فوائد طفي الكهربا
خطيب بدلة: قال الكاتب العفشيكا لزوجته إن ثمة هواجس وأفكاراً عجيبة وغريبة تخطر في باله هذه الأيام، وإنه يخاف أن تتطور هذه الأفكار فتسبب له تشوشاً في عقله!
حوقلت الزوجة في سرها وتمتمت قائلة: شي حلو. إذا جن الزلمة وقعد في خلقتي أشم هوا غربي! وقالت له: سلامتك تقبرني. ما هي هذه الأفكار؟
قال: بينما أنا آت إلى البيت في السيرفيس، وكنت شارداً، إذ وقع بصري على آرمة كتب عليها (مديرية الكهرباء).. فوجدت نفسي أفرفح بيدي الإثنتين وأقول للسائق: هوب هوب.. أنزلني هنا.
فما كان منه إلا أن أجفل وخبط رجله على الفرامل، وتوقف السيرفيس فجأة، فذهبت رؤوس الركاب بفضل القوة النابذة إلى الأمام.. وكلهم صاحوا بصوت واحد: يا لطيف!
بلا طول سيرة، نزلت، ودخلت في مبنى المديرية، ومع وجهي ذهبت إلى غرفة المدير. طلبت من الآذن أن يدخلني إليه. وبعد انتظار حوالي ساعة ونيف، دخلت.
قالت الزوجة: لماذا دخلت؟
قال: بسبب الأفكار والهواجس التي حكيت لك عنها قبل قليل. المهم، بعد السلام على المدير، والتحية، والتعارف، والتي واللتيا، ذكرت له أن وضع الكهرباء الآن أفضل من السابق، ولكنني أريد أن تعودوا إلى عادة الطفي، فهي عادة محمودة. ورجوته ألا يكون للطفي وقت محدد، فالأفضل أن يكون فجائياً وعشوائياً.
فتحت الزوجة عينيها وفمها من فرط الدهشة وقالت له: ولماذا قلة الوجدان هذه؟
قال الكاتب: المدير وجه إلي السؤال نفسه، ولكن بطريقة أكثر لباقة من طريقتك. فقلت له إن للطفي- برأيي المتواضع- فوائد عديدة ربما لم ينتبه إليها أحد غيري في هذه البلاد المناضلة. سأعطيك مثالاً من تجربتي الشخصية، فأولادي- الله يخل لك أولادك يا أستاذ ويوفقهم حتى يصيروا مدراء مثل حكايتك- حينما تنطفىء الكهرباء يهرعون إلى المكتبة، ويعودون وكل واحد معه كتاب يستخدمونه في التهوية على وجوههم، وخلال التهوية يدفعهم الفضول لقراء بعض سطوره، وبعد قليل يستغرقون في المطالعة، فإذا واظبتم على طفي الكهرباء عن الناس بضع سنوات أخرى سيصبحون مثقفين من الطراز الرفيع!
قالت الزوجة باستهزاء: يا عيني على هذه الأفكار الجهنمية.
قال الكاتب: ومن مزايا الطفي، يا مرحومة البي، وهذا ما ذكرته للمدير، أن الناس يباشرون بالحكي والتذمر والقروشة، وبعضهم يقولون كلاماً أخجل من ذكره أمامك.. وبهذا يكسرون روتين الحياة والملل، بمعنى أن الطفي يحرك الجو. وثمة أمر آخر لا تعرفينه أنت ولا المدير، هو أن بعض الناس يسرقون الكهرباء من الشبكة العامة، ويسرفون في استهلاكها، ولا يدفعون من ثمنها قرشاً سورياً واحداً، وأما نحن الشرفاء فنقنن استهلاكنا ونخفضه إلى أدنى مستوى ممكن، ومع ذلك ندفع ثمن الكهرباء بالسعر التصاعدي. ومن الفوائد العظيمة لطفي الكهرباء هو أنه يحقق العدالة، ففي ساعات الطفي نتساوى نحن مع الحرامية! وهذا ما لم نكن نحلم به في ظل تدفق التيار في الأسلاك!
المصدر: النور
إضافة تعليق جديد