موريتانيا: الأزمة السياسية وخلفيات الانقلاب العسكري

الجمل:  نفذت القوات المسلحة الموريتانية صباح الأمس انقلاباً عسكرياً بقيادة قائد الحرس الجمهوري الموريتاني الجنرال محمد ولد عبد العزيز، ونقلت أجهزة الإعلام، الفضائيات صور الجنود الموريتانيين وهم يسيطرون على كافة المرافق الإستراتيجية الرئيسية، على النحو الذي أكد بأن زمام المبادرة والسيطرة قد أصبح بالفعل تحت قبضة الجنرال محمد ولد عبد العزيز ومجموعة الضباط المؤيدين له، والذين سبق أن شاركو بطريقة أو بأخرى في انقلاب عام 2005م، الذي أنهى نظام الرئيس معاوية ولد الطايع الذي استمر 21 عاماً.
• الأزمة السياسية وخلفيات الانقلاب:
في يوم الثلاثاء الموافق 5 آب (اغسطس) الحالي، حاول الرئيس الموريتاني السابق، سيدي محمد ولد شيخ عبد الله، فصل بعض كبار الضباط من الجيش الموريتاني، ومن بينهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الجمهوري.
الأزمة العسكرية التي نشأت بفعل قرار فصل الضباط سبقتها أزمة سياسية، وصلت إلى ذروتها، عندما صوت البرلمان الموريتاني بحجب الثقة عن مجلس الوزراء، وفي يوم الاثنين الماضي، وبسبب تعنت الرئيس الموريتاني في الاستجابة لموقف البرلمان، أعلن 48 عضواً في البرلمان الموريتاني عن خروجهم من عضوية الحزب الحاكم.
• خلفيات الأزمة السياسية، تعود في جذورها إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والتي تفاقمت أكثر فأكثر بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وموجة الغلاء الفاحش التي ضربت الاقتصاد الموريتاني، وتقول المعلومات، بأن الرئيس الموريتاني السابق، تجاهل الانتقادات الموجهة لنظامه بسبب الفساد، واستغل المظاهرات التي اندلعت مطلع هذا العام احتجاجاً على الغلاء، كفرصة مناسبة لتصفية حساباته مع الحكومة التي كانت قائمة آنذاك، بحيث قام بإعلان حل مجلس الوزراء، وقد وصفت بعض التحليلات  سلوك الرئيس الموريتاني السابق، بأنه قد نجح في استخدام وتوظيف مجلس الوزراء ككبش فداء استخدمه في التغطية و"لفلفة" الأمور.. على النحو الذي أفسح له المجال والسبيل لترتيب الأوضاع عن طريق تعيين مجلس وزراء يكون "أكثر انسجاماً مع توجهات الرئيس الموريتاني"
• ما هي الإشارات الأولى للانقلاب:
في الساعات الباكرة من صبيحة يوم أمس الأربعاء 6 آب (أغسطس) استولت القوات الموريتانية على السلطة، واعتقلت الرئيس الموريتاني السابق، وكبار مؤيديه، وأعلن الانقلابيون عن الآتي:
- تشكيل مجلس لإدارة شؤون الدولة برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الانقلاب
- الالتزام بحماية الحريات والحقوق.
- العمل من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية في الوقت المناسب وبأسرع فرصة.
• ردود الأفعال إزاء الانقلاب:
على مستوى الأمم المتحدة، طالب الأمين العام بان كي مون، بضرورة الالتزام القوي بخطط الأمن والنظام في موريتانيا، وأعلنت الناطقة الرسمية باسم الأمم المتحدة عن إدانة الأمين العام للانقلاب الموريتاني.
وفي واشنطن تحدث غونزالو غاليفوس، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قائلاً بأن الحكومة الموريتانية المنتخبة ديمقراطياً، وطالب العسكريين بإطلاق سراح الرئيس الموريتاني ورئيس الوزراء، والالتزام فوراً بشرعية الحكومة الدستورية المنتخبة ديمقراطياً، وشدد المتحدث غونزاليس على موقف الإدارة الأمريكية الذي يدين بشدة الانقلاب العسكري الموريتاني.
وفي فرنسا تحدث وزير الخارجية برنارد كوشنير قائلاً بأن فرنسا شديدة الاهتمام باستقرار موريتانيا، بأن من المبكر لباريس أن تتحدث عن الوضع السائد في موريتانيا..
هذا، وبرغم تباين وتعدد الآراء، واستخدام التعابير الدبلوماسية التي تنم عن الشعور بالأسف وعدم الرضا عن إطاحة العسكريين الموريتانيين بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً، فإن التوقع الأكثر احتمالاً، هو أن تتعامل الأطراف الدولية والإقليمية مع النظام الجديد باعتباره أمراً واقعاً.. وتشير لهجة باريس، إلى احتمالات أن تحاول فرنسا والولايات المتحدة التنسيق لجهة إدارة وتوجيه النظام الموريتاني الجديد ودفعه ضمن المسار الذي يمكن أن يتيح لمحور باريس- واشنطن ابتزاز قدرات الدولة الموريتانية، وعلى وجه الخصوص مخزونات النفط والغاز إضافة إلى قطاع المعادن الموريتاني.. كذلك، سوف يهتم محور باريس- واشنطن برصد مواقف النظام الموريتاني الجديد من بعض القضايا والتي سوف يأتي في مقدمتها:
- مدى قابلية النظام الجديد للمضي قدماً في تعزيز العلاقات الموريتانية- الإسرائيلية
- مدى قابلية النظام الجديد لجهة الانخراط في مشروع الحرب ضد الإرهاب
- مدى قابلية النظام الجديد لجهة تقديم المزيد من التسهيلات والإعفاءات للشركات الفرنسية والأمريكية التي تسعى لاحتكار الموارد الطبيعية الموريتانية، والتي تعتبر من أكبر وأهم الموارد العالمية لجهة المزايا الجيوبوليتكية التي تتمثل في قرب موريتانيا الجغرافي من الأسواق العالمية إضافة لتوافر الموارد الطبيعية بمخزونات كبيرة بسبب عدم القدرة الوطنية على استغلالها.

الجمل قسم الدراسات والترجمة