مكافحةالإيدزفي سوريةتراعي الخصوصيةوالفحص اختياري للمواطنين
خطر، حاذر الاقتراب، حاذر حتى اللمس...ابتعد، اتركه وحيداً يواجه عزلته المحتومة، اتركه يواجه غربتنا اللامبالية عن حقيقة حاله، عن آلامه المبرحة وقهره... هو اختار أن يخطئ فوقع ضحية إثمه وضعفه... تجنبه فهو موصوم بالفيروس العار!
الإيدز أو نقص المناعة المكتسبة فيروس يصيب مناعة جسم الإنسان ويضعفها تدريجاً، فيجعل المصاب به عرضة لأمراض انتهازية وسرطانية، ما يؤدي أحياناً كثيرة إلى انهيار الجهاز المناعي والموت. وأظهرت احصائات حديثة لوزارة الصحة السورية، نشرتها الصحف الرسمية الشهر الفائت، تسجيل 70 إصابة جديدة بالإيدز، 40 منها لمواطنين سوريين، ليصبح إجمالي عدد الإصابات في البلد مع نهاية السنة المنصرمة 627 حالة. نحو 344 من اصحابها سوريون (78 في المئة ذكور)، واحتلت محافظة دمشق المرتبة الأولى في عدد الإصابات، تلتها محافظة حلب. وتوزعت طرق العدوى بين العلاقات الجنسية خارج الزواج بغالبية كبيرة وصلت إلى 56 في المئة، والممارسات المثلية بنسبة 12 في المئة، ثم تعاطي المخدرات ثم الحمل فالإرضاع. وسجلت الإصابات الناجمة عن عمليات نقل الدم نسباً لا تذكر. وفي الواقع يتنقل مرض الإيدز عبر ثلاثة طرق أساسية، هي: الاتصال الجنسي، من الأم الحامل إلى الجنين، والتعرض لدم ملوث بالفيروس.
من منكم بلا خطيئة
يرتبط مرض الإيدز في مجتمعاتنا بشبهات الدعارة والشذوذ الجنسي والفحشاء والممارسات الجنسية «الحرام»، خارج إطارالعلاقات الزوجية، وبضبابية الوعي بأخطاره وأعراضه، ما يثير هلع قسم كبير من المجتمع السوري، واشمئزازاً واحتقاراً... لتبقى الحقيقة مقيدة بتردد الاعتراف بالمشكلة، وتظل المعاناة حبيسة تقرحات صدور المرضى وأجسادهم وقلوب أحبائهم. وهو الأمر الذي كرّس تبني فكرة الحجر الصحي، حتى في بعض الأعمال الدرامية التي سبق وعالجت موضوع هذا المرض، فغدت الصورة عن مريض الإيدز بشعة، وبتنا نراه معزولاً في بيته، أسير ملامة أهله وأقاربه وأصدقائه (إن بقي أحد منهم)، أو منبوذاً داخل حُجر، لدرء خطر انتشار الفيروس القاتل.
تقرير برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز لـ 2008 يكشف بلوغ العدد المقدر للمتعايشين مع الإيدز حول العالم 33.2 مليون شخص في نهاية 2007! وعلى رغم انخفاض نسب الإصابات محلياً، مقارنة بدول مجاورة، لا تزال درجة الوعي بهذا الفيروس الذي يمكن أن يتحول إلى وباء، متدنية نسبياً في سورية. ولا يزال كثيرون يعتقدون بأن الإيدز يمكن أن ينتقل كما الانفلونزا نتيجة أنواع مختلفة من التواصل الاجتماعي اليومي، كالمصافحة أو الملامسة أو التقبيل أو السعال أو العطاس، أو حتى تشارك أدوات الطعام. ولايزال كثيرون يهربون فزعاً من مريض الإيدز، لمجرد التفكير بأنه بؤرة خطرة ستنقل لهم هذا المرض الغامض عبر الهواء، بل ويذهب الأمر إلى أكثر من ذلك، فثمة أطباء، ومن بينهم أطباء أسنان، يتهربون بفظاظة من معالجة مريض إيدز تحت وطأة الجهل وكابوس انتقال العدوى!
والحق أن أعراض هذا المرض، خصوصاً في المراحل الأولى، لا تبدو واضحة على المصابين. ويكون لحاملي فيروس الإيدز فرصة أن يعيشوا سنين طويلة، وهم يتمتعون بصحة جيدة وحياة شبه طبيعية، إذا ما واظبوا على العلاج الطبي المناسب. ولكنهم غالباً ما يعيشون موصومين بـ «عار ذنبهم»، ويتحملون المعاناة مضاعفة. حتى أولئك الذين هم ضحايا أبرياء، كالزوجة التي تصاب بالعدوى من زوجها «بالحلال» أو الشاب الذي استقبل الفيروس نتيجة نقل دم أثناء جراحة... لا ينالون، بدورهم، أي شفقة أو دعم، بل تغلق معظم فرص العمل أبوابها أمامهم، وتمتنع عيادات طبية عادية ومحال حلاقة ومطاعم كثيرة عن استقبالهم، ليصبح «الموت أهون من عيش العوز المادي والمعنوي»، كما يؤكد بعض من يعيشون هذه التجربة. وسائل إعلام تناقلت بخجل حوادث عن مرضى بالإيدز حاولوا الانتحار هرباً من ألم داخلي تعززه ضغوط خارجية لا ترحم، ولكنها (أي وسائل الإعلام) بقيت مقصرة عن فتح الفرصة أمام هؤلاء المرضى للتعبيرعن أنفسهم وتقديم وجهة نظرهم كضحايا في حاجة إلى دعم نفسي واجتماعي، ضحايا ولكنهم قادرون على الاختلاط بالمجتمع من دون إيذائه.
محاولات
خصوصية هذا المرض ونسبه المتزايدة حفّزت استجابات مختلفة حول العالم وفي بلدان مجاورة وصلت إلى حد تطوير حلول طبية لتمكين المريض من الزواج والإنجاب من دون نقل العدوى، والمطالبة بتبني قانون يحمي حقوق المواطَنة لمرضى الإيدز ويكفل لهم فرص عمل آمنة لهم ولمن حولهم، كما في دول الخليج مثلاً، بينما تعاملت سورية مع خطر فيروس نقص المناعة المكتسبة بطريقة مختلفة، ومن خلال «البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز» الذي بدأ نشاطه في 1987، بالتعاون مع منظمات وهيئات أهلية ودينية إضافة إلى منظمات عالمية مختصة.
وعلى رغم أن الحديث عن هذا المرض ومسبباته وطرق الوقاية منها، وفي شكل خاص الترويج لاستخدام الواقي الذكري لا يزال نسبياً ضمن المحرمات والخطوط الحمر المرتبطة بالجنس التجاري، لدى كثيرين من المواطنين والإعلاميين والسلطات، يوجد في سورية اليوم نحو 14 مختبراً تحليلياً مركزياً موزعة على المحافظات، إضافة إلى مراكز دعم ومشورة تشهد إقبالاً متزايداً، بحسب كتيبات البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز. وتقدم الدولة العلاج مجاناً، علماً أن كلفته الشهرية تتجاوز 400 دولار لكل مصاب.
ويـقدّم الـعلاج سـرّاً على اساس المبادرة الاختيارية، ليُطرح السؤال: كيف تصل الرسالة إلى المواطنين طالما أن اختبار الإيدز طوعي للسوريين، وإجباري فقط للأجانب الراغبين في الإقامة أو العمل في البلد؟ ومن يكفل أن لا يقع المرضى المجهولون أو حتى الأصحاء المعرضون للخطر ضحايا الجهل والإهمال؟
بحسب وزارة الصحة السورية، يعمل البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز اليوم في شكل موازٍ على خطة وقائية هدفها منع انتشار المرض وخفض نسب الإصابة، وفي شكل أساسي على الترويج لسياسات أفضل ونشر مصادر معرفة وتثقيف صحي في المدارس والمؤسسات المعنية الأخرى، لتحفيز تغيير في السلوك الفردي، وللحد من الإصابة بالعدوى.
وذلـك بـالـشراكة مع وسائـل الإعـلام، فـي سـبيل الوصـول إلـى كل فـئات الـمجتمع، وفي شكل أسـاسي الفئات الأكثر عرضة لأخطار المرض، التي يمكن أن تتحول إلى بؤر عـدوى، وبـخاصة إذا تلازمت مع الشذوذ الجنسي أوتعاطي المخدرات أو الدعارة.
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد