تيسر السعدي: صابر وصبرية عمل أعتز به
/تيسير السعدي/ فنان عتيق ونجم من الرواد الأوائل الذين أسسوا المسرح السوري, فهو من الأسماء البارزة التي عملت بجد لخلق مسرح حقيقي إضافة إلى عراقته في مجال الفن الدرامي الإذاعي ,
إذ رافق الناس عبر الإذاعة لمدة تفوق ال75 عاماً عبر المسلسل اليومي/ صابر وصبرية/ فكان أنيساً دائماً للأسرة السورية منذ أول تمثيلية بثتها إذاعة دمشق وعمل مخرجاً إذاعيا لفترة طويلة وقد أطلق الكثيرون عليه لقب ملك الإذاعة , وكان له مشاركاته التلفزيونية أيضاً أما أساسيات أعماله المسرحية والإذاعية بعد دراسة التمثيل في مصرفقد استلهمها من التراث مؤسساً لرابطة ودية مع المتلقي ولمفردات خاصة بالبيئة المحلية حملها الفن الدرامي السوري ككل , فيما بعد وقد اعتمد على أعمال مسرحية خالدة في بعض مراحل مسيرته الفنية.
التقينا مع الفنان/ تيسر السعدي/ فرجع إلى الزمن الماضي مستحضراً تفصيلات وذكريات غنية ومحطات آسرة فقال: ولدت عام 1917 كما يقال /أيام الكاز/ في عام كثرت فيه أحداث عالمية وعربية ومحلية , ففي حي/ القيمرية / بدمشق وبجانب الجامع الأموي كانت طفولتي الأولى إذ نشأت مع مجموعة من الفنانين السوريين يقطنون نفس الحي منهم/ رفيق سبيعي/ و/ أنور البابا/ وغيرهم , بعد ذلك انتقلت العائلة إلى حي / السروجية/ فكان لبيتنا الجديد شبابيك تطل على النهر ومقابلها وعيت على كل الفنون من خلال سينما حافلة صالاتها بالكثير من العروض فتابعت/ كركوز وعواظ/ في حينا الجديد كان / تياترو القوتلي/ وسوق الخيل , نهر بردى المكشوف وأشياء جميلة لاتنسى أما شبابيك بيتنا فقد ربطتني بها فأسمع الشيخ/ أمين حسنين/ و/منيرة المهدية/ اللذين كانا يقومان بجولات فنية في كل أنحاء العالم ومنها دمشق, كما كنت أشاهد العروض المسرحية والأوبريت ولازالت في بالي أوبريت/ روميو وجولييت/ ذلك العرض المسرحي الذي حولها الشيخ سلامة حجازي إلى أوبريت وغناها على مسارح دمشق.
وقد ترسخت في ذهني منذ طفولتي أشياء كثيرة , وتعلقت بعالم الفن .
وبما أن المسرح المصري كان في عصره الذهبي, فقد شاهدنا معظم عروضه إضافة إلى الأفلام- فكانت فرقة/ عزيز عيد/ مع/ فاطمة رشدي/ جورج أبيض/ /يوسف وهبي/ وكلهم قدموا المسرحيات والتمثيليات الميلو درامية والروايات التراجيدية , فحتى /نجيب الريحاني/ عبقري المسرح, كان له مواسمه الخاصة في سورية فمجمل هذه الظروف والصدف عرفتني على عمالقة الفن التمثيلي من /يوسف وهبي/ زكي طليمات/ أحمد علام / والذين درسوا المسرح في فرنسا ونهضوا بالمسرح فكانوا مثقفين ,مخرجين ,وممثلين حقيقيين صنعوا للفن هيبته وحضوره واحترامه في عاملنا العربي.
وبالنسبة ل بيئتي الأسرية كانت مليئة بالحنان والمحبة إذ عشت في أسرة مؤلفة من عشرة أولاد منهم ست بنات وأربعة ذكور , أما وضعنا المادي كان مقبولاً نوعاً ما فا لوالد كان يملك/ فرنين/ للخبز وكان محبوباً في حينا, وكانت الأمية منتشرة بكثرة فالناس بالكاد يعرفون قراءة القرآن والحساب ومن جهتي كنت أحب التعليم ومشغوفاً به فبعد دراستي الابتدائية , أتى من يقترح على والدي سحبي من الدراسة والعمل معه في الفرن, لكن أحد المثقفين الأصدقاء تمكن من اقناعه بمتابعتي الدراسة ربما أصبح دكتوراً أو مهندساً وهكذا.. فاستسلم الوالد وكان القسط وقتها بالذهب , يصل إلى 12 ليرة ذهبية فتركني والدي في دراستي وقتها لكن بوقوع الحرب العالمية نزلت أسعار العملة و خسر الوالد في عمله , بعد أن حطت على رؤوسنا أزمة اقتصادية كبيرة و كانت وقتها عالمية فوقع الجوع على الناس , خصوصاً أن الفرنسيين أخذوا أرزاق الناس , لذلك واجهت حياتي الدراسية رغم رغبتي الشديدة صعوبات كثيرة . ذهبت إلى حلقة الكتاب , ثم انتقلت إلى مدرسة جديدة أنشأها الأتراك و مدرسة ايطالية و بعدها أصبحت في الشارع و صرت أبحث حتى وصلت إلى مدرسة / اللاييك /, و في تلك المدرسة تقربت أكثر من المسرح فكان الكثير من العروض المسرحية منها / أوديب / ل / سوفكولس / فشاركت فيها و قد ساعدني شكلي على ذلك إلى أن أكون إلى جانب أعظم ممثل في فرنسا في أداء الشعر و هو / جان هيرفيه / فحفظت أشعاراً صار عمري 90 عاماً ,ولم أنسَها , كما علمني ذلك الممثل كيفية التحضير و العمل و البروفه و المكياج ما دفعني إلى اعتبار المسرح هاجسي اليومي هذا المسرح الذي وضعني في الاتجاه الصحيح و الوعي لما يعنيه الفن و التميز بين الغث و الثمين بعيداً عن التهريج و المسرح الرخيص لصالح المسرح الراقي , بعدها اصبح لدي المام باللغة الفرنسية كما الإيطالية و الإيمان بضرورة الثقافة و الدراسة للمعهد التمثيلي , طبعاً بعد تمثلي أكثر من دور في عروض مسرحية مثل / مجنون ليلى / و الذي نجحت فيه نجاهاً باهراً , فكثرت علي الاقتراحات بضرورة دراسة هذا الفن لأن مستقبلي فيه وقد ساعدني / شكيب الجابري / نتيجه صداقته مع مدير الأوبرا المصرية وقتها , فأعطاني كتاباً لمساعدتي في مصر , كما خابر / زكي طليمات / طالباً منه العناية بي بشكل خاص , فأعطوني موعداً للفحص الذي قدمت فيه مقاطع من / مجنون ليلى / فتم قبولي ودرست في مصر المعهد التمثيلي إلى جانب فنانين كبار في الوطن العربي ,و من مصر بعد عودتي كان أهم الخطوات التي قمت بها أنني استلهمت من التراث الكثير من الأفكار و بدأت بتمثيليات شعبية لم تأت من فراغ بل أخذت من أجواء الحارة الشعبية و مفرادتها و من الحياة العادية بعيداً عن التقليد السطحي , كما انضممت إلى مسرح نادي الفنون الجميلة و الذي ضم الكثير من المثقفين و الفنانين مثل / أنور البابا / / سلام أبو الشامات / / و صفي المالح / / توفيق العطري / / عبد الله أبو السعود / , حيث قمنا من خلال النادي بتجسيد عروض مسرحية عالمية و محلية كثيرة
أما رفيقة العمر / صبا المحمودي / تعرفت عليها عن طريق عرض مسرحي أقامته جمعية المرأة فوالدها لاجىء ,سياسي من تونس , و عائلتها تشارك في الأعمال الخيرية على الدوام و تم الاتفاق على إقامة العرض لصالح الجمعية ووزع الأدوار علينا / حكمت محسن / بما فيها تلك الفتاة الجميلة و أول ما شاهدتني دخلت إلى قلبها كما أخبرتني فيما بعد و هكذا بدأت حكايتنا التي تخوفنا من دخولها كوني فناناً فقيراً و هي ابنة العائلة الغنية لكنها رضيت بكل المصاعب و رافقتني حياتي دون أي شروط تزوجنا و انجبنا 3 أولاد و أصبحت فيما بعد شريكتي في العمل الفني من خلال / نصف ساعة درامية / يوميه لمسلسل / صابر و صبرية / في الإذاعة . قدمنا فيه الفن الجميل و الخط الإنساني والإجتماعي الظريف الذي يتخلله كوميديا على طريقة / شر البلية ما يضحك / و حاولنا ترسيخ الفكاهة الراقية و كوميديا الموقف , و كان لي تمثيليات تفوق ال (الألفي عدد ) عدداً كلها عالجت قضايا الناس بأسلوب كوميدي دون تجريح , دون أن أجعل الناس يضحكون على الآخرين , فلا يجوز أن أسخر من فقير , أو من يملك مالاً أو عيباً شخصياً , و أبتعد عن الفكاهه السطحية الدرامية , مثل الضحك على الحماة مثلاً , فهناك خطوط حمراء أبتعد عنها تقديراً لمشاعر الناس , فالنقد فن يجب أن يكون مقنعاً كي يتمكن من التأثير ,و هكذا بقيت أعمل لمدة 75 سنة في مجال الفن دون انقطاع مررت خلالها بمحطات فنية لا تعدو و لا تحصى , و لا بد من الذكر بأن أحييت شهر رمضان لمدة 35 سنة عبر الدراما التلفزيونية كما عملت مخرجاً اذاعياً ولعقود طويلة , كتبت السيناريو لمئات التمثيليات و عملت مسرحيات طويلة و قصيرة و شعبية درجنا فيها اللهجة الشعبية و انتقينا طريقة أداء مناسبة بعيدة عن النمطية التي تم اعتيادها في المسرح . و عبر عملنا الفني الطويل رسمنا مفردات محلية عريقة طالما شهدناها عبر الدراما السورية الحالية .
آنا عزيز الخضر
المصدر: الثورة
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد