ماذا يقول الجنود الإسرائيليون عن مقاتلي حزب الله
يروي العريف الاسرائيلي افياتار شاليف لصحيفة «واشنطن بوست» اللحظة التي لمح فيها مقاتلاً من «حزب الله» على مسافة قريبة منه وهو يحمل صاروخاً يستعد لإطلاقه فيقول «طلبنا طوافة قتالية، دخلنا الى المنزل، اتخذنا وضعا دفاعيا وبدأنا بالصلاة.. لا يمكن لك في هذه الحالة إلا ان تتخيل بقعة ضوء حمراء تدخل من النافذة».
تعتبر القدرة القتالية لـ«حزب الله» من أهم المفاجآت التي «اكتشفها» العدو الاسرائيلي في لبنان، في وقت يجمع ضباطه وجنوده من الذين تمكنوا من العودة أحياء من المعارك مع رجال المقاومة، على الصعوبة والمفاجآت التي يواجهونها والإحباط الذي يشعرون به.
المئات من أفراد لواء «ناحال» عادوا الى اسرائيل منهكين. وفي انتظار عودتهم مجددا الى لبنان، يروون المصاعب التي يواجهونها مع «عدو صعب»، يقرون بأنه فاجأهم بقدراته، وفي «معركة قاسية» يؤكدون بأنها طالت اكثر مما توقعوا.
و«من موقعه في إحدى القرى اللبنانية، يسمع الجندي الون جلنيك أصوات انفجارات قذائف «حزب الله» تقترب منه أكثر فأكثر. تسقط إحداها على بعد أمتار منه فيلقيه ضغطها ووميضها أرضا. يزحف وهو يرتجف الى مكان آمن مطلقاً كل الشتائم التي يعرفها؛ لم يصب بأذى لكن كلامه راح يخرج مضطربا ومتلعثما».
يقول الجندي جلنيك «ادركت اننا نقاتل جيشاً حقيقياً منظماً، هؤلاء اشخاص يعلمون جيدا ماذا يفعلون».
أما الرقيب عساف فيؤكد ان القتال ضد «حزب الله» «محبط للغاية»، ويضيف «انها لمفاجأة في كونهم يقاتلون بهذا الشكل وما زالوا صامدين، كنت اتوقع ان ينتهي الامر خلال اسبوعين».
وفي واقعة مشابهة، يقول الجندي رون ايفان «من مسافة معينة ترى ضوءاً احمر ثم وميضاً ابيض، تسمع بعدها صوت القذائف». يضيف «يا الهي! تشعر بالهواء يتموّج من حولك كاصطدام هائل».
يقر الجنود بأن العمليات ضد «حزب الله» تعني مواجهة مقاتلين «مستعدين للمجابهة»، ويستخدمون القنص والقذائف.
ويقول العريف ماتان تايلر من لواء «ناحال» انه «في الكثير من الاوقات نستطيع رؤيتهم فقط عندما يريدون ان يلفتوا انظارنا ثم نجدهم يضربوننا من الخلف»، يتابع مضطربا «انه أمر مرعب، لا تشعر انك ضعيف ولكنك تشعر انك مهدد، هناك دائماً شيء مجهول».
ويضيف تايلر «لا يمكنك ان تستخف بقدرة حزب الله، انهم اسياد ارض المعركة، يعرفون المكان افضل منا، يعلمون الاماكن التي يمكنهم الاختباء فيها والوقت الذي يمكنهم ان يتنقلوا فيه، كما انهم يعلمون جيدا اين نحن».
اما شمويل اوين، وبراين واكسمان، ودايفد غروس، وهم ثلاثة اميركيين جاؤوا الى اسرائيل للتطوع في الجيش تعبيراً عن ولائهم للصهيونية، فيؤكدون ان المعركة ضد «حزب الله» تخطت كل التوقعات.
ويشير اوين الى ان الجنود الإسرائيليين كانوا في السابق يتحدثون عن الحرب ضد لبنان «على سبيل النكتة»، ويضيف «ربما توقعنا انها ستكون حرباً كبيرة، ولكن الآن، اللعنة، انها حرب غريبة كليا».
اما واكسمان، فيؤكد انه اصيب بالذهول من طريقة تحصن «العدو» وتخفيه، ويضيف «اعتقد ان الجيش الاسرائيلي تفاجأ منذ البداية، هناك خنادق لا نعرف موقعها، كما اننا لا نعلم من اين تنطلق القذائف»، ويتابع «الامر صعب للغاية، نواجه حرب عصابات يشنها اشخاص منظمون للغاية».
بدوره، يؤكد غروس ان الحرب «بطيئة جدا» ويشير الى ان «مثل هذا الامر يصيبنا بالجنون»، معرباً عن شكوكه في نجاح اسرائيل في وقف الصواريخ، «تشعر انك تقوم بابعادهم لكنهم ما زالوا يستطيعون اطلاق الصواريخ بشكل اكبر، انه امر محبط».
ولا يخفي الجنود الاسرائيليون اضطرابهم من البطء في خطوات العملية، مشيرين الى انه عندما اجتاحت اسرائيل لبنان في العام 1982 استطاعت احتلال مناطق على مسافة عشرة اميال خلال يومين، على خلاف ما يجري اليوم. فبعد أكثر من ثلاثة اسابيع من القتال، تقتصر العمليات على سلسلة من القرى على طول الحدود.
ويشير الملازم ايتامار آبو الى الصعوبة التي يعاني منها في شرح الموقف لسكان مستوطنته عندما يزورهم في اجازته، فيقول «عندما تسقط الكاتيوشا على بيت احد الاشخاص، سيكون من الصعب ان تشرح له ان الامور تسير على نحو جيّد، سيطالبك دوماً بانهاء الوضع»، ويتابع «اعتقد ان ما نقوم به يساعد ولكن لا احد يعلم كيف ومتى ستنتهي هذه الحرب، التهديد سيستمر على حدودنا».
وتنقل صحيفة «نيويورك تايمز» عن ضباط وجنود اسرائيليين تأكيدهم ان «حزب الله مدرّب كجيش ومجهّز كدولة»، ويشير احدهم الى ان مقاتلي الحزب «مدربون بشكل جيد ويتمتعون بكفاءة عالية»، مضيفاً انهم «مجهزون بسترات واقية ومناظير للرؤية الليلية، ووسائل اتصالات، وفي بعض الاحيان بلباس وعتاد اسرائيليين».
وهذا ما يؤكده العريف ماتان تايلر، الذي يشير الى ان امراً تلقاه من قائده، للتنبه من مقاتلين يرتدون زياً عسكرياً اسرائيلياً، ويتابع «في اليوم التالي ابلغنا عن مجموعة من حزب الله تهاجم الجيش الاسرائيلي، كان افرادها يرتدون لباساً زيتياً بكتابات عبرية».
من جهة ثانية، يتحدث الإسرائيليون استناداً الى الصحيفة، عن امتلاك «حزب الله» لمنظومة اتصالات متطورة عبر الاقمار الاصطناعية، بالاضافة الى انواع من الصواريخ الروسية المضادة للدبابات، والتي تعتبر الاكثر تطوراً في العالم، اذ يوجه البعض منها سلكياً، فيما يوجه البعض الآخر عبر اللايزر، وهي قادرة على حمل رؤوس تفجير مزدوجة، بحيث يحدث الانفجار الاول فجوة في الدبابة المستهدفة فيما يؤدي الانفجار الثاني الى الحاق اكبر قدر من الاصابات البشرية. والى جانب استخدامها ضد الدبابات، يقوم مقاتلو المقاومة بإطلاق هذه الصواريخ على المنازل التي يختبئ فيها الجنود الإسرائيليون فتحدث تأثيراً مشابهاً: خرقاً للجدار ثم انفجار في الداخل، مع الاشارة الى انهم استطاعوا ان يدمروا من خلالها اكثر الدبابات الاسرائيلية تطورا «الميركافا».
ويؤكد الجنرال الاسرائيلي يوسي كبرماسير، ان مقاتلي الحزب «يستطيعون استخدام هذه الصواريخ بدقة من مسافة ثلاثة كيلومترات».
ويقول الاسرائيليون ان سوريا زودت «حزب الله» بصواريخ «كورنيت» التي يتم توجيهها عبر اللايزر، والتي يصل مداها الى ثلاثة اميال، مشيرين الى ان الحزب قد لا يستخدمها الا بعد تقدّم الاسرائيليين بحيث تصبح امداداتهم ابعد، ما يسهل عملية ضربهم.
ويقول دايفد من نون من لواء «ناحال»، ان الصواريخ المضادة للدبابات تشكل الرعب الاكبر بالنسبة للجيش الاسرائيلي، مضيفاً ان الجنود لا يستطيعون البقاء في اي منزل، فهم لا يعرفون من اين يهاجمون. الا ان اكثر ما يقلق الاسرائيليين هو استخدام مقاتلي الحزب لشبكة انفاق يخرجون منها لاطلاق صواريخ محمولة على الكتف، ثم يختفون مجدداً.
الكولونيل موردخاي كاهان، قائد وحدة «ايغوز» في لواء «غولاني»، تحدث لصحيفة «يديعوت احرونوت» عن اسوأ ايام المعركة، عندما خسرت وحدته احد ضباطها وعددا من جنودها في بلدة مارون الراس على يد مقاتلين من «حزب الله». فيؤكد «لا نعلم أين سنلاقيهم قد يكون ذلك في خندق او في كهف». ويشير كاهان الى ان مخازن حزب الله ليست مجرد كهف طبيعي «انها حفر مجهزة بالسلالم ومداخل الطوارئ والمخارج».
ويصف الرقيب يوسف، وهو عنصر استطلاع للواء «بارام» من فصيلة عسكرية، ان احد الخنادق التي وجدها الجيش الاسرائيلي قرب بلدة مارون الراس «كانت على عمق اكثر من 25 قدما، وتحتوي على شبكة من الانفاق وغرف للتخزين، ومداخل ومخارج عدة، ومجهزة بكاميرا مراقبة موصولة على شاشة في الاسفل لتمكين المقاتلين من التربص بالجنود الاسرائيليين».
وتعتمد المقاومة أيضا على زرع العبوات ضد جنود الاحتلال، في محاولاتها لإعاقة تقدمهم. وفي حين استطاعت القوات الإسرائيلية مواجهة العبوات السلكية عبر قطع الاسلاك والتشويش على العبوات اللاسلكية (التي تفجر عبر موجات راديوية)، قام «حزب الله» بتطوير أجهزة التحكم بحيث بات يستخدم اجهزة خلوية وحتى شعاعية.
ويقول الاسرائيليون ان عدد مقاتلي الحزب يتراوح ما بين الالفين الى الاربعة آلاف عنصر، إضافة الى عدد اكبر من متطوعين يقدمون خدمات لوجستية متفرقة. كما يشيرون الى المرونة التنظيمية للحزب، بحيث ان قواته العسكرية تتوزع على مناطق ثلاث، تتمتع كل واحدة منها بنوع من الاستقلالية.
ولا يقتصر الحديث عن قدرة «حزب الله» على جنود وضباط جيش الاحتلال، اذ لا يخفي المسؤول الاسبق لقوات الامم المتحدة في جنوب لبنان، تيمور غوكسيل اعجابه بالتزام عناصر الحزب وتنظيمهم، مؤكداً انهم «لا يخافون الجيش الاسرائيلي ابداً بعدما قاتلوه لمدة 18 عاما». ويشير الى ان بمقدور «حزب الله» ان «يضايق الجيش الاسرائيلي وان يدرس عيوبه»، فالحزب بات يثق بأنه «يقاتل جيشاً عادياً لديه العديد من نقاط الضعف والحماقات».
ويصف غوكسيل مقاتلي الحزب بانهم يتمتعون بالصبر والحرص والقدرة على جمع المعلومات الاستخباراتية التي توضح لهم قوة النيران الاسرائيلية وقدرة الجيش على التحرك. ويضيف «يعلم الحزب جيداً ان المعركة غير متكافئة لكنه يعلم ايضاً انه يقاتل على ارضه والى جانب شعبه».
ويقول غوكسيل ان مقاتلي الحزب يرصدون كل التفاصيل حول عدوهم، كما انهم يقيمون عملياتهم جيداً سواء لجهة اخطائهم وردة فعل الجيش الاسرائيلي، مشيراً الى انهم قادرون على اخذ الاسرائيليين الى معركة مفتوحة واستدراجهم الى مناطق مجهزة جيداً بعيداً عن خطوط الامداد.
وفي المجال الاستخباراتي، نقلت مجلة «نيوزويك» عن ضباط اسرائيليين قولهم ان الحزب نجح ايضاً في اختراق اتصالات الجيش الاسرائيلي، في وقت اشارت فيه صحيفة «جيروزاليم بوست» الى اخفاق كبير على مستوى الاستخبارات الاسرائيلية في تحديد الاماكن التي يتواجد فيها قياديو الحزب والاهداف العسكرية، ما دفع بجهازي الشين بيت والموساد الى تخطي المنافسة التاريخية في ما بينهم والعمل مؤخراً بشكل مشترك.
ومع انهاء العدوان شهره الاول، يقول ضباط الجيش الاسرائيلي انهم قتلوا جزءاً صغيراً فقط من مقاتلي الحزب، وان الحزب ما زال يملك مئات قواعد الصواريخ والاف الصواريخ.
إلا ان التعليق الاكثر تعبيراً عن اخفاق اسرائيلي كبير، هو ما نقلته صحيفة «الغارديان» عن مراسليها الذين جالوا في طرقات جنوبية وصفوها بأنها «اكثر طرق العالم خطورة» اذ لم يجدوا اي اثر للجيش الاسرائيلي باستثناء ما يدل على «فشله»: الدبابات المحروقة.
المصدر:صدى الوطن
إضافة تعليق جديد