرى لتوسيعها، وثالثة لتضييقها،ورابعة لتصليحها اذا انكسرت، أو سقط أحد أسنانها.
ومن المعروف أن الكثيرين من الأشخاص يتجنبون النشاطات الاجتماعية لتأثير وضع طقم الأسنان النفسي عليهم، ما يدفعهم الى العزلة الشديدة.
مراحل غرس الأسنان
أما عن مراحل غرس الأسنان فحدثنا الأستاذ الدكتور عيسى وهبة رئيس قسم جراحة الفم والوجه والفكين بجامعة دمشق قائلاً: تتم عملية غرس الأسنان تحت التخدير الموضعي ولا يصاحبها أي ألم أثناء الغرس، ولكن بعد الانتهاء من العملية قد يحصل انتفاخ بسيط في المنطقة المحيطة بالغرس وألم، وهذه الأعراض تتم السيطرة عليها بتناول بعض المسكنات، كما أن هذه الأعراض لا تلبث أن تزول خلال أيام.
مراحل غرس الأسنان: معظم طرق غرس الأسنان تكون على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: والتي يقوم فيها طبيب الأسنان المختص بعمل شق بسيط في اللثة ليكتشف العظم في مكان السن المفقود ثم بعد ذلك يقوم بعمل حفرة في هذا المكان بشكل يتناسب مع شكل وطول غرسة التيتانيوم التي ينوي غرسها في عظم الفك، وبعد وضع غرسة التيتانيوم يقوم الطبيب بإغلاق الشق.
المرحلة الثانية: وهي أهم مرحلة، وبناء عليها يعتمد نجاح الغرسة أو فشلها وهذه المرحلة تعتمد على المريض فقط وعلى مدى عنايته بفمه والتزامه بجميع الاحتياطات التي أوصاه الطبيب بها، ففيها تتم عملية الالتحام العظمي بين غرسة التيتانيوم وعظم الفك وهي تستغرق ثلاثة أشهر في الفك، السفلي وستة في الفك العلوي.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الأخيرة والتي تعتمد على نجاح المرحلة الثانية فبعد أن يتأكد طبيب الأسنان من التحام الغرسة بالعظم بشكل صحيح، وذلك بأخذ الأشعة اللازمة، يقوم بعمل طبعات جبسية وقياسات مثل تلك التي تعمل مع التركيبات الثابتة والمتحركة العادية لعمل التركيبة النهائية المطلوبة.
الإجراءات والنصائح بعد عملية الغرس
وعن الاجراءات والنصائح بعد عملية غرس الأسنان حدثنا الأستاذ الدكتور عصام خوري أستاذ جراحة الفم والوجه والفكين بجامعة دمشق قائلاً:
- يطلب من المريض وضع كمادات باردة على وجهه مقابل منطقة العمل الجراحي خلال 6-8 ساعات الأولى، بحيث يضعه ويرفعه لمدة 5 دقائق بالتناوب.
- يوصى المريض بتناول حمية من الأغذية الطرية(سوائل- شوربة- عصائر) لمدة يومين على الأقل.
- يعطى الصادات الحيوية لمدة سبعة أيام ابتداء من يوم العمل الجراحي.
- يمكن استخدام مسكن قوي في اليوم الأول، واتباعه بمسكن خفيف في الأيام التالية.
- يطلب من المريض أن يراجع العيادة بعد ستة أيام لإزالة قطب الخياطة.
وبعد أن يقوم الطبيب بتركيب التيجان والجسور فوق الغرسات يجب على المريض عدم إهمال صحة الفم والأسنان والمراجعة الدورية لطبيب الأسنان لإجراء التنظيف الدوري للأسنان ، وكذلك إجراء أشعة للتأكد من سلامة الأنسجة العظمية المحيطة بالغرسات السنية.
الغرس الفوري بعد القلع
أما عن الغرس الفوري بعد القلع فحدثنا الدكتور رفعت الكبيسي نائب رئيس الجمعية السورية لغرس الأسنان والاختصاصي بجراحة الوجه والفم والفكين قائلاً: يقوم الغرس الفوري للأسنان على وضع الغرسة مباشرة بعد قلع السن.. والفائدة الأساسية من وضع الغرسات مباشرة بعد القلع هو تجنب تضيق السنخ السني، والذي يحصل بشكل طبيعي بعد قلع السن، الأمر الذي يؤدي إلى امتصاص في العظم الذي نحتاج إليه للغرس، إضافة لذلك فإن عملية الغرس الفوري تختصر الوقت اللازم لإنهاء العمل الصناعي، حيث يتم شفاء الجرح مرة واحدة من القلع ومن عملية الزرع.
ومن شروط نجاح الغرس الفوري كون الأنسجة الصلبة (العظم) والنسج الرخوة ( اللثة ومخاطية الفم) من النوعية الممتازة، وكذلك الحالة العامة للمريض. وقد شاع الزرع المباشر في الآونة الأخيرة وخصوصاً في المناطق التجميلية الأمامية من الفك أي منطقة القواطع والأنياب والضواحك الأولى.
والخلاصة: إذا توافرت الشروط اللازمة والاستطبابات المناسبة فإن عملية القلع والغرس المباشر ستوفر على المريض وعلى الطبيب ضرورة اللجوء إلى عملية ثانية نقوم بها عادة لوضع الغرس، فعوضاً عن عملية قلع السن ومن ثم بعد ثلاثة أشهر عملية وضع الغرسة.. هنا العمليتان يتم القيام بهما في آن واحد ويمكن في الحالات التي يتم فيها زرع عدد قليل من الأسنان، التي لا تتعرض لقوى إطباقية أن يتم تحميلها في الوقت نفسه، بتيجان مؤقتة لتأمين الشكل الجمالي، إلى حين ثبات الغرسة وتركيب التاج الدائم عليها.
نسبة نجاح غرسات الأسنان
وعن نسبة غرسات الأسنان أضاف الدكتور عصام خوري قائلاً: نظراً للتقدم الكبير والمستمر في طرق وعمليات غرس الأسنان والتطور الهائل في المواد المستخدمة، نجد أن نسبة النجاح عالية جداً، تصل إلى 95٪ في الفك السفلي ، 90٪ في الفك العلوي.
ويعتمد نجاح غرس الأسنان على عوامل عدة أهمها :
- التشخيص الجيد لكل حالة.
- اختيار الزرعة المناسبة لحجم وكثافة العظم، ودراسة القوى الإطباقية ومدى شدتها.
- أن يتم غرس الأسنان على يد اختصاصي متمرس.
- أن يتم العمل الجراحي في جو ذي تعقيم شديد.. لأن الإنتان هو أحد الأسباب الرئيسية لفشل الغرسات.
- الصحة الفموية الجيدة شرط أساسي لنجاح عملية الغرس.
ويمكننا القول: إن غرس الأسنان حل مضمون على المدى البعيد، فقد أثبتت الدراسات التي أجراها البروفيسور برنمارك أن هذه الغرسات تستطيع البقاء مدة تزيد على عشرين سنة دون أي خلل.
مضادات استطباب غرس الأسنان
وعن مضادات استطباب غرس الأسنان التقينا الدكتور محمد شمس الدين عضو الهيئة التعليمية بكلية طب الأسنان بجامعة دمشق والاختصاصي بجراحة الفم والوجه والكليتين الذي قال: إن غرس الأسنان كغيره من المعالجات يقابل بمضادات استطباب.. حيث يعتمد قرار وضع الغرسة أو الغرسات بالدرجة الأولى على الحالة الصحية العامة والوضع النفسي والعادات الخاطئة عند المريض.
ونستبعد من عمليات غرس الأسنان الحالات المرضية التالية: جميع أنواع القصورات التاجية - خناق الصدر - احتشاء العضلة القلبية - الرثية المفصلية - القصور الكلوي الحاد - مرضى السكري المعتمدين على الأنسولين ومستوى السكر عندهم غير متوازن (متذبذب) - مرضى الإيدز - أمراض الدم (إبيضاض الدم الحاد والمزمن- مرضى الناعور) - فرط نشاط نظائر الدرق - أمراض العظام (التشكل العظمي المصيب- مسامية الفطم-لين العظام داء باجيت) - الصرع، لأن القوى التي تطبق خلال النوبة يمكن أن يكون لها تأثير رضي شديد على الأسنان المغروسة، ومعظم هؤلاء المرضى يعالجون ب (ديلانتين الصوديوم)، والذي يحدث ضخامة لثوية، والتي تحدث فقط عند وجود أسنان - السرطانات: حيث نستبعد المرضى المصابين بالأمراض الخبيثة، إذ إن الكثير من المرضى الذين يعانون من الأمراض الخبيثة يخضعون للمعالجة الشعاعية أو الدوائية أو الجراحية أو كلها جميعاً.. وإن المعالجة الشعاعية والدوائية تؤثر على التركيب الفيزيولوجي للجسم، مع نقص في مقدرة الجسم ليحمي نفسه من العوامل المسببة للإنتان.
وأخيراً: «نستبعد المرضى الذين عندهم عادات سيئة مثل: التدخين المزمن: ولابد للمريض من الامتناع عن التدخين على الأقل في الأشهر الأولى من وضع الغرسات إلى أن يتم التحامها بشكل صحيح مع العظم» - تناول الكحول - قضم الأظافر والأقلام - مضغ التبغ - صريف الأسنان.
-ويعدّ المريض غير المستقر نفسياً أو الذي يمر بمرحلة العلاج النفسي مرشحاً ضعيفاً لمثل هذه التعويضات.
-كما أن عدم تقدير المريض لأهمية الغرسات السنية، والتمادي في إهمال صحة الفم تعتبران أيضاً من مضادات استطباب الغرسات السنية.
العمر الملائم لغرس الأسنان
أما عن العمر الملائم لغرس الأسنان فحدثتنا الأستاذة الدكتورة فادية ديب عضو الهيئة التدريسية بجامعة البعث ورئيسة اللجنة العلمية في نقابة أطباء الأسنان في سورية قائلة: يبدأ العمر المناسب لغرس الأسنان من عمر 18 سنة كحد أدنى، وفي هذا العمر يكون نمو عظام الفكين قد انتهى تقريباً، وأصبحت مهيأة لاستقبال الغرسة السنية، دون الاضطرار إلى القلق حول مصيرها ومصير التعويض فوقها، في حالة النمو المستمر لعظم الفك.
أما حد العمر الأقصى لغرس الأسنان فهو عملياً غير موجود، ويتم تقييم الحالات بشكل فردي عند المتقدمين بالعمر من ناحية حالتهم الصحية العامة ومدى إصابتهم بالأمراض المرافقة.
ويعتمد اختيار الحالات المناسبة لغرس الأسنان على كمية ونوعية العظم الموجود في مكان السن المفقودة.. حيث يعدّ عظم الفك العامل الأساسي الأول في تقييم ونجاح الحالة.
ختاماً
إن علم غرس الأسنان هو علم حديث.. إذ لايتجاوز عمره الفعلي خمسين سنة و قد حقق خلال عمره القصير قفزات نوعية مهمة، وأصبح حالياً يشكل حيزاً كبيراً من المعالجات التعويضية والتجميلية.
وإن من عوامل نجاح غرس الأسنان تفهم المريض وقبوله وقناعته ورغبته من جهة، والاستطباب الصحيح وخبرة الطبيب من جهة أخرى.
هذا وإن لنوع الغرسة والمواد المصنوعة منها أهمية قصوى في نجاح المعالجة، كما أن المحافظة على الصحة الفموية هي العامل الأكثر أهمية في الحصول على نتيجة ناجحة للغرسات.
ويجب أن نقوم بغرس الأسنان على الأشخاص البالغين والأصحاء، وذلك بعد الكشف الطبي الكامل واطلاعهم على منافع الغرسات السنية وأسباب فشلها وطرق العناية بها.
د. محمد منير أبو شعر
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد