«هاتف نقال» كتاب الألماني إينغو شولتسه

06-04-2010

«هاتف نقال» كتاب الألماني إينغو شولتسه

«هاتف نقال» عنوان الترجمة الفرنسية التي صدرت مؤخرا للكاتب الألماني إينغو شولتسه (عن منشورات فايار) الذي يعد اليوم واحدا من أبرز كتاب ألمانيا. هنا كلمة عنه معدة من الصحف التي تناولته.
ذات ليلة، يستيقظ رجل من نومه، جرّاء ضجة تثير الريبة كانت تأتي من الحديقة. حاول أن ينظر من النافذة للتحقق ممّا كان يجري، إلا أنه لم يلاحظ سوى خيالات أشخاص كانت تحاول مغادرة الحديقة، وهي تقفل وراءها قفل «البنغالو» حيث كان يمضي إجازته. غادر إلى فراشه، وحين استيقظ في اليوم التالي، تيقن هو وجاره – الذي عرف التجربة عينها، أي كان استيقظ بدوره على صوت الضجة – من جسامة الأضرار التي أحدثها المخربون.
وبما أنهما كانا لا يثقان أبدا برجال الشرطة كما بفعالياتهم، قرر الرجلان أن ينظما أمورهما من حيث الحراسة والانتباه، فيتبادلا رقمي هاتفيهما النقال، كي يخبر احدهما الآخر فيما لو سمعا ضجة في المستقبل. لكن، تمضي الأيام، ولا يعود «المخربون» ليرجع الراوي بعد فترة إلى برلين، بعد أن انتهت عطلته.
كادت القصة أن تنتهي لو لم يستيقظ الرجل (الراوي) ذات ليلة من نومه، على رنين هاتفه النقال المزعج. أجاب ليكتشف أن محدثه لم يكن سوى «جاره» ذاك، الذي كان يتصل به ليخبره بصوت غريب بأن المخربين قد عادوا، وليحاول أن يجعله يسمع الأصوات المريبة التي كانوا يحدثونها. حاول الإصغاء، لكنه لم يسمع شيئا، لم يسمع سوى صوت زوجته التي كانت إلى جانبه – والتي استيقظت أيضا من جراء رنين الهاتف – وهي تصيح به طالبة الطلاق. من كان المسؤول عن ذلك كلّه؟ ما السبب في كلّ ما حصل ويحصل؟ هل لهذا الجار أيّ علاقة في حياة هذين الزوجين؟ هل كان ليحصل ذلك كلّه لو لم يكن الهاتف النقال موجودا؟ هل نحن ضحايا التكنولوجيا الحديثة؟ هل إن خياراتنا في الحياة ليست سوى وهم وخديعة في نهاية الأمر؟
تدور قصص إينغو شولتسه الثلاث عشرة حول هذه الأسئلة، التي تبدو وفي الوقت عينه، أسئلة أساسية بقدر ما هي أسئلة عادية في طروحاتها، أسئلة هي أيضا، مجردة مثلما هي ملموسة بشكل كبير، إذ تشكل في النهاية أسئلة تتعلق بالقدر أو المصير. فعلى سبيل المثال، نجد في القصة الخامسة من كتاب شولتسه، الشخصية الرئيسية وهي تبحث في القاموس عن معنى كلمة القدر، من هنا نقع على الفقرة التالية، التي يكتبها المؤلف الألماني: «يعطي قاموس غريم العديد من الأمثلة في كيفية استعمال هذه الكلمة، فعلى سبيل المثال نجد عند غوته التالي: (القدر، ومن أجل الحكمة التي أكن لها احتراما كبيرا، هو ومن دون شك مصنوع، وفي الصُدفة التي تتحكم بأفعاله، من عنصر غير منضبط). تجيب هذه الجملة على جميع الأسئلة، بما فيها تلك التي أرقتني خلال فترة الدراسة: لما كانت الرسالة التاريخية للطبقة العاملة تخضع للقوانين ولماذا على الطبقة العاملة أن تكون مقادة من قبل حزب ذي نمط جديد؟ لأن القدر، وبالصدفة، يخضع لعنصر غير منضبط».
الهرب
رعونة الحياة هذه، التي يمكننا إدراكها في كل حادثة بشرية، يحاول إنغو شولتسه أن يطوقها، لا من خلال الحسية أو عبر ما يعرف بشكل عام بمثابة عنصر مؤلف للتاريخ، بل عبر القصص الشخصية والحميمة. من هنا، ما من شيء غريب في الكتاب الذي حمله الراوي في القصة الأولى، كي يقرأه خلال عطلته، وهو كتاب ادالبير ستيفر – كاتب نمساوي من القرن التاسع عشر انهمك في فك ألغاز العالم في الأشياء البسيطة والدقيقة. بهذا المعنى يبدو الكاتب الألماني (شولتسه) وكأنه يحاول السير على درب زميله السابق، إذ يرى شولتسه أن «من واجب الأدب أن يرى العالم من خلال نقطة مياه»، من هنا يميل الكثير من النقاد على مقارنته بشيروود أندرسن، أو حتى بريمون كارفر وبقية «معلمي فن القصة القصيرة بأميركا». لكن لو قصرّنا المقارنة على هذا الشكل، لانتقصنا من موهبة هذا الكاتب الذي يبدو فعلا واحدا من أهم كتاب ألمانيا في هذه الفترة، حتى أن غونتر غراس – بسذاجته الأبوية البطريركية – عينه منذ فترة «خليفته» على مملكة الأدب الألماني المعاصر، بينما في واقع الأمر، كل شيء يباعد بين الكاتبين وحتى الشخصين. فشولتسه من مواليد دريسدن (ألمانيا الشرقية سابقا) العام 1962، وقد بدأت شهرته تتشكل في العام 1995، مع كتاب «33 لحظة سعادة» الذي تبعه كتاب آخر بعنوان «قصص بسيطة» في العام 1998 (ترجمه إلى العربية سمير جريس)، حيث كانت قصص الكتاب تتشابك في ما بينها، لتشكل في النهاية رواية متداخلة. وبعد روايته «حيوات جديدة»، عاد شولتسه إلى الشكل القصير، وهو الشكل الكتابي المفضل عنده، ليكتب «هاتف نقال» وهو الكتاب الذي فاز عليه بجائزة «معرض الكتاب في لايبزيغ» العام 2007 (واحدة من الجوائز القيمة والمهمة في ألمانيا). بهذا المعنى نفهم العنوان الفرعي للكتاب «ثلاث عشرة قصة على الطريقة القديمة».
أكانت أحداث هذه القصص تدور في ألمانيا، في المجر، في القاهرة، أو حتى في نيويورك، فإننا نجدها قصصا تنهمك في البحث الدائم عما يهرب منا، أي عن «نقطة القطيعة» تلك التي هي في الوقت عينه نقطة الصمّ: «حدث أمر ما، لكنك لا تنجح في معرفته، لا تستطيع القبض عليه، حتى أنك لا تستطيع أن تراه، لكنه موجود هنا»، تقول إحدى شخصيات قصة «ليلة عند بوريس».
هذا التأمل في مفهوم القدر والكارثة بالمعنى الحرفي للكلمة، نجده يشكل امتدادا آخر للتأمل في معنى الأدب وعلاقته بالواقع. من هنا، هذا الميل عند الكاتب، في مزج المؤلف مع الراوي أحيانا، ومن دون أن نعرف أين يتوقف الأول ليبدأ الثاني: «سأحاول على الرغم من كل شيء أن أجتهد في الحديث عن نفسي وعن هذه النزعة التي تنحو إليه الحياة في تقليد الأدب»، مثلما تقول إحدى شخصيات القصة الأخيرة في الكتاب.
جملة نحاول تناسيها بسرعة كي لا نتذكر سوى لحظات المتعة ونحن نقرأ الكتاب.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...