طلاب الإعلام السوريون يتغلبون على ضعف الإمكانيات بأفكارخلاقة
لا يمكن الأستاذة في قسم الإعلام في جامعة دمشق د. نهلة عيسى أن تدعي قدرتها على ملء الفراغ الذي يحدثه غياب معهد عال مختص بالإخراج السينمائي في الوسط الفني السوري، ولكنها على الأقل تدفع طلابها باتجاه خوض تجارب تصوير أفلام قصيرة وثائقية وأخرى درامية، فضلاً عن إنجاز أعمال إذاعية وتقارير تلفزيونية وأخرى مكتوبة تمتلك الحد الأكاديمي الأدنى الذي يجعل من التجربة «فاتحة شهية» لمشاريع احترافية في أي من تلك المجالات، لا مجرد تجارب ووظائف مدرسية. والنتيجة؟ أكثر من مئة وعشرين تجربة موزعة بين فيلم وثائقي وديكودرامي، ومادة إذاعية وتلفزيونية الطلاب أنفسهم هم أبطالها.
الأعمال جميعها وإن بدت مستويات تنفيذها متفاوتة فنيا وفكريا، إلا أن خيطا رفيع بدا يربطها جميعها. تقول الدكتورة عيسى إن «التفاعل الإنساني هو حوار رؤية، وهذا الحوار يتطلب محاوراً ملماً ومدركاً ومتجاوباً من ناحية، ومن ناحية أخرى يتطلب وجود آخر يبغض النظر إلى مدى اختلافه». تترجم المعادلة السابقة نفسها على أرض الواقع بشكل اتفاق بين الأستاذة الجامعية وطلابها، يتلخص، بحسب عيسى، في أنه «ليس هناك وجه واحد للحقيقة بل وجوه متعددة بتعدد البشر، وفهمنا للأشياء وللأشخاص بل وللحياة برمتها مرتبط إلى حد كبير بزاوية الرؤية التي نقف فيها، وهي زاوية لا ترتبط بشروط موضوعية وواقعية، بل ترتبط بجملة المتغيرات العقلانية وغير العقلانية التي تحيط بنا».
تجارب
على مدار خمس ساعات، أتيح لنا أن نراقب نحو عشرين تجربة، كشفت مستويات مختلفة لفهم الطلاب لاتفاقهم السابق مع أستاذتهم، فجاءت معظمها تعبيراً عن روح الشباب، نزقهم، جنون التعبير ورؤيتهم للأشياء ونزوعهم نحو الاختلاف، في فيلم ديكودراما بعنوان «شكرا لك» يقدم الطلاب أستاذا جامعيا يترك حقيبته وقبعته على طاولته ويغادر قاعة الدرس التي سرعان ما يتركها الطلاب بعدما ملّوا الانتظار، وفي درس تال يكتب الأستاذ ممتعضاً من انصراف الطلاب هذا «حقيبتي موجودة، قبعتي موجودة، فأنا موجود» الأمر الذي يرد عليه الطلبة بذكاء في درس ثالث حين يتركون حقائبهم وحدها تنتظر الأستاذ.
يقدم طالب مادة مصورة ذكية حين يجمّع الكتابات المتروكة على جدران الحمامات في المدينة الجامعية ويعيد تصنيفها ضمن تبويب مجلة منوعة فيها السياسة، الرياضة والثقافة والفن وقضايا المجتمع، وحتى التعليق السياسي في فيلم درامي قصير. بدورهما، يقدم شابان حكاية حيلة يقوم بها عامل بسيط ليستوفي أجر عمله من صاحب أحد المنازل، وبخلاف النظر عن منطق الشخصيات في الفيلم، تأتي فكرة تنفيذه مجنونة، فالفيلم لا وجوه فيه ولا أصوات. والحكاية برمتها ترويها الأيدي. في فيلم آخر «صباح جامعي» يروي شابان تفاصيل ما يدور من أحاديث في ربع الساعة الأول من حياة طالبين جامعيين، يؤديان شخصيتي الفيلم بنفسيهما ويصوّرانه عبر جهاز موبايل، والمثير أن الاثنين يظهران معاً بجزء كبير من الفيلم القصير، بينما تكشف اللقطات القريبة لهذا الجزء أن واحدا من الممثلين هو من يقوم بالتصوير بموبايله. وفي مهمة كانت أقرب إلى فيلم سينمائي درامي، قدّم طالبان تفاصيل ما يحدث في ميكرو باص للعموم. ورغم ضيق المكان إلا أن الطالبين استطاعا أن يأخذا لقطات مهمة لركاب الميكرو وما يدور بينهم، وبالاحترافية ذاتها تنجح طالبة في فيلمها «لحظة نصر» بالتحكم بطفل صغير يحبو لترصده لنا وهو يناضل من أجل الظفر بتفاحة موجودة على طاولة، ونتابع كيف يفشل أكثر من مرة قبل أن ينجح بأخذها.. وبجرأة يقدم طالب فيلم تحت عنوان «حلوة لحالها» يرصد على مدار دقيقتين رؤيته لفتاة ويقدمها كما نجمات السينما، رؤية لمفهوم كرسته الدكتورة نهلة من أن لكل منا زاوية رؤيته الخاصة للأشياء. وهي نقطة وجدت تعبيرها في فيلمين اثنين، الأول قدّم حكاية شابين لكل منهما رؤيته لأميركا بلغة راقية. وعلى نحو مماثل يقدم شابان في فيلم درامي «بتسع الكل» صراع اثنين على ثلاثة كراسيّ، في لقطة تستحق الانحناء لطرافتها ولذكائها. كما حمل تقريران تلفزيونيان أفكارا متميزة، أولهما ظهر بمستوى احترافي له علاقة بالاستثمارات العقارية التي ظهرت على الساحل السوري، بينما تناول الثاني ظاهرة بيع الخبز على اتوستراد المتحلق الجنوبي، بينما قدم طالبان مادتين إذاعتين مهمتين حاكت كل منهما تجربة زياد الرحباني الفنية.
ما يؤخذ على الأفلام، يمكن رده إلى بدائية التصوير والمونتاج التي يقوم بها الطلاب بأنفسهم، وإذا أخذ بعين الاعتبار خبرة الشباب القليلة في هذا المجال ومعظمهم يقدم تجربته لأول مرة، فإن نظرة عادلة لمضامين الأفلام ومستواها الفني تفرض علينا الاعتراف بأننا كنا أمام تجارب مهمة وواعدة.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد