الصناعة الوطنية ضبابية الأرقام واستعراض عضلات
«هل وصلنا بالنسبة إلى الصناعة السورية إلى أسلوب إدارة وموارد بشرية يسمح بالانطلاق من جديد ؟ هل قطاع الصناعة التحويلية هو أداة نمو في الاقتصاد السوري أم عرقلة؟
الإجابة: نحن لم نحقق كل ما نطمح إليه لأسباب موضوعية تتعلق بوزارة الصناعة أو بأمور خارجة عن إرادة الوزارة». الصناعة الوطنية والنداءات المتكررة بإصلاحها وتطويرها غدت أشبه بمن ينفخ في بالونة مثقوبة؛ فلا الصناعة الوطنية تطورت ولا الجهات المعنية سمعت، فماذا يجري للصناعة السورية ؟ وماذا ينتظرها ؟ لماذا لم تسهم الصناعة السورية في فترة مابين العام 2005-2008 سوى بـ14.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، علماً بأن هناك مصادر أخرى تشير إلى أن هذا الرقم غير دقيق. فالصناعة لم تسهم سوى بنسبة 9 % من الناتج المحلي؟ هل الأمنية المرجوة في الخطة الخمسية الحادية عشرة في الوصول إلى 20 % في عام 2015 ستتحقق ؟ وماهي الوسائل لذلك ؟ وإن وصلت الصناعة السورية في العام 2015 إلى 20 % فعلاً، هل هو رقم خيالي بالنسبة إلى تاريخ الصناعة السورية، وهل سيصبح إنجازاً يتغنى به مهندسو الصناعة السورية؟.
- في الوضع المؤسف للصناعة السورية، أرجع فؤاد اللحام ( مدير برنامج التطوير والتحديث الصناعي ) هذا الوضع إلى عدة أسباب أهمها، ضعف البنية الهيكلية بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية ذات قيمة مضافة متدنية ومكون تكنولوجي بسيط، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات) تفتقر إلى روح الابتكار والإبداع، الأمر الذي حال ولايزال يحول دون الانتقال من الميزة النسبية التي تتمتع بها سورية (من حيث موقعها الجغرافي والقرب من الأسواق وتوافر كافة حلقات الإنتاج في عدد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية) إلى الميزة التنافسية في مجال النوعية والسعر، ونظام الحماية المطلق للإنتاج الوطني (في القطاعين العام والخاص) والذي ترعرعت ونشأت فيه الصناعة السورية تجاه المنتجات الأجنبية ووجود خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية، حيث تنحصر معظم الصادرات السورية بالمواد الأولية ونصف المصنعة بلغت نسبتها إلى إجمالي الصادرات في العام 2008 حوالي 61 %. ويضيف اللحام: «في حين تنحصر معظم المستوردات بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة التي بلغت نسبتها في العام 2008 حوالي 91 % . ما يؤدي إلى خسارة القيمة المضافة التي يمكن أن تتحقق من تحويل المواد الأولية ونصف المصنعة إلى منتجات نصف مصنعة ومنتجات نهائية في الاستيراد والتصدير وإلى وجود عجز واضح في الميزان التجاري بلغ في عام 2008 حوالي 131 مليار ليرة سورية. ويستأثر القطاع الخاص بنسبة 18 % من صادرات المواد الخام و85 % من المواد المصنعة و99 % من المواد نصف المصنعة. أما بالنسبة إلى الواردات فيستأثر القطاع الخاص بنسبة 99 % من مستوردات المواد الخام و96 % من المواد نصف المصنعة و35 % من المواد المصنعة، إضافةً إلى ضعف التشابك والتكامل ضمن مختلف أنشطة قطاع الصناعات التحويلية من ناحية، وبينه وبين القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى وبشكل خاص الزراعة، البناء والتشييد، النقل، الاتصالات، التعليم من ناحية أخرى، لجهة استيعاب منتجات ومخرجات هذه القطاعات وتوفير مستلزماتها بالنوعية والمواصفات المطلوبة، والافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهلة. وضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه وضعف مناخ الاستثمار بشكل عام وبيئة الاستثمار الصناعي بشكل خاص و ضعف البحث والتطوير والابتكار.
ويؤيد الدكتور علي جورية _ خبير صناعي- ما أفاد به فؤاد اللحام، فأكد جورية : «لم يعد هناك قطاع صناعي عام في سورية ، فلدينا ترتيب تنافسي سلبي وهذا واقع ، فالصناعة السورية تعمل دون مراكز بحوث علمية ولايوجد في سورية سوى مركز واحد وأنا شخصياً أعدّه مركزاً مؤسساتياً ويعاني الأمرين من ضعف خبرات وإهمال حكومي وعدم وجود تجهيزات مناسبة وحديثة وليس لوزارة الصناعة مبرر في ذلك، لأن الوزارة تنفق من 5-10 مليارات ليرة سورية كل سنة». يضيف جورية : «من جهة أخرى نلاحظ في القطاع الصناعي الخاص مختبرات جدية وحديثة، على الرغم من ضعف الإمكانات في بعض الأحيان ودائماً يحاول أن يطور نفسه بنفسه».
المسألة على ما يبدو ليست بهذا التعقيد والجميع متفق بأن نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي ما زالت ضعيفة وخير دليل هو وضع الصناعة في بعض الدول المجاورة التي يتجاوز فيها حجم الصناعة في ناتجها المحلي أكثر من
60 % وهي دليل على تعافي صناعتها، لأن الصناعة هي اقتصاد حقيقي تعبر عن قوة ومتانة الوضع الاقتصادي للبلد، أما أن تبقى الأمور مرتبطة بالنواح والندب والوقوف على الأطلال بالنسبة إلى واقع الصناعة يعد أمراً غير اقتصادي وغير مقبول والدكتور سعد بساطة ( خبير اقتصادي ) يركز على عدة أسباب للوضع الحالي لصناعتنا، مؤكداً أنها تتصف في هذه الأيام بتصدير غير حقيقي في الصناعة التحويلية وقيمة مضافة منخفضة وهدر مرتفع وتقلص السوق المحلية أمام المستورد وانحسار أسواق التصدير».
وفي هذا الإطار يقول خليل بارودي- صناعي- : «الصناعة السورية هي هموم عمرها 40 عاماً ومازالت الأزمات تتوالى على الصناعة من دون أن تعطي أي قناعة للمستهلك» .
- في جدال حول الرقم الحقيقي لنسبة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج الإجمالي المحلي والذي أعلنته وزارة الصناعة بأنه 14.4 وفي رأي الوزارة أنه رقم جيد بالنسبة إلى الفترة الماضية والتي عانى فيها العالم من أزمة مالية حادة.
تشير بعض المصادر أنه :» لم تصل نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15 %، بل تراوحت حسب تقرير تحليل الوضع الراهن بين 9.7 % عام 2006 حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء». فيما أشار سعد بساطة: «الأرقام حول مساهمة الصناعة التحويلية ليست دقيقة تماماً، لكننا مازلنا نضع في حسباننا مساهمة النفط الذي يعتبر ثروة كبيرة وعنصراً كبيراً يتوجه للنضوب، من جهة أخرى مازلنا نركز على الصناعات البدائية، ما يعني انخفاضاً في القيمة المضافة وفي المقابل عندما ترتفع القيمة المضافة ترتفع مساهمة الصناعة بشكل كبير في الاقتصاد القومي «.ويرى الدكتور أكرم ناصر (خبير اقتصادي ): «إذا وقفنا عند الـ14.4 فسنرى أنه حتى هذا الرقم يشير إلى خلل كبير في القطاع الإنتاجي في سورية».
ختاماً، لابد من القول بأن تحديث وتطوير الصناعة السورية من أجل تعزيز قدرتها التنافسية ومواجهة التحديات العديدة التي تواجهها أصبح ضرورة ملحة لا تحتمل التسويف أو التأجيل.
ونحن لا نجافي الحقيقة عندما نؤكد أنها أصبحت مهمة وطنية بامتياز بكافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، بل وحتى السياسية، وأن تنفيذها بالشكل المطلوب يتطلب نقلة نوعية مهمة في ذهنية وأسلوب عمل الحكومة ورجال الصناعة ومنظماتهم، وكذلك منظمات العمال والحرفيين والجمعيات الأهلية الأخرى ذات العلاقة. إنها النقلة التي تجسد عملياً الانتقال إلى دور جديد أكثر أهمية ومسؤولية ومشاركة فعالة في القرار والتنفيذ من كافة هذه الأطراف.
- في حال وصلت الصناعة السورية في عام 2015 إلى 20 % في مساهمتها للناتج المحلي الإجمالي، هل نكون فعلاً وصلنا إلى مرحلة تستطيع فيها البضائع السورية منافسة البضائع الأجنبية التي غزت الأسواق مؤخراً؟ وهل تكون الصناعة السورية آنذاك صناعة راقية ومتمكنة على جميع الأصعدة ؟
يقول فؤاد اللحام: «قياساً إلى سورية فنسبة 20 % هي نسبة مقبولة، فيما إذا كان التوصل إليه ممكناً ، نحن الآن في وضع تنخفض فيه أسقف التوقعات أو الأمنيات تدريجياً، وبالتالي يمكن أن نقبل بتواضع الرقم (20 %) مقابل إنجازه، وهي نسبة وصلت إليها بعض الأقطار العربية منذ مدة».
وأضاف اللحام: «بهذا الوضع لايمكن أن نصل إلى نسبة مساهمة تصل إلى 20 % ومن الممكن أن نصل إلى أدنى من الـ 14 %، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة».
- بعد أن عرفنا المشاكل الحقيقية لهذا التراجع أو الغيبوبة، إذا صح التعبير، التي تعاني منها الصناعة السورية، بقي أن نعرف ماهي الحلول المقترحة وكلنا أمل أن لاتبقى أسيرة الأدراج وتتحرر لتطبق على أرض الواقع .
فكان للدكتور سعد بساطه رؤيته حول النهوض في الصناعة السورية، قائلاً: «لكي تنمو الصناعة بقطاعيها العام والخاص يجب ربطها بالبحث العلمي-ومن أسف- الصناعة السورية بعيدة كل البعد عن البحث العلمي، ويجب تهيئة البنى التحتية ومتابعة الكثير من الأمور التي تخص العامل والإدارة».
فيما يرى فؤاد اللحام ضرورة وضع خطة إسعافية متكاملة ومتزامنة (وضع برنامج مادي وزمني مضغوط) ووضع أهداف محددة نصب أعيننا والتركيز على القيمة المضافة والسعي لزيادتها في الصناعة السورية، والعمل على زيادة القدرة التنافسية للصناعة السورية لأنها أمر مهم جداً، وتشكيل مجلس خاص للتنمية الصناعية يتولى وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الصناعية ومتابعة تنفيذها والتركيز على بناء الخبرات الوطنية في مجال التحديث والتطوير الصناعي في كافة الاختصاصات وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية وتوعية الصناعيين ومنظماتهم بأهمية وضرورة وجود معلومات وبيانات أقرب ما تكون للواقع لضمان تشخيص ومتابعة واقع الصناعة السورية بشكل دقيق ووضع السياسات واتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع هذا الواقع الفعلي». بينما يرى الصناعي خليل بارودي :» أن التطور الاجتماعي والثقافي هو الذي يحقق العلاقة الجيدة بين الصناعة والعلم والمعرفة والتي بدورها تأخذ بيد الصناعة نحو الأفضل».
بينما يربط الدكتور أكرم ناصر نهوض الصناعة بالتعليم والتدريب حصراً، فيقول: «إن علاقة التعليم والبحث والتطوير بالمؤسسات الصناعية شبه غائبة، وحيث إن البحث والتطوير ليس خياراً فاعلاً بحد ذاته إنما هو مطلب أساسي للتنمية، يساعد في تحقيقها. فإذا غابت التنمية أصبح البحث عملية ثانوية غير فاعلة، لذلك لابد من أن تضع سورية رؤية واضحة لمستقبلها، تبني على أساسها خطتها التنموية».
يتألف القطاع العام الصناعي الذي يتبع وزارة الصناعة من ثماني مؤسسات عامة تضم 92 شركة و7 معامل تبغ و17محلج قطن. وقد بلغ مجموع رأس المال المستثمر في هذا القطاع لغاية عام 2009 حوالي 510 مليارات ليرة سورية ، ويبلغ عدد العاملين فيه حوالي 76 ألف عامل من مستوى تعليمي ضعيف (حوالي 75 % من العاملين من مستوى الإعدادية ومادون و6 % فقط من خريجي الجامعات).
وحسب بيانات عام 2009 الأولية، فإن هناك 43 شركة عامة خاسرة و48 شركة رابحة منها 9 شركات سكر وخميرة تغطي الدولة تكلفة إنتاجها. يضاف إلى الشركات الرابحة معامل التبغ السبعة ومحالج القطن السبعة عشر. إن قسماً من هذه الشركات والمعامل يعمل ويربح في ظل المنافسة مع القطاع الخاص، وقسماً لا يزال يعمل ويربح في ظل الحصر والاحتكار مثل حلج القطن والتبغ والمياه المعدنية. كما يؤدي التسعير الإداري لعدد من المدخلات والمنتجات في القطاع العام دوراً في عدم إعطاء الصورة الصحيحة لأدائه ونتائج أعماله. ومع ذلك، فقد بلغ حجم الفوائض الاقتصادية التي حولها هذا القطاع إلى وزارة المالية عام 2009 بحدود 8.9 مليار ليرة سورية.
هى منى
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد