سورية 2008: امتصاص الضغوط الامنية وخروج من العزلة

واجهت سورية على مدى ثلاث سنوات ضغوطا مختلفة سياسية واقتصادية عقب خروج جيشها من لبنان عام 2005، إضافة إلى الاتهامات المتلاحقة لها حول مسؤوليتها عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و ما تبع ذلك من توترات في علاقاتها العربية والدولية، الأمر الذي أحكم عليها حصارا سياسيا اقليميا ودوليا.

لكن أشد هذه الضغوط هو ما واجهته دمشق هذا العام وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة منه، حيث انتقلت الضغوط من أشكالها السياسية والاقتصادية إلى أشكال أشد وطأة تمثلت بأعمال عسكرية عبر الحدود مع العراق وبأعمال تفجير في دمشق أودت بالعديد من المدنيين السوريين قتلى وجرحى.

ففي التاسع والعشرين من شهر أيلول 2008 هز دمشق انفجار سيارة ملغومة بمئتي كيلوغرام من المواد المتفجرة أودى بحياة 17 سوريا وجرح أكثر من ستين.

وكان هذا التفجير الأول من نوعه منذ أكثر من عشرين عاما عقب مواجهات بين السلطات وجماعة الأخوان المسلمين وبعد فترة هدوء أمني لم تشهد سورية خلالها حوادث مماثلة طالت مدنيين سوريين، الأمر الذي شكل قلقا لدى الشارع السوري حول احتمال تجدد عمليات التفجير والاغتيال على مثال التي شهدتها المدن السورية في ثمانينيات القرن الماضي.

لكن السلطات السورية، وبعد فترة قصيرة، أظهرت على شاشة التلفزيون السوري مجموعة قالت أنهم أعضاء في تنظيم فتح الإسلام، حيث أدلى هؤلاء باعترافات حول مسؤوليتهم عن عملية التفجير المذكورة كاشفين أن العملية نفذها انتحاري سعودي ينتمي إلى التنظيم المذكور.

وبعد ما يقارب الشهر من عملية تفجير السيارة الملغومة قامت طائرات أميركية في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي بالإغارة على قرية السكرية في منطقة البوكمال المحاذية للحدود السورية العراقية بهدف القضاء على مجموعات من المهربين تقوم بنقل مسلحين إلى العراق حسب الحكومة العراقية.

وادى الهجوم الى مقتل ثمانية من المدنيين السوريين غالبيتهم من عمال البناء من بينهم عائلة بأكملها, إضافة إلى جرح عدد آخر, الأمر الذي توتر العلاقات السورية الأميركية أكثر مما هي متوترة أصلا ودفع بالحكومة السورية إلى استدعاء القائمة بالأعمال الأميركية بدمشق مورا كونالي وتقديم احتجاج رسمي إليها.

وأعقب ذلك إغلاق المدرسة الأميركية والمركز الثقافي الأميركي في العاصمة السورية ووجهت الخارجية السورية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وصفت فيها الغارة الأميركية (بالعمل العدواني السافر).

ويربط محللون سوريون بين هاتين الحادثتين وتزامنهما مع نهاية الولاية الرئاسية للرئيس الأميركي جورج بوش الذي فشل طوال السنوات الثلاث الأخيرة في دفع دمشق إلى تغيير موافقها السياسية على الصعيد الإقليمي وبشكل يتوافق مع التوجهات الأميركية على مستوى المنطقة, الأمرالذي جعل العلاقات السورية الأميركية في أشد أوضاعها توترا نسبة إلى عقود ماضية.

- لكن المصادر الرسمية السورية ورغم إشارتها إلى سلبية الحادثتين التصعيدية والضغوط التي تحاصر سورية والتي تجلت بالأعمال العسكرية و لأمنية الأخيرة فإنها تلفت إلى أن هذه الضغوط لم تغير من توجهات دمشق تجاه قضايا المنطقة.

فقد اكدت بشرى كنفاني، مديرة دائرة الإعلام في الخارجية السورية، لـبي بي سي أن: دمشق ورغم هذه الضغوط فقد استمرت تخطو في سياستها الخارجية أكثر فاكثر نحو الانتفاح وإيضاح مواقفها تجاه قضايا المنطقة, مما جعل العديد من الدول تعيد قراءة الموقف السوري والتعامل معه بشكل مختلف.

وهذا ما تجلى حسب كنفاني بزيارة الرئيس بشار الأسد لفرنسا وانعقاد القمة الرباعية بدمشق وزيارة وزير الخارجية البريطاني للعاصمة السورية والزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسباني لها مطلع العام المقبل.

كل هذا حسب كنفاني أدى إلى نجاح السياسة الخارجية السورية في فك طوق العزلة الذي كان مفروضا على دمشق وعلى أساس ركيزتين هامتين: الأولى القدرة على امتصاص الصدمات الأمنية والعسكرية التي تعرضت لها دمشق, والثانية كانت بالخطوات الإيجابية على صعيد تفعيل التواصل الخارجي مع عواصم القرار والسعي لشرح التوجهات السورية التي أكدت الأحداث صوابيتها ومصداقيتها على أرض الواقع حسب قولها.

من هنا فإن العام الجديد 2009 سيكون عام الاستحقاقات على الصعيد السوري. فبعد هذا الانفتاح الإقليمي والدولي على دمشق فإن الجميع بانتظار الخطوات المقبلة التي سترسم شكل العلاقات التي يمكن أن تكون بين العاصمة السورية والدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية في ظل الإدارة الجديدة وانعكاس شكل هذه العلاقات على الوضع الإقليمي والعربي بالدرجة الأولى وعلى دور سورية وفعاليتها في هذا الوضع.

المصدر: BBC