أتباع المسيحية الصهيونية يعدون لمعركة هرمجدون في جنوب لبنان
هو صراع يمهد لنزول المسيح على الأرض ليقود الأتباع من المؤمنين الفائزين فى هذا الصراع؛ ودائما ما يضع المؤمنون بتلك النبوءة أنفسهم محل المنتصرين من أتباع المسيح؛ وانقسم هؤلاء فيما بينهم إلى فريقين؛ الأول يحاول تفسير سير الأحداث بما يخدم وجهة نظره والآخر يحاول دفعها دفعا لإشعال فتيل معركة نهاية العالم.. أو «هرمجدون» أشهر حرب دينية فى تاريخ البشرية!
بالنسبة للفريق الأول فإن نهاية العالم تكررت أكثر من مرة؛ فالحرب العالمية الأولى كانت بمثابة مؤشر لتحزب العالم فى قطبين رئيسيين، واعتبرها الكثيرون آنذاك بداية نهاية العالم وتكرر نفس السيناريو مع الحرب العالمية الثانية التى أسقط عليها البعض نفس تفسيرات نهاية العالم خاصة مع القصف الأمريكى للجزر اليابانية بالسلاح السرى أو القنابل الذرية التى أحدثت دمارا وتخريبا استمر لسنوات طويلة، وظن البعض أن نهاية العالم باتت سهلة ووشيكة فى ظل إمكانيات عسكرية تخريبية كتلك. وطوال سنوات الحرب الباردة بين «أمريكا» و«المعسكر الشيوعى» بقيادة «روسيا» ظل العالم يترقب نهاية العالم بضغطة زر «أمريكية» - على الأرجح - تطلق الترسانة النووية لتبدأ سلسلة من التدميرات المستمرة تنتهى بفناء العالم والقضاء على الحياة على الأرض، ولهذا حذر العلماء فى الثمانينيات كثيرا من إقدام أى من المعسكرين على استخدام السلاح النووى. وبعيدا عن التوترات العسكرية - لاسيما تلك التى تكون الولايات المتحدة طرفا فيها - فإن نهاية العالم ارتبطت كذلك بالكوارث الكونية الهائلة التى توقع فيها العلماء اصطدام النيازك أو المذنبات بكوكب الأرض اصطداما ينذر بكوارث بيئية ومناخية تنهى الحياة على سطح الأرض، ولعل زيارات مذنب «هالى» خير مثال على ذلك السيناريو الذى تكرر أكثر من مرة فى القرن الماضى حتى أنه بات «تيمة» ثابتة فى أفلام الخيال العلمى فى الستينيات والسبعينيات. فى السياق ذاته فإن اقتراب الألفيات والسنوات الختامية فى كل قرن أيضا من المؤشرات التى استخدمها البعض كمبرر لنهاية العالم؛ وعادة تشهد هذه السنوات الفاصلة تجمعات هائلة من البشر فى ساحات دور العبادة انتظارا للخطة النهائية، وهو المشهد الذى تكرر مع حلول الألفية الثالثة وربطه علماء الكمبيوتر بمشكلة الصفرين «الكمبيوترية» التى تنبأوا بتسببها فى شلل الحياة على الأرض وحدوث انهيار «تكنولوجى» يتزامن مع بداية سنوات الألفية الحالية مما يعجل بالنهاية.
الملاحظ أن «سيناريو» نهاية العالم فى تلك الحالة مرتبط بما اصطلح على تسميته «بساعة يوم القيامة» وهى نظرية تبناها علماء الذرة تعتمد على رصد سباق التسلح النووى العالمى الذى بدأ مع عام 1947 وقراءة تطور الصراعات الكبرى وعلى رأسها الصراع العربى «الإسرائيلى» وما يطرأ عليه من تباين فى ميزان القوى نتيجة للتراجع الدولى عن الالتزام بمعاهدات حظر التسليح ومنع الانتشار النووى، وهو ما سيتسبب بدوره وفقا لنظرية «ساعة يوم القيامة» فى اندلاع الحرب العالمية الأخيرة وفناء العالم، ويرى العلماء المساندون لهذه النظرية أن أحرج اللحظات التاريخية التى رصدتها «ساعة القيامة» تتمثل فى عام 2002 وما شهده من رفض أمريكى لسلسلة من معاهدات حظر التسليح وإعلانها الانسحاب من اتفاقية مناهضة الصواريخ «الباليستية» فيما سيسعى الإرهابيون فى المقابل لامتلاك سلاح نووى وبيولوجى مما ينذر بفوضى أمنية شاملة، و«ساعة يوم القيامة» على هذا النحو تتحرك أماما وخلفا وفقا لمعطيات الأحداث وهدوئها أو اشتعالها. «ساعة يوم القيامة» دفعت قطاعاً من المتدينين المتعصبين إلى تبنى نظرية موازية عرفت «بساعة أرمجيدون» تعتمد بشكل رئيسى على قراءة تاريخ اليهود ودولة «إسرائيل» وترتكز هذه النظرية على قراءات من العهد القديم وأهمها ما جاء بسفر «دانيال» عن نبوءة موافقة أعداء المسيح على توقيع اتفاقية السلام الكاذبة التى فسرها البعض بأنها كامب ديفيد فيما ذهب البعض إلى أنها اتفاقات أوسلو مما ينذر ببدء سنوات الملاحم والتمهيد للمعركة الأخيرة - هرمجدون- ثم ظهور المسيح، وكذلك التعامل مع بعض الظواهر الطبيعية كمؤشرات مهمة مثل أعاصير «الأطلنطى» المدمرة التى أصابت «أمريكا» 2005 فضلا عن تغير الخريطة السياسية وما صاحبه من تنام لقوة «الصين» الاقتصادية واعتمادها بحلول عام 2004 على البترول مما يجعل لها مصالح استراتيجية وأطماعاً فى منطقة الشرق الأوسط وهو ما يؤجج الصراع فى المنطقة، و«ساعة هرمجدون» تتحرك أماما فى التاريخ وفقا لما يحدث لليهود ودولتهم بعد تجمعهم من الشتات!
ووفقا لنبوءات «الساعتين» فإن النهاية على هذا النحو باتت وشيكة، وبرغم ارتباك الصراع النووى وانفلات سباق التسلح بعد دخول «الهند وباكستان» و«إيران» وقبلهم «إسرائيل» إلى الساحة فإن حسابات «ساعة يوم القيامة» تمنحنا بعض الوقت فيما يؤكد مؤيدو ساعة هرمجدون على أن الوقت التنازلى بدأ فعلا، ولهذا فلم يكن من المستغرب أن يكثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن قرب نهاية العالم وبدء ساعات المواجهة الحاسمة بين العرب و«إسرائيل» لاسيما مع بداية الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد «لبنان». والملاحظ أن تعقد الملف النووى الإيرانى منح الإسرائيليين ومعتنقى الفكر «المسيحى الصهيونى» فى «أمريكا» والعالم فرصة بدء «الولولة» - إن جاز التعبير. على مستقبل اليهود ودولة «إسرائيل»، وبالتالى استعطاف العالم كله لحشد المساعدة لإسرائيل باعتباره واجبا دينيا فى المقام الأول وحتى تحدد كل دولة موقفها من معسكر المتصارعين فى موقعة «أرمجيدون» التى حاولت بعض الأصوات المتطرفة الإيهام بأنها أخذت بالفعل أول منعطفاتها مع تحرك «حزب الله» كذراع «إيرانى» ازدادت قوته بتزايد قوة «طهران» النووية، والمثير أن الموقف «الأوروبى» الدامى لوقف فورى لقصف «لبنان» ترجمه المتطرفون على أنه الحزب المعادى للمسيح، مما يضع المعسكر «الأوروبى» كله فى خانة الأشرار الذين تفنيهم «أرمجيدون»، يريد تأخير الموقعة!! ولعل ذلك التصور المرتبط بمعركة نهاية العالم وجد طريقه إلى الشارع الغربى حتى سيندى شيهان الناشطة المناهضة لحرب العراق حذرت من مغباته قبل توتر الأحداث فى لبنان بنحو 5 أشهر، حيث قالت: إن فكرة استخدام السلاح النووى باتت أكثر رعبا فى ظل وجود كل هؤلاء المتعصبين دينيا الذين يصلون من أجل بدء هرمجدون وأضافت: المؤمنون المزيفون فى البيت الأبيض يروجون لفكر ما بعد المسيحية الذى يزعم أن المسيح كان داعية حرب ومن ثم فإن أيا مما يفعله بوش هو أمر مقبول باعتباره رجلا مسيحيا والفكرة نفسها وجدت صدى بين أوساط المثقفين الأمريكيين سواء المتشددين أو المعتدلين وبينهم «جارى» ديمار رئيس مؤسسة «رؤية» الإعلامية الأمريكية الذى تتبع ما أسماه بهوس العمل على تحقيق أرمجيدون على امتداد التاريخ مشيرا إلى لجوء المسيحيين الإنجيليين المتطرفين إلى اسقاط رؤيتهم على الأحداث فى الشرق الأوسط مجددا إلى حد المطالبة بدخول صراع عسكرى مع إيران كرد فعل على تماديها فى الملف النووى مما يهدد أمن إسرائيل وبالتالى التعجيل بأرمجيدون.
على رأس هؤلاء الإنجيليين المهووسين الواعظ جون هاجى الذى يترأس كنيسة يصل رعاياها إلى 20 ألف مسيحى فضلا عن امتلاكه ومشاركته فى قنوات تليفزيونية وإذاعية دينية تبث فى الأمريكتين وأستراليا وأفريقيا، وهو صاحب كتاب «العد التنازلى للقدس» والذى يدعو فيه صراحة إلى مواجهة عسكرية بين أمريكا وإيران وتقليم أظافر حزب الله ومساندة أمريكا لإسرائيل فى كل تحركاتها العسكرية فى المنطقة بما يضمن تأمين معسكر الخير فى معركة أرمجيدون قبيل نزول المسيح. إن الطابع الدينى لموقعة أرمجيدون جعل بعض المفكرين العرب كذلك يحذرون من التخطيط لها، حتى أن الكاتب العراقى عمر فضيل حذر من العمل على الاحتشاد لهذه المعركة الأخيرة والذى يرى فضيل أنه بدأ منذ الحرب الأولى على العراق، مشيرا إلى أن سيناريو الصراع فى المنطقة دائما يستهدف سوريا وإيران وسائر دول المنطقة فى مواجهة إسرائيل إلى حد أن التيار المتعصب دينيا من شيعة إيران يسعون فى المقابل إلى خلق صورة من المهدى المنتظر أو الإمام الثانى عشر عن طريق الترويج للملالى الشيعية فى مواجهة مخطط أرمجيدون الأنجلو إسرائيلى! ولا تفوتنا الإشارة فى هذا السياق إلى محاولات غربية عديدة لتصوير بن لادن على أنه المهدى المنتظر حتى أن العديد من المواقع الإخبارية والمخابراتية الإلكترونية على الإنترنت عمدت أى تحليل أحد شرائط الفيديو لبن لادن فور إعلان الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد أن ألمحت إحدى القيادات المخابراتية الأمريكية إلى احتمال كون لـ«بن لادن» هو المهدى المنتظر مما يتطلب مواجهة عسكرية دينية مختلفة تماما عن تكنيك حرب الإرهاب نظرا لاختلاف طبيعة الشخصية التى يستهدفها الأمريكيون فى تلك الحالة! إن ذلك الدفع الإعلامى المستمر لفكرة أرمجيدون أو نهاية العالم لم يعد أمرا غير ملحوظ أو من السهل تجاهله لاسيما بعد أن حققت الكتب التى تتحدث عن النبوءات الخاصة بهذا الشأن مبيعات خيالية فى الفترة الأخيرة ومنها كتاب يترجم إشارات الكتاب المقدس خاصة العهد القديم إلى أحداث ووقائع من التاريخ المعاصر إلى حد الزعم بأن صدام حسين وشارون وبوش كلهم شخصيات تاريخية ذكرت ضمنيا فى إطار التنبؤ بنهاية العالم والصراع الأكبر فى الشرق الأوسط فيما أجرى أحد المواقع الإخبارية الدينية حوارا مع «مايكل إيفانز» كاتب واحد من أكثر هذه المؤلفات انتشارا والذى ارتكز فى مؤلفاته على أن - أمريكا - كدولة - ذكرت فى الكتاب المقدس باعتبارها الكيان الذى أجرى اتفاقات مع أبناء «إسماعيل» - أو العرب المسلمين من ناحية وأبناء «إسحاق» أو «يهود إسرائيل» من ناحية أخرى مما يضعها فى منتصف الصراع بين الأشقاء - بحسب ما يقوله «إيفانز» - ويجرها بالتبعية إلى تهديد أمنها ومستقبلها كما حدث فى 11 سبتمبر كمؤشر بداية المواجهات التى ستمهد لنهاية العالم!
إن كلمة «أرمجيدون» نفسها يعتقد أنها مأخوذة من «هار مجيدو» العبرية والتى تعنى «جبل مجيدو» والمفترض- وفقا لنبوءات الكتاب المقدس - أنه سيشهد جمع الأطراف المتصارعة وهى نبوءة يراها الكثيرون غامضة، إذ إنه من غير الواضح ما إذا كان الجمع مقصوداً به تجمع المقاتلين فقط أم صراعهم كذلك فى نفس المنطقة؛ والتل نفسه شهد معارك ملحمية سابقة انتهت بالقضاء على آخر سلالة «داود» عليه السلام، وفى «مجيدو» القديمة المجاورة للجبل جرت مواقع عسكرية تاريخية كانت «مصر» القديمة وملوكها طرفا منتصرا فيها ومنها موقعة «تحتمس» الثالث مع «الكنعانيين» وحلفائهم من ملوك «مجيدو» و«قادش»، وأخيرا معركة «مجيدو» فى الحرب العالمية الأولى بين دول الحلفاء والجيش العثمانى! ومازال الموقع يحمل بصمات الجانب المنتصر وآثار الجانب المهزوم منذ عهود ما قبل الميلاد وحتى الآن!
المصدر: روز اليوسف
إضافة تعليق جديد