النفوذالإعلامي للأصوليين في الكويت:من صفحةأسبوعيةإلى محطات فضائية

11-11-2008

النفوذالإعلامي للأصوليين في الكويت:من صفحةأسبوعيةإلى محطات فضائية

صورة الإعلام في الكويت اختلفت تماما عما كانت عليه من قبل، أي في مطلع الثمانينيات. ففي تلك الفترة بدأت الجماعات والحركات الإسلامية تطل على الرأي العام من نافذة صفحة دينية تصدر كل يوم جمعة وفي المناسبات، واتخذت طابع نشر الدعوة الإسلامية، وغلبت عليها الخطابة وقضايا تتصل بالعبادات ومسائل الحلال والحرام.
وأصبح التقليد السائد في الصحف اليومية أن تخصص كل منها صفحة أسبوعية تتعاطى بالشأن الإسلامي، لكنها لم تدم على هذه الحال حيث أخذت طابع السؤال عن هوية الصفحة ومعدها، أي هل هي محسوبة على الإخوان أم على السلف، وعليه تحدد الردود والمناكفات الدائرة حول الانتماء الديني والسياسي لها.
مع نهاية التسعينيات انتقل الثقل الأساسي للحركات الإسلامية الأصولية إلى صفحات الرأي والمقالات، وباتت تزخر بالكتاب ذوي الانتماءات الحزبية، فهذا من تيار السلف أو من الإخوان، وذلك من المحسوبين على جماعة معينة من الشيعة، والذين يعيشون أيضا حالة من الفرز الديني، تتحدد هويتهم بحسب الجهة التي ينتمون إليها.
ودخل نفوذ هذه الجماعات إلى قاع المؤسسات الإعلامية الخاصة على الأقل في هذه المرحلة، وكان من السهل على المتابع أن يحدد عدد واتجاهات »الكتاب الإسلاميين« في كل صحيفة، والتي وجدت نفسها في وضع من الصعب أن تتجاهله، بل إن هناك من فتح مؤسسته وسخرها لهذا الطرف أو ذاك، في صورة الصراعات والتجاذبات السياسية. والحديث هنا عمن يتحالف مع الحركات الأصولية أو من يداريهم وينظر للمسألة من زاوية قاعدة القراء والعمل على استقطابهم، وفي هذه المرحلة كانت المنافسة بين الصحف على من يستحوذ على شريحة أكبر من القراء أصحاب الاتجاهات الإسلامية ويعمل على استكتاب أحد رموزهم ومفكريهم.
ويروي صحافي عاصر تلك الفترة، وكان يعد صفحة عن التراث، أنها اختفت. ونقلت له قارئة، على علاقة برئيس تحرير الصحيفة، قوله، عندما سألته عن سبب غياب الصفحة، »أوقفناه لأنه علماني!«.
وأتت مرحلة ما بعد التحرير (من الغزو العراقي)، وهي المرحلة التي شهدت انتشار »الصحوة«، أي الحركات الأصولية، وساعدتها متغيرات على المسرح الإقليمي والدولي على التوسع، من خلال زيادة عدد النواب في مجلس الأمة (البرلمان) وقيام العديد من المؤسسات الاقتصادية الإسلامية.
وإن كانت بدايات الانطلاقة في الثمانينيات، فقد استطاعت هذه الجماعات أن تستحوذ على جمهور عريض أصبح يحسب له حساب في المعادلات السياسية والإعلامية والاقتصادية. وكان من الطبيعي أن تتوجه الأنظار نحو مفصلين حيويين ذوي شأن وجدوى، وهما قطاع الإعلام وقطاع التربية، وإن كان توفر المال، كقوة إضافية، ساهم بدفع الحركات إلى الواجهة الرئيسية كقوة لها نصيب من »البزنيس« والإعلام والسياسة.
وعلى نمط الجماعات السياسية ذات الفكر الأيديولوجي المتشدد، كان الإعلام الساحة المفضلة، كوسيلة للهيمنة والانطلاق وإيصال »المنتج الإسلامي« إلى المجتمع. وارتفع نفوذ هذه الحركات سواء بعدد الكتاب والمحسوبين عليهم أو بعدد المنابر الإعلامية التي تنطق بأسمائها.
وكان واضحا أن »الحرفنة« تقتضي إلباس الدين الثوب السياسي الذي يناسب المهمة والدور، ولم يكن ذلك عيبا أو مخفيا، أو أمرا يتسترون عليه، فهؤلاء يؤمنون بأن لديهم فكرا بدون أن يقارعوا به الآخرين، وهو فكر نابع من البيئة والتاريخ العربي والإسلامي.
مع دخول الألفية الجديدة، وفي مناخ سياسي يسمح بممارسة الديموقراطية والتعبير عن الرأي عبر انتخابات مجلس الأمة وجمعيات النفع العام والاتحادات والنقابات، حققت الحركات الأصولية مستويات عليا من التمثيل على مستوى الحياة السياسية والإعلامية في الدولة، وكان من الطبيعي أن تظهر هذه القوة في وسائل الإعلام المختلفة الأشكال في عالم ثورة الاتصالات.
ويشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الزميل الدكتور فلاح المديرس، في دراسة يعدها عن العنف الديني، إلى أن هناك أكثر من ١٨ مجلة حزبية وغير حزبية تعود للحركات الأصولية الإسلامية، بالإضافة إلى أن المنابر الإعلامية المحسوبة على تلك التيارات تتمثل الآن بملكية صحف يومية تزيد على خمس صحف تنطق باسمها أو تعبر عنها، ومحطات فضائية خاصة تعمل في الدائرة ذاتها، والأمر لم يتوقف عند حدود الصحافة والمطبوعات الدورية الأسبوعية بل انتقل اليوم إلى الإعلام الرسمي من إذاعة وتلفزيون وبرامج خاصة لهذا الغرض.
واقع الإعلام في الكويت اليوم أنه يتحدث عن »إعلام ديني« إن صح التعبير، وهو إعلام يعكس حجم ونفوذ الحركات الأصولية بكل أطيافها المذهبية والحزبية، والموضوع أصبح من الحقائق الثابتة والمسلّم بها، فلم يعد احد ممن يملك وسيلة إعلامية يقدم على تجاهل أو تهميش هذه الحركات، بل الصراع على المدى الذي يمكن أن يتم الاستحواذ عليه.
وربما كانت مداخلة رئيس تحرير صحيفة »القبس« وليد النصف، خلال استعراض وزير الإعلام الشيخ صباح الخالد الصباح أمام رؤساء تحرير الصحف لواقع العمل الإعلامي في الكويت وحديثه عن الانفتاح والفن والغناء والمسرح، أفضل تعبير. وقال النصف »ما يتحدث عنه الوزير يناقض ما نشاهده في تلفزيون الكويت الرسمي، حيث بصمات ووجود القوى الإسلامية تهيمن على تلفزيون الدولة، ويتم عرض أسوأ أنواع البرامج الدينية«.
لقد أصبح من الصعب أن يخرج مشروع إعلامي جديد من دون أن يكون »للمتأسلمين«، أي الجماعات الدينية التي تتعاطى العمل السياسي، نصيب أو حصة فيه. هكذا تطورت المنابر الإعلامية، من صفحة يومية في الثمانينيات، إلى كتاب ومفكرين لهم تأثير ووزن في التسعينيات، إلى صحف يومية ومجلات أسبوعية ومحطات فضائية وبرامج تلفزيونية في الألفية الجديدة، لتكتمل بذلك عدة التوجيه والتأثير والاستحواذ على العقول، وهو هدف يغري من يعمل على استقطاب الناس وإيجاد وسيلة لنقل المنتج الذي يؤمن به ويسعى للترويج له.

حمزة عليان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...