داء السل لم يعد مرض من القرن الماضي
السل داء معروف منذ أقدم العصور ويعود تاريخه إلى الألف السابع قبل الميلاد وما يثبت ذلك اكتشافه مؤخراً في المومياء المصرية، وتسببه «عصية كوخ» نسبة إلى العالم روبرت كوخ Robert Koch الذي اكتشف وجوده منذ القرن قبل الماضي في العام 1882.
ويعتبر السل من أخطر الأوبئة فهو القاتل الأكبر في تاريخ البشرية وقد تسبب بوفاة أكثر من 200 مليون شخص منذ العام 1882 وتشير التقارير والدراسات إلى أنه يموت شخص كل 15 ثانية كما يحصد أرواح خمسة آلاف يومياً وهو المسؤول عن وفاة مليوني شخص في العالم سنوياً.
وتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية إلى وجود ملياري إصابة سل في العالم أي ثلث سكان العالم وفي عام 2007 أصيب أكثر من تسعة ملايين شخص به وتوفى منهم نتيجة الإصابة مليون وسبعمئة وخمسين ألف ضحية من بينهم 230 ألف ضحية بسبب إصابتهم بالإيدز.
لذلك فقد أخذت المنظمة خطوة جريئة لم يسبق لها مثيل في عام 1993 بإعلانها أن وباء السل يمثل حالة طوارئ عالمية وإذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية للسيطرة عليه فإنه ما بين عام 2000 و2020 سيصاب مليار شخص إصابة سل علماً أنه في كل ثانية يصاب شخص بالسل وسيصبح 200 مليون منهم مرضى ناقلين للمرض وسيموت منهم 35 مليون مصاب.
المريضة /ف-د/ 29 عاماً أم لطفلين لاتعرف تماماً كيف التقطت العدوى لكن سعالها المستمر ونحول جسمها المفاجئ وضعفها إضافة لحياتها ضمن منزل قليل التهوية أدخل الشك لقلبها فراجعت مراكز العلاج لتكتشف أنها مصابة بداء السل لكنها لم تتجاوب مع الأدوية حيث زادت مقاومة مرضها يوماً بعد يوم.
يقول المريض /هـ/ 24 عاماً أن حياته كانت طبيعية قبل عدة أشهر حيث يعمل عاملاً في ورشة خاصة لكن السعال والتعرق والوهن الجسدي دفعه ليقصد الطبيب حيث لم يشخص حالته على أنها «سل رئوي إيجابي» إلا بعد عدة أشهر، بعد العديد من التحاليل حيث توفي جارهم بالسل.
واقع السل في سورية
تشير إحصائيات مركز مكافحة السل في وزارة الصحة أن عدد الإصابات في سورية في عام 2004 بلغ 4708 حالات من شتى أشكال التدرن منها 1561 حالة سل إيجابي القشع و203 حالات إعادة علاج.
في حين بلغت عدد الإصابات بالسل في عام 2005 (4393) حالة ووصلت الإصابات في 2006 إلى 4944 حالة منها 1352 حالة سل إيجابي القشع.
بينما بلغ عدد المصابين بالسل في عام 2007 نحو 4309 مصابين منهم 1115 حالة تدرن إيجابي القشع و706 حالات تدرن سلبي القشع و2169 حالة تدرن خارج الرئة و279 حالة تدرن إعادة علاج نكسي.
أما بالنسبة لحالات الإصابة في عام 2008 فقد أكدت الدكتورة فاديا معماري رئيس برنامج مكافحة السل «للثورة» أنها تبلغ 3938 حالة منها 1116 حالة تدرن إيجابي القشع و1988 حالة تدرن خارج الرئة و667 حالة تدرن سلبي القشع جديد و167 حالة تدرن إعادة علاج نكسي منها (130 حالة إصابة جديدة إيجابي القشع و32 حالة تدرن سلبي القشع و105 حالات تدرن خارج الرئة).
وذكرت معماري أن عدد الحالات المعندة على العلاج أو المستعصية هي 31 حالة أو 32 حالة فقط بحساب متوسط عدد حالات الإصابة خلال السنوات الخمس الفائتة نجد أن متوسط أعداد المصابين المكتشفين في سورية يبلغ 4458 حالة سنوياً وهذا يشكل 22.3 حالة إصابة لكل 100 ألف من السكان وهي نسبة أكبر من النسبة المقبولة عالمياً (18 حالة لكل مئة ألف شخص من السكان).
- في حين أن الدكتور ماهر الحسامي وزير الصحة السابق أكد في مؤتمر صحفي خلال اطلاق برنامج التشاركية الوطنية في حلب للقضاء على مرض السل أن «سورية استطاعت من خلال جهود متميزة قام بها العاملون في مجال مكافحة السل تحقيق الأهداف العالمية من خلال الارتفاع في نسب كشف حالات الإصابة وتقديم العلاج موضحاً أن أعداد المصابين بالسل في سورية منذ العام 2001 وحتى الآن يتراجع إذ يبلغ حالياً ستة آلاف بعد أن كان عام 2005 نحو ثمانية آلاف مصاب.
وأكد الحسامي في تصريح آخر - خلال افتتاح المهرجان المركزي - الذي أقيم في مشفى ابن رشد في حلب بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة مرض السل الذي يصادف 24 من آذار من كل عام أن نسبة الحالات المكتشفة في سورية تقدر بـ 75٪ من الحالات الموجودة يتلقى منها 85٪ العلاج في المشافي والمراكز العامة.
وذكر أن عدد الحالات المعندة على العلاج يبلغ 35 حالة يتلقون العلاج في مشفى متخصص في حمص.
بينما الدكتور وليد سنكري رئيس الجمعية السورية لمكافحة السل والأمراض التنفسية في حلب أشار خلال المؤتمر الأول للتدرن الذي أقيم في حلب هذا العام إلى أن نسبة الكشف عن حالات الإصابة في سورية بلغت 42٪ حالة فقط وهو رقم متدن.
الدكتور غسان شنان مدير صندوق التمويل العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا ذكر أن نسبة انتشار مرض السل في سورية نحو 51 حالة لكل مئة ألف نسمة خلال عام 2004 وهناك نحو 18 إصابة سنوياً جديدة لكل مئة ألف نسمة حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
وبين أنه من بين هذه الحالات الجديدة تتم معالجة 1516 حالة مرضية من قبل البرنامج الوطني لمكافحة السل بينما كانت هناك 1839 حالة إما لم تعالج أو عولجت بشكل غير كاف من قبل القطاعات الصحية المختلفة وفقاً لتقرير صحفي صدر في جريدة الثورة في العدد رقم 14028.
ووفقاً لتقارير صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP فإن نسبة النجاح في علاج التدرن الرئوي «السل» في سورية خلال العامين 2003 و2004 وصلت إلى 87٪ بينما بلغت حالة الإصابة 41 حالة لمئة ألف من السكان في العام 2004 وانخفضت إلى 37 حالة في العام 2005.
التقينا الدكتورة فاديا معماري رئيس برنامج مكافحة السل في سورية بتاريخ 12/5/2009 واستطلعت منها واقع المرض حيث أوضحت معماري أن عدد المصابين في تناقص عام بعد عام فقد انخفض عددهم من 4309 مصابين في 2007 إلى 3938 مصاباً في عام 2008 بانخفاض مقداره 371 مصاباً ويشكل الانخفاض 8٪ من عدد الإصابات الإجمالي، وأكدت معماري أن هناك 9 حالات إيجابية القشع لكل مئة ألف نسمة إصابة جديدة سنوياً.
وذكرت معماري أن أعراض مرض السل تتمثل في السعال المستمر لعدة أسابيع ونقص الوزن وألم في الصدر والحمى والتعرق الليلي حيث ينتشر المرض بواسطة الهواء عند تلوثه بالرذاذ الصادر عن المريض حيث يمكن لهذه الجراثيم أن تبقى حية لعدة ساعات في الهواء وهكذا فالشخص المصاب بالتدرن الرئوي هو الذي ينشر العدوى.
- الدكتورة معماري التي لم تتفق مع مقولة «لقد عاد السل إلى سورية» أكدت أن عدد المرضى ضمن الحدود المقبولة حيث تنخفض أعداده ويعود الفضل لوزارة الصحة التي تتمثل إجراءاتها بكشف الحالات مبكراً ومتابعتها وعلاجها ثم التأكد من اتمام العلاج ونصحت معماري بالتوعية لذوي المريض بالاهتمام بالمريض وأكدت على جميع الذين يشكون بحالتهم أن يطلبوا الخدمة من أقرب مركز خدمة صحية.
- الدكتورة معماري اعتبرت أن محافظة حلب من أكثر المحافظات إصابة في سورية فهي تحتل المرتبة الأولى حيث يقدر عدد الإصابات في حلب بـ 1207 إصابات في عام 2007 وتسجل حلب وسطياً 1100 إصابة سنوياً حيث يساهم قلة الوعي الصحي والفقر وارتفاع نسب التلوث على امتداد الأحياء الشعبية في زيادة الحالات.
- اعتبرت الدكتور معماري بكلمة موجزة ومختصرة أن «الأدوية الوطنية للسل جيدة ولا حاجة للأدوية الأجنبية المهربة» حيث إن تأثيرها قد يكون أقوى من الوطنية واعتياد المريض عليها يضعف من فعالية الأدوية الوطنية فهذا يوقعه بين نار أسعار الأدوية المهربة المرتفع والأدوية الوطنية المجانية.
في حين تذكر الدكتورة رزان سلوطة مديرة الدراسات الدوائية «للثورة» أن أدوية السل يتم توزيعها مجاناً على المرضى المصابين من قبل مراكز وزارة الصحة.
- أكدت الدكتورة معماري أن لقاح السل BCG (ب ث ج) الذي يعطى للطفل خلال الأسبوع الأول من ولادته غير كاف للوقاية من السل فهو لا يحمي الإنسان مدى الحياة وتؤكد الدراسات أن هذا اللقاح يملك فعالية عالية لدى الأطفال حيث يحمي 90٪ منهم من الإصابة بالمرض أما بالنسبة للراشدين فلا تتجاوز فعاليته أكثر من 50٪ وفقاً للدراسات المتخصصة.ومن الجدير ذكره أن فعالية لقاح السل تدوم لخمس سنوات فقط ومن الضروري عندها إعادة أخذه ثانية.
- وذكرت معماري أن بعض المرضى يتوقفون عن العلاج بعد أسبوعين من أخذ الأدوية لدى شعورهم بالتحسن ونصحتهم بإكمال الأدوية والاستمرار في تعاطيها حيث يحذر الأطباء من ذلك ويؤكدون أن عدم العلاج أفضل بكثير من عدم استكمال العلاج حتى النهاية لأنه في الحالة الأخيرة تظهر أنواع جديدة من عصيات السل تملك مناعة قوية ضد المضادات الحيوية، ويشكل علاج هذه الحالات مشكلة خطيرة تواجه العلماء.
- أشار وزير الصحة الأسبق الدكتور ماهر الحسامي إلى الأعباء المادية الكبيرة المخصصة في مواجهة الأمراض المزمنة حيث تحتل 60٪ من ميزانية وزارة الصحة.
وأكدت معماري أن تكلفة علاج مرض السل بالأدوية الوطنية تبلغ 2500 ل.س وسطياً للمريض الواحد للحالات القابلة للشفاء أما بالنسبة للحالات المعندة - والتي لاتتوافر لها أدوية وطنية - فتضطر الوزارة لشراء الدواء من منظمة الصحة العالمية فأسعارها تخضع لتقلبات البورصة والمنافسة بين الشركات العالمية ووسطياً تقدر معماري تكلفة المريض بـ 90 ألف ليرة سورية وذكرت أن هناك تخفيضاً على أسعار الدواء المخصص للحالات المعندة يتراوح بين 25 - 50٪.
في حين تقدر منظمة الصحة العالمية تكاليف العلاج للمريض نحو 23 دولاراً في اليوم بموجب برنامج علاج يستمر ست شهور في حين تصل تكلفة علاج العصيات المعندة إلى 25 ألف دولار.
- حصلت سورية على منحة مقدمة من صندوق التمويل العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا مقدارها 8.5 ملايين دولار لدعم البرنامج الوطني لمكافحة السل في سورية وعلى دفعتين وحصلت سورية على الدفعة الأولى 4.5 ملايين دولار لتأمين المزيد من الأدوات والأجهزة ووسائط النقل والمساهمة في دعم جهود وزارة الصحة في مكافحة هذا المرض، وقد تم في 3 شباط 2008 التوقيع في هيئة تخطيط الدولة على مشروع الدعم هذا بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
- ويهدف برنامج مكافحة السل في سورية إلى تخفيض حالات الإصابة في القطر والوصول إلى المستوى المقبول عالمياً وخفض معدل الوفيات بحيث لا يعود مرض السل يهدد الصحة العامة.
وتتمثل أهداف البرنامج بالوصول إلى معدل شفاء لـ 85٪ من الحالات المكتشفة وكشف 70٪ من الإصابات المتوقعة بحلول العام 2010 القادم ثم الوصول إلى تخفيض معدل انتشار الخمج السلبي بمعدل 1٪ على المدى البعيد.
- لم تجد الدكتورة معماري ضرورة لوجود مصحات لمرضى السل لذلك تم اغلاق مصحات السل في (القدموس وابن النفيس وحلب) فبالنسبة للحالات المعندة على العلاج التي تبلغ 35 حالة ومريضاً فهم يتلقون العلاج في مشفى متخصص في حمص هو مشفى الحارث.
وتعزم وزارة الصحة على إنشاء مشفى متخصص بمرض السل في حلب يستوعب 100 سرير إضافة لمنشأة صحية في منطقة دار عزة بريف حلب تقدم الخدمات الطبية المطلوبة.
-التقينا مع الدكتور باسل ضاهر في مركز مكافحة السل في حماة الذي أكد أن عدد الحالات التي تم تشخيص إصابتها بمرض السل في حماة بلغت 136 حالة خلال ثمانية أشهر في العام الحالي 2009 وعلى الرغم من عدم وجود مصح متخصص فيها إلا أن معظم الحالات يتم معالجتها وشفاؤها في المحافظة.
وذكر ضاهر أن أكثر الإصابات تقع في منطقة سلمية والغاب في حين أقلها تقع في مصياف حيث تبلغ حالات السل الرئوي 62 حالة إيجابية القشع تشكل مصدراً للعدوى الرئيسية في المحافظة.
وهناك 67 حالة سلبية القشع أي خارج الرئة.
وذكر ضاهر أن مركز السل التابع للعيادات الشاملة في حماة مسؤول فقط عن حالات السل الرئوية (إيجابية القشع).
وأكد ضاهر أن معدلات الشفاء من السل عالية في محافظة حماة حيث يشفى 95٪ من الحالات وأضاف أن المركز يطمح لأن يكون معدل الكشف أكبر من ذلك حتى نصل لشفاء جميع المصابين لكن هناك صعوبات اجتماعية تعوقنا عن ذلك منها امتناع المرضى عن مراجعة المركز حيث يلجؤون لأطباء اختصاصيين فقط لإخفاء المرض.
ذكر الدكتور عامر سلطان مدير صحة حماة أن معدل انتشار السل في حماة بلغ 7.2 حالات لكل مئة ألف نسمة يتم العلاج لهم بشكل مجاني.
زهور رمضان
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد