الأب والابن في السينما السورية المستقلة
نسبياً، لا يبدو اسم محمد الرومي السوري المقيم في باريس معروفاً على نطاق واسع بين السينمائيين السوريين، وان ذكر اسمه فانه غالباً ما يتناول بصفته مصوراً فوتوغرافياً. وكذا الحال بالنسبة الى ابنه ميّار الذي أخذ يتردد اسمه في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد فيلمه «سينما صامتة» الذي عرضته فضائية «العربية» منذ فترة، وفيه يقترب من «ملامسة» هموم ومشاغل السينما السورية نفسها، بأسلوب لا يخلو من تهكم وإفاضة في الشرح، لا تغني عنه في المقابل إلا شاعرية السينما الصامتة التي لم يقترب منها الفيلم في شيء، فيما غرق في بحيرة الإشارات الى النفخ البيروقراطي في المؤسسات الحكومية، والحالات الاجتماعية المنشأ الضاغطة على مناحي الحياة العامة في سورية. على الأقل هكذا بدا الحوار اللاهث والمتقطع في الشريط مع بندر عبدالحميد ورياض شيّا وحكم البابا.
محمد الرومي وابنه ميّار عرضا أخيراً أفلاماً لهما في تظاهرة الوردة للسينما المستقلة في دمشق. وكانت الفكرة أن يعرض الأب الى جانب الابن شيئاً مختلفاً وجديداً في اعتبار أنهما غير معروفين للجمهور السوري و «مستقلين»، أضف الى ذلك أنها كانت فرصة للتعرف الى اسمين ينتميان الى جيلين مختلفين ومجهولين، وليس لهما موطئ قدم الى جانب سينمائيين سوريين عرفوا جيداً عبر السنوات الماضية حتى من خلال فيلم أو فيلمين.
ميّار الرومي ظهر في فيلمه الجديد «رحلة ربيعة» متردداً في حسم خياراته الفنية التي بدأها مع «سينما صامتة». لا شك في ان خياراته التي نرمي إليها تتمثل في التوق الى مثال صارخ في السينما السورية ربما يمثلها أسلوب عمر أميرالاي، من دون الإمساك بتلابيبه بالطبع، لكنه كان توقاً في ثوب تهكمي من النوع الذي يتقصد أن يكون لاذعاً، ومن دون أن يكون ارتداء هذا الثوب صفة إبداعية مستقلة بحد ذاتها.
في الفيلم الجديد، لم تبد ربيعة موفقة في رحلتها مع خطيبها من قريتها القريبة من حوض الفرات الى الساحل السوري بصحبة سائق سيارة أجرة كان يطيل من الطريق من أجل التلصص عليها. كان يمكن لهذه النظرات المختلسة أن تشكل مادة دعم درامي للفيلم، لكنها ضاعت مع كل تلك الإطالة التي لم تفد في الكشف عن أحوال ربيعة التي لم يعكر صفو رحلتها سوى هذه النظرات المتلصصة من دون أن تترك وراءها أثراً يذكر.
ينتهي الفيلم بنظرة خاطفة - زائدة – على الفيلم من ربيعة نفسها نحو هذا المتلصص ولا شيء أكثر. نظرة تأبى أن تقول لنا شيئاً من دون «تلفيق» رحلة ربما لم يكن لها من مبررات لإتمامها سوى أن الخطيب قرر في ذلك اليوم أن يجرب اتصالاً بالهاتف النقال من على ظهر سطح المنزل الطيني. لا نعرف سبباً للاتصال، إلا إذا كان لزيادة الجرعة التهكمية التي يتعمدها المخرج، فيما بدت المكالمة مجرد ذريعة لتبدأ ربيعة رحلتها.
في سياق مختلف يطل الأب محمد الرومي بفيلمه التسجيلي «أزرق – رمادي»، الذي يتكئ منذ دقائقه الأولى على سيرة ذاتية مهملة تغوص في ماض بعيد تتشكل منه على ما يبدو ذكريات المخرج نفسه عن طفولته وملاعب الصبا التي أصبحت مجرد أطلال في الفيلم.
يجيء صوت الراوي على كلمات تهيئ للدخول في الأزرق والرمادي من خلال العبّارة التي نقلته يوماً مع أبيه عبر نهر الفرات بعيداً من موقد الذكريات التي أخذت تراوغه كلما تقدم في السن، وهي تشكل الآن الأرضية الخصبة للفيلم، كأنما هي تمتد وتمتد لتشكل خلفية رائعة لكل ذلك البوح الناقص عن كارثة حلّت بأهل قرية تل اعبر جراء فيضان سد تشرين.
بدت كادرات الفيلم التالية للرواية الصوتية وكأنها تغرق بدورها في صمت يستمد قيمته من الصورة الفوتوغرافية نفسها، وهذا أرهق إيقاع الفيلم وبدد من خامته لأنه غرق في سكون يناقض الفيضان المدمر!!
فجر يعقوب
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد